خبير استراتيجى : ثورة 30 يونية ترسم أسس النظام العالمى الجديد
مني النشار
صرح اللواء محمد الغباشى الخبير العسكرى والاستراتيجى إننا إذا اردنا تقييم الموقف الأمريكى إزاء الأوضاع الراهنة فى مصر والموقف من الجماعة المحظورة فعلينا دراسته من خلال منظومة العلاقات الأمريكية الإخوانية خاصا فى العشر أعوام الأخيرة .
فالمرحلة الأولى بدأت فى عام 2005 عندما كان بعض قيادات الإخوان وعلى رأسهم خيرت الشاطر فى السجن بالتزامن مع سجن الدكتور سعد الدين ابراهيم الذى نسق الاتصالات الأمريكية الإخوانية من خلال جمعيات حقوق الإنسان التى كانت تزوره وقد طالب الإخوان المعاملة بالمثل وبالتالى شكلت تلك الجمعيات الغطاء الشرعى للاتصالات الأمريكية الإخوانية .
ثم المرحلة الثانية وقد بدأت جولتها الأولى قبيل ثورة 25 يناير حيث كانت تجرى اتصالات بين عدد من الإخوان ومن بينهم الرئيس المعزول السابق محمد مرسى من خلال وسيط تركى الجنسية وهذا هو السبب الرئيسى لالقاء سلطات الأمن القبض على محمد مرسى بتهمة التجسس والتخابر يوم 27 يناير لرصدهم تلك الاتصالات .
ثم بدأت الجولة الثانية وهى فى شهر يونية 2011 بعد نجاح الثورة وتم رصد لقاءات بين الإخوان والسفارة الأمريكية وكذلك سافر أعضاء من الجماعة المحظورة إلى الولايات المتحدة ووقتها لم يكن قد أنشئ حزب الحرية والعدالة بعد وجميع هذه اللقاءات تمت بين الامريكان والجماعة المحظورة التى كانت ولا تزال ليس لها وضعية قانونية أو كيان سياسى شرعى وقد تقدمت أنا بعدة تساؤلات ووجهت انتقادات حادة لتلك المفاوضات المشبوهة خلال لجنة الحوار الوطنى والتى كان يرأسها وقتها الدكتور يحى الجمل وكنت عضوا بها ولم يكن لتساؤلاتى المشروعة أى صدى على الرغم من افتضاح تلك المشاورات لدى الصحف الأمريكية .
ثم بدأت الجولة الثالثة من المرحلة الثانية وقد تخللت الانتخابات الرئاسية بجولتيها حيث تم رصد 150 مليون دولار منحتهم الادارة الأمريكية للإخوان كدعاية انتخابية وفى جولة الاعادة تم رصد 600 مليون دولار أيضا منحتهم الادارة الأمريكية للإخوان وأيضا كدعاية انتخابية ولكن الأخطر من ذلك أن فى تلك المراحل المفصلية سافر 30 شخصية إخوانية إلى امريكا والتقوا ب 60 شخصية من الخلايا النائمة للإخوان فى امريكا وقسموا نفسهم ثلاثين مجموعة كل مجموعة مكونة من ثلاثة افراد وقاموا بمساعدة اطرافا امريكية حرصت الإخوان باقامة علاقات معها بارسال التطمينات إلى الادارة الأمريكية وهذه الاطراف هى الكونجرس ومؤسسة الرئاسة وبعض المراكز البحثية وبالتزامن مع تلك الزيارة جاءت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون إلى مصر وقامت ببعض الضغوط من أجل تسليم السلطة إلى محمد مرسى .
واضاف من المهم فى هذا السياق معرفة ما الذى كانت تحاول الإخوان تقديمه للادارة الأمركية حتى تحظى بذلك الدعم المادى والسياسى وما الدور الذى رسمته الادارة الأمريكية لهذه الجماعة الