منال لاشين تكتب: چنرال الأوبرا يفتح خزائن أسراره
روى ما تسمح به الظروف والتقاليد
عبدالناصر طلب لقاء سريا معه وهو لا يزال ملازما
منع دخول كاظم الساهر من الأوبرا
وزير الدفاع شاهد بنفسه فيلم «عبود على الحدود» للسماح بعرضه
ترك مكتبه لتصوير مسلسل أم كلثوم وأصر على تسجيل شهادة الفريق الشاذلى وفوجىء برفض هيكل للمشاركة فى أفلام وثائقية عن حرب أكتوبر
المشير طنطاوى داعبه قائلا: يا سمير أنت داخل النار
تحت عنوان خادع «وداعا للسلاح» أصدر الدكتور اللواء سمير فرج الجزء الأول من المذكرات، فمن يقرأ العنوان سيتصور أنه أمام مذكرات رجل عسكرى يحكى ما تيسر من الأسرار، ليس لأن هذا الكتاب الممتع يروى عالم سمير فرج العسكرى والمدنى أيضا. ولكن الأهم أنه لم يترك الجيش لحظة، فقد حمل فى قلبه وعقله ومشاعره قيم الجيش المصرى العظيمة.
تضم المذكرات قصصا وحكايات لنجوم كبار فى سماء مصر التقاهم وتعامل معهم سواء خلال خدمته فى الجيش لمدة أربعين عاما ثم حياته المدنية وأشهرها بالطبع رئاسة الأوبرا، وقد اختار لهذا الفصل عنوان «چنرال الأوبرا»، والمذكرات التى تحمل نفس اسم رواية الأديب العالمى أرنست همنجواى لا تخلو من شاعرية حتى فى أحلك الأوقات لكاتبها وهى حرب اليمن، وحين تنتهى من الجزء الأول للمذكرات سينتابك إحساس أنها مذكرات عشرة رجال أو أكثر، فما فعله سمير فرج فى حياته يصعب بالفعل تصديق أنه نتاج عمر رجل واحد، هذا رجل عشق السلاح والفن والإدارة باختصار، رجل يعشق النجاح والإنجاز، وسوف تلاحظ فى الكتاب بجانب التقدير الشديد لقيم العسكرية المصرية فيضا من التقدير والمودة والإعزاز لشخص المشير حسين طنطاوى، وقد اكتشفت من خلال قصص ووقائع المذكرات خطأ الصورة النمطية عن الأوامر فى الجيش المصرى، فالمدرسة العسكرية المصرية تسمح بالنقاش فى كل الأمور وبمنتهى الديمقراطية ولكن إذا تم اتخاذ القرار فعلى الجميع الانصياع له.
1- لقاء سري مع الزعيم
التحق سمير بالكلية الحربية وعمره 15 عاما كأصغر طالب، وتخرج فى الكلية فى الـ17 ونصف بسبب حرب اليمن، وأول مهامه كانت حرب اليمن الصعبة جدا، ثم حرب 67، ويحكى عن لقاء سرى جرى بينه وبين عبدالناصر.ويؤكد هذا اللقاء ما قلته عن ديقراطية اتخاذ القرار فى الجيش، فقد سمع عبدالناصر من خطيب ابنته الراحل أشرف مروان أن الرائد سمير فرج غاضب، وسبب الغضب أن الأوامر كانت تقضى بألا يرد الجنود والضباط على ضربات إسرائيل إلا بعد تلقى الأوامر من القيادة فى الإسماعيلية وفى إحدى المرات قام جندى بالرد ودمر دبابة إسرائيلية، ففرح الجنود المصريون إلا أن الجندى عوقب لمخالفته التعليمات، فغضب الرائد سمير فرج، فما كان من القائد إلا أن منحه إجازة لتهدئة أعصابه، وعلم عبدالناصر بالقصة من خلال خطيب ابنته «أشرف مروان»، وفوجئ سمير بأشرف مروان يصطحبه إلى منزل عبدالناصر، وأنه يتناول العشاء مع الزعيم، وحكى عبدالناصر للرائد الشاب أن ما فعله الجندى أدى إلى ضربات مكثفة على السويس.ولذلك فاتباع الأوامر ضرورة، ولكن عبدالناصر أمر بوقف عقوبة الجندى، وتغيير النظام فترك قرار الرد على هجمات إسرائيل للقيادة فى الميدان.
