"صناع التحدي".. أبطال على كراسٍ متحركة قهروا المستحيل (صور)
عيون يفيض منها الأمل، وجوه باسمة الثغر دائمًا، مضيئة كنبراس للنجاح ترشد المضلين، أيادي تزيح عواقب الحياة، أقدام تحاول أن تنسى عجزها، واتكائها على كراسي معدنية، ذات عجلات تزج بهم نحو أحلام باتت هي الشعلة التي تنير حياتهم بعد تهدمها.
"عمر، يمني، دعاء" أبطال غيروا الكثير في مجري حياتهم، حتى أصبحوا مثلًا يحتذي به بعد أن حققوا أحلام لم يقدر عليها بعض الأصحاء، فأصبحوا لاعبي فريق الكاراتيه الخاص بعروس البحر المتوسط، لذوي القدرات الخاصة.
"يمني": حصدت المركز الرابع في بطولة العالم وأسعى للحصول على الذهبية
"الكرسي ده أبني"، كلمات عبرت بها يمني طارق، البالغة من العمر خمسة وعشرون عامًا، تخرجت العام الماضي من كلية لهندسة قسم حاسب آلي واتصالات، عن ارتباطها الوثيق بالكرسي المتحرك الخاص بها، التي تخطت علاقة مجرد كرسي، واعتبرته ابنها المدلل.
في ليلة وضحاها، استيقظت يمني فاقدة الحركة، قدماها لم تستجيب لرغبتها في النهوض والذهاب للمدرسة التي طالما تميزت بها، وفي هذه اللحظة كانت أول رحلة يمني المريرة مع مرض التهاب النخاع الشوكي، الذي بعد سنوات طويلة من العلاج، رفض أن يترك جسدها الهزيل سليمًا.
"أنت مش هتمشيتاني خلاص كده على رجلك"، حديث طالما سمعته يمنى على ألسنة الأطباء الذين يأسوا من علاجها من المرض الذي تملك من أطرافها السفلي، مرت السنوات التي تحملت فيها يمني وأسرتها إصابتها المفاجئة، فبدأ أهلها يجلبون لها المدرسين إلى المنزل كي لا تتأخر عن زملائها في التعليم، حتى تخرجت من كلية الهندسة، الأمر الذي أسعد أبويها حتى كادت الفرحة تخلع قلوبهم.
لم تكتف مهندسة الحاسب الآلي والاتصالات بهذا النجاح بل كان لها حلمًا أخرًا، قالت يمني صلاح، إنها كانت تحلم بالوصول إلى بطولة العالم للكاراتيه والحصول على المركز الأول فيها.
أوضحت يمني، أنها كانت تمارس رياضة الكاراتيه قبل إصابتها، حتى أنها كانت تخوض عدد من البطولات، وبعد أن وقعت طريحة الكرسي المتحرك لم تمارس وابتعدت عن الأضواء، حتى عادت من جديد في عام 2016، لتحصل على المركز الأول لبطولة الجمهورية لأربع سنوات متتالية، ومن ثم التحقت بصفوف المنتخب الوطني.
"روحت بطولة العالم وكنت مش مصدقة نفسي"، أعربت صلاح عن سعادتها البالغة بالوصول إلى بطولة كأس العالم التي أقيمت في مدينة مدريد بإسبانيا، وحصدت فيها المركز الرابع إلا أنها تدربت خلال الفترة الماضية كثيرًا، وطورت من نفسها.
قالت يمني، لـ "الفجر" إن البطولة التنشيطية التي تقام في الإسكندرية كل عام تقريبا أو كل 6 أشهر، هي بمثابة اختبار حقيقي لمستواها وتقدمها الذي أحرزته مع الكابتن أحمد عبدالواحد، الذي كان يدربها مذ طفولتها.
"عمر": كل ما أتمناه هو تلقي العلاج المناسب لحالتي
"نفسي أعيش زي باقي الناس"، هذه كانت أمنيته الوحيدة التي بات يعيش عليها الآن، بشرة قمحاوية، وجه تجمعت فيه كل مبادئ الإصرار والعزيمة، يدان تملئهما القوة، وعيون تراقب سير أوراق علاجه على نفقة الدولة.
عمر عاشور، عشرون عامًا، أصيب بمرض الصفراء منذ ولادته، إلا أنه أستمر في دمه ولن يقل، حتى تحول إلى وحش ثائر يهشم عظامه ويعصر دماءه كل ليلة، إلا أنه لم يستسلم له، وهم يحاول أن يمارس رياضة الكاراتيه، التي جعلت منه بطلًا كل المصابين بالأمراض التي جعلتهم يقعون تحت طاولة مرضي ذوي الاحتياجات الخاصة.
تحولت حياة عمر، إلى رحلات ذهاب وعودة من وإلى مستشفيات إسكندرية حتى ينهي أوراق علاجه على نفقة الدولة، إلا أنه في نهاية المطاف وجد نفسه موضوعًا في مستشفى متهالكة لا تملك أي من المرافق، ولا بها مستوي مناسب من الرعاية في منطقة حلوان، فحزن على نفسه حزنًا شديدًا، حتى أنه قرر الفرار منها وعدم العودة لها، على حد قوله.
"المفروض أتعالج برة لأن مستوى العلاج في مصر مش مناسب لحالتي"، هذا كان الرجاء الوحيد لعمر، الذي يشعر أنه من الممكن أن ينقذ حياته ويغيرها، فهو يشعر أنه أن تم علاجه في الخارج فإنه سيشفي أما إذا بقي هنا فلن يجد جديد في أمر علاجه.
هرب عمر من أزمات الحياة وتعثر عملية علاجه بالكاراتيه، الذي أعتبره ملاذه الوحيد للشعور بالذات والقدرة على تغير مصير حياته.
دعاء: "شلل الأطفال منعني من التعليم.. لذلك توجهت للكاراتيه
كانت المرحلة الابتدائية هي آخر ما علمته دعاء صلاح، لاعبة الكاراتيه في فريق الإسكندرية لمتحدي الإعاقة، ذات الثلاثون عامًا عن التعليم، الذي حرمت منه على يد أسرتها التي كانت تخشى عليها حتي من الذهاب للمدرسة، فرغم نجاحها جلست في المنزل.
شعرت دعاء حينها بأن المرض قد أنهي كل شيء ودخلت في دوامه كبيرة من الاكتئاب الذي استمر لسنوات عده، حتي ذهبت في أحد الأيام إلى مقر إحدى المؤسسات الخيرية وجلست في حلقة استماع، وعلمت حينها أن الحياة لم ولن تتوقف، وتعلق قلبها برياضة الكاراتيه التي حافظت على ممارستها منذ عام 2016 وحتى اليوم.
خاضت لاعبة الكاراتيه بفريق محافظة الإسكندرية لمتحدي الإعاقة، بطولة الجهورية ثلاث مرات متتالية، وحصدت فيهم مراكز متقدمة، ففي عام 2016 حصلت على المركز الخامس.
أوضحت دعاء أن خوف أهلها عليها، هو أكثر ما يضايقها، إذ أنهم يرفضون خروجها من المنزل، وأصدروا قراراتهم عدة مرات بعدم خروجها وحددها، معلقه "رافضين أن أعتمد على نفسي مع أني أقدر فعلا أعمل كل حاجة لوحدي".