منذ صغره، شغف "بلال موسى" حبًا بالرسم، صار الشيء الأقرب إلى قلبه، فكان يهرب من المذاكرة والدروس إلى لوحاته وأقلام التلوين، ومع الوقت أخذت موهبته حيزها في الانتشار بين أوساط المعلمين، حيث وجهوا له دفعة من الحماس والتشجيع، حينها تحولت الهواية بالنسبه له إلى موهبة، فآمن معها أنه لابد وأن يعمل على نفسه أكثر ويتابعها بالتدريب "كان كل فترة لازم أطول من نفسي شوية"، حسبما يقول بلال لـ"الفجر".
أخلص ابن مدينة إدلب السورية للرسم، فأضيف إلى قاموس إبداعه القدرة على عمل الجداريات؛ وهو أحد الفنون التي بدأت في الانتشار بشكل كبير خلال السنوات الماضية، فيقول بلال إن هناك خيطًا دقيقًا يفصل بينهما، حيث يكمن الاختلاف في الرسم المألوف والعادي وبين الجداريات، أن الأولى على الورق والأخرى على الجدران، وعندما يهمّ بعمل لوحة جديدة، يفاضل بين كلا الوسيلتين ويختار الأنسب للتفاصيل التي يرغب في تجسيدها.
رسم الجداريات بالنسبة لـ"بلال"، هي النافذة التي يطل من خلالها على العالم، ويعكس عن طريقها المعاناة التي يجابهها السوريون داخل المناطق المحررة، كما امتدت لوحاته أيضًا لتشمل قطاع غزة، حيث يؤمن أن مأساة كلا البلدين متشابهة حد التطابق "اللي بيصير في سوريا هو اللي بيصير في غزة"، فالسوريون والفلسطينيون يعيشون في ذات الأجواء؛ المعبأة بالقصف والدمار وسقوط الضحايا بشكل يومي، لذا لا يكف عن عمل الجداريات التي يوجه بها رسائله باستمرار، من أجل أن ينقل لكل أجزاء العالم المترامية ما يحدث لهم.
تحمل لوحات الرسام السوري، دائمًا نبرة اعتراض على اعتقال أحد معارفه أو أصدقائه أو تقويض الحارات التي ركض فيها والمدارس التي تعلم في فصولها، والتي تحولت إلى ركام نتيجة القصف المستمر، كما يمثل له أيضًا الصرخة التي يطلقها حزنًا على الضحايا "هذا الشئ بيأثر فيا ساعتها بكون بدي أنقل الحدث بشكل مباشر"، يقولها بلال قبل أن يوضح أن لوحاته تسرح دائمًا بخيال من يشاهدها وتقوم بعمل مقارنات بين الأشياء، وذلك كي يجعل الفكرة مفهومة وقريبة من ذهن المشاهد.
يحضر رسام الكاركاتير الفلسطيني "ناجي العلي" في ذهن بلال على الداوم، يعتبره الأخير أيقونة لكل الرسامين المنشغلين بقضايا الدفاع عن أوطانهم حتى الرمق الأخير "هو رمز بالنسبة إلنا جميعًا"، حيث ظل ناجي العلي يرسم عن فلطسين إلى أن تم اغتياله على يد مجهول بأحد ضواحي لندن عام 1987. يستبعد بلال المصير ذاته، لكنه لا ينفي عن نفسه فكرة الرحيل في أي لحظة كباقي السوريين الموجودين في المناطق المحررة، حيث يتربص بهم الموت في كل الزوايا والأركان.
لا تتوقف نشاطات بلال داخل حدود اللوحة والريشة، بل إنه يمارس أيضًا عمله بأحد الفرق التطوعية التي تعني بقضايا اللاجئين، ويعتبره أحد أهم الأشياء التي يقوم بها "بحس إني مرتاح كتير لما أقدم المساعدة لحد محتاج"، حيث تأسره ابتسامات الأطفال الصغار ودعوات الأمهات الطيبة، وقد أضفى هذا الأمر طابعًا مختلفًا على لوحاته، ويعطيه دفقة من المشاعر الإنسانية، بجانب الدفعة المعنوية الكبيرة، تحثه على الاستمرار حتى لا يكف عن عمله الدؤوب.
لوحات كثيرة خطتها ريشة بلال، صار لا يفوت حدثًا دون أن يضعه في أطار من الألوان المنمقة، فبات يؤمن أن الرسم هو بديل آخر للمقاومة بالسلاح، ففي حين يستهدف الرصاص الأجساد يستهدف هو العقول ويزرع فيها حب القضية السورية وثورتها، لذا قام بعمل جدارية يتضامن من خلالها مع الثورة اللبنانية، حيث لاقت تفاعلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان هدفها منها أن يقول للعالم، أن سوريا لا يوجد بها إرهاب بحسب ما يُروج عنها، بل إنهم محبون للسلام وداعمون للثورة في كل البدان العربية.