2- مواجهة مع شارون
فى محطة أخرى تصل بنا الذكريات إلى إيفاد سمير لبعثة فى كلية كمبرلى الملكية فى بريطانيا، وذلك بعد انقطاع دام عشرين عاما. وبذلك تمكن سمير من دراسة المدرستين الشرقية والغربية فى العسكرية، وقد حصل الضابط المصرى على المركز الأول فى دفعته، وعين مدرسا بالكلية، وبذلك أصبح المدرس الوحيد من خارج دول المجموعة البريطانية، ويحكى سمير فرج كيف عاش هذه الفترة مرفوع الرأس، لأن الجميع كان يقدر الانتصار الكاسح لجيشنا فى أكتوبر 73، ولكن الحدث الأهم هو دخوله فى مواجهة علنية وعلى الهواء مباشرة مع الچنرال الإسرائيلى شارون فى الإذاعة البريطانية وفى أهم برامجها، وكانت المواجهة حول حرب أكتوبر، والحكام من خيرة القيادات العسكرية العالمية.. وظل سمير مع وزارة الدفاع يعدون لهذه المواجهة الشرسة، وانتهى هذا الحدث التاريخى بفوز كاسح لسمير فرج ولمصر.
3- نجم الإعلام العسكرى
من أهم الأعمال التى قام بها سمير فرج هى إنجازاته فى إدارة الشئون المعنوية.فقد تم تطوير كبير داخل الإدارة وشمل التطوير الإعلام العسكرى.. وفى المسارح التابعة للجيش وأقيمت ندوة عالمية مهمة عن حرب أكتوبر بمناسبة مرور ربع قرن على انتصار أكتوبر، وحرص سمير فرج على مشاركة كل قيادات حرب أكتوبر، بما فى ذلك الفريق الشاذلى، وذلك على الرغم من الخلاف بين الشاذلى ومبارك، ولكن وزير الدفاع اشترط فى تسجيل الشاذلى اقتصار التصوير على واحد فقط، وأن يشاهد التسجيل أولا وهو ما حدث بالفعل. ولم يوافق الكاتب الكبير الراحل هيكل على التسجيل متعللا بوجود صفوت الشريف، كما أدخل سمير فرج مشاركة المدنيين فى احتفالات أكتوبر، وعندما أحس اللواء فرج بموهبة محمد هنيدى قام بتخفيض إيجار المسرح، حتى يدعمه فى بدايته، من أجمل القصص قصته مع المخرجة أنعام محمد على، فقد لا يعلم الكثيرون أن مسلسلها «أم كلثوم» تم تصوير الكثير من مشاهده فى مكتب اللواء سمير وغرف مبنى الشئون المعنوية، ويحكى سمير فرج قصة ساخرة عن فترة وجوده فى الشئون المعنوية ولكنها قصة موحية. فقد كان سمير فرج يبذل أقصى جهده لإخراج الزيارات العسكرية لمصر فى أحسن صورة، وفى زيارة لوزير الدفاع الألمانى.اختار سمير فرج مجندا خريج جامعة أمريكية ويجيد الألمانية ليعمل سائقا لسيارة زوجة الوزير الضيف، وفى المساء وخلال عشاء استقبال إقامة المشير طنطاوى للضيف، جلست زوجة الوزير بجوار المشير وحكت له بانبهار أن المجند السائق شرح لها كل معالم القاهرة.. وعندما مرت على البرلمان شرح لها الفرق بين البرلمان الألمانى والمصرى، والفروق بين الدستور الألمانى والمصرى، وعندما مروا بجوار الأوبرا شرح لها برنامج الأوبرا خلال الأسبوع، وبعد العشاء قال المشير طنطاوى له: يا سمير أنت داخل النار.. الست راجعة بلادها وهى فاكرة إن كل العساكر بيتكلموا ألمانى ويفهموا فى السياسة والفن.
ويشيد اللواء سمير فرج بموقف المشير من قضية منع فيلم «عبود على الحدود» للراحل الرائع علاء ولى الدين، فقد رفضت لجنة مشكلة من وزارة الدفاع عرض الفيلم، وطلب كل من المخرج شريف عرفة وعلاء ولى الدين من اللواء سمير فرج محاولة التدخل لعرض الفيلم، وبالفعل تم تشكيل لجنة أخرى برئاسة اللواء فرج ووافقت على عرض الفيلم. وأمام تضارب قرار اللجنتين قرر المشير طنطاوى مشاهدة الفيلم بنفسه هو ورئيس الأركان، وتم السماح بعرض الفيلم.
ألم سمير فرج الوحيد فى هذه الفترة كان وقف مشروع فيلم عالمى عن حرب أكتوبر.فيلم على غرار الفيلم العالمى «أطول يوم فى التاريخ» وكان تصور سمير فرج أن يكون الفيلم أربع ساعات، النصف الأول عن حرب الاستنزاف والنصف الثانى عن انتصار أكتوبر.
وبالفعل كتب الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة نصف الفيلم، واستعد المخرج شريف عرفة لإخراجه، وتم الاتفاق مع مخرجين عالميين لإخراج المعارك، ولكن كل ذلك توقف بسبب حملة الكاتب الراحل إبراهيم سعدة على اختيار أسامة أنور عكاشة لكتابة الفيلم بحجة أنه ناصرى وسيظلم السادات، ولاشك أن من حق سمير فرج أن يتألم ونحن معه للنهاية المؤسفة للفيلم العالمى عن حرب أكتوبر.
4- رحلة مع الفن
وإذا كان الفن تقاطع أحيانا مع سمير فرج خلال تواجده فى الجيش، فقد أصبح غارقا لأذنيه فى الفن عندما تولى منصب مدير الأوبرا، وقد اختار لذكريات الأوبرا عنوانا موحى (چنرال الأوبرا) وذلك لأن البعض هاجم اختياره فى البداية وهو الرجل العسكرى لإدارة بيت الفن، ولكن سمير فرج استطاع أن يخطف الاعجاب بإنجازاته فى الأوبرا.والتى لا يزال بعضها مستمرا، لم يكتف بتجديد أنظمة الصوت فى الأوبرا، ولكنه قاد حركة تطوير فى الفرق والمسارح، وقدم أوبرات مصرية وعصرية. وفتح باب الأوبرا للشباب وهو صاحب فكرة حفلات الوقوف فى الأوبرا لكبار المغنيين مثل محمد منير، وطور كل مهرجانات الأوبرا والمسارح التابعة له، وكان يتذوق الجمال دون أن ينسى الانضباط، فقد قام بإصدار قرار بمنع المغنى الكبير ساهر كاظم الساهر من الغناء فى الأوبرا لأنه تهرب مرتين من الغناء بأسباب كاذبة، هوجم على هذا القرار مثلما هوجم على قرارات كثيرة اتخذها فى الأوبرا، ولكن الجميع رحب بهذه القرارات، واعتبروه المؤسس الثانى للأوبرا.
بالطبع من الظلم أن ألخص كل ما جاء أو حتى أهم ما جاء فى المذكرات، لأنها كما قلت مذكرات رجل متعدد المواهب والإنجازات عاشق للنجاح فى كل موقع عمل به، وعلى الرغم من أنه باح بالكثير، إلا أن هناك قصصا أكثر لم يبح بها لأسباب تتصل بالأمن القومى.ولكن هذه قصة أخرى.