د. بهاء حلمي يكتب: تراجع النخبة المثقفة
يعرف البعض النخبة بأنهم مجموعة من الأشخاص الأكثر قدرة من غيرهم وتعتبر من طبقة أو شريحة منتقاة من أى نوع عام، ويعرفها البعض الآخر بأنهم مجموعة صغيرة من الأشخاص المسيطرين على موارد مالية ضخمة وقوة سياسية لهم تأثيرية كبيرة.
وهناك من يعرفها بأنهم مجموعة من الناس فى مجتمع ما تمتلك مكانة خاصة بها ذات اعتبار وأهمية.
ويعتبر البعض أن مفهومَ النخبة المثقفة مفهوم راق وسام كونها تتمتع بسمات خاصة فكرية أو أدبية أو وضع قانونى وإدارى متميز وتحظى بمكانة اجتماعية عالية الشأن وتؤثر فى الشرائح الأخرى، كما تعد العقل المفكر والكيان المعتدل فى بحث المشاكل والحلول سواء كانت اقتصادية أو سياسية أم اجتماعية فى مجتمعاتها.
نخلص من هذه التعريفات إلى أن النخبة المثقفة هم الوجهاء والصفوة التى تتميز بالتفرد والقدرة على قيادة المجتمع وتوجيه الرأى العام للأفضل، وعليها لعب دور قيادى فى تشكيل ثقافة المجتمع من خلال الإلمام بطبيعته وتحولاته الفكرية وأساليب التغير الاجتماعى والفكرى وتحليل الأحداث وفهمها الفهم الصحيح واستشراف المستقبل.
من الملاحظ تراجع دور النخبة المثقفة فى المجتمع المصرى وتراخيها إزاء قضايا مصيرية مثل الهوية والمبادئ والقيم وتنمية الوعى فى مواجهة عصر العولمة وانتشار الثقافة الرقمية الذى أصبح واقعا جديدا له تداعياته على الفكر والوجدان، مما قد يترتب عليه تعديلات شاذة تحت مسمى الرقى والتطور.
إن الثقافة الرقمية التى تغزو العقول عبر الحدود لتغطى أرجاء المعمورة هى ثقافة أمريكية بالتأكيد بعضها مفيدا إذا عرفنا مخاطرها، وقد يحمل مضمونها أفكارا خبيثة أو تصرفات شاذة تنطوى على الخراب والانحطاط طالما انسقنا خلفها دون وعى أو سعى حقيقى إلى الحفاظ على قيمنا ومبادئنا الوطنية وحماية موروثنا الحضارى وهويتنا الوطنية.
ويثار التساؤل عن أسباب تراجع دور النخبة المثقفة بالمجتمع المصرى قياسا بدور مؤسسات الدولة القوية وخطواتها السريعة سواء كان فى مكافحة الإرهاب أو فى بسط الأمن والاستقرار أم فى مجال تحقيق التنمية المستدامة، هل يعد هذا تقاعسا أم انسحابا طوعيا للنخبة المثقفة من المشهد الثقافى والمجتمعى؟.
إن دور النخب المثقفة فى المجتمعات هو حماية الوطن والمواطن والدفاع عنه فى مواجهة المخاطر والتهديدات المحتملة والأفكار المسمومة والظواهر الشاذة على كافة الأصعدة الفكرية أو الاجتماعية أو الأخلاقية وغيرها التى تستهدف المواطن أو المجتمع.
إذا كانت النظم السياسية تفرز نخبًا خاصة بها تتغير وفق رؤيتها من مرحلة إلى أخرى فإن النخب الثقافية لا تتم صناعتها أو تشكيلها أو استدعاؤها بقرار.
فهذه الصفوة هى حائط الصد فى رصد وتحليل الظواهر والأحداث الاجتماعية ومواجهتها بالفكر والوعى الثقافى.
لم يعد دور النخبة المثقفة كما كان فى تاريخ مصر السابق، ولا يمكن القول بأن تراخى النخبة المثقفة فى أداء دورها بسبب ضعف منظومة الإعلام، إن دور النخبة المثقفة ينطوى على عمل وجهد ثقافى واجتماعى وطنى بدافع داخلى من كل مثقف.
إنها دعوة لمواجهة كل ما يمس الثقافة والأخلاق والقيم والتنشئة وسلوك الأفراد وتصرفاتهم وعلاقاتهم فى مجتمعنا المصرى بما يتفق مع الانفتاح المحسوب على المعرقة والعلم والتكنولوجيا.
www.bahaahelmy.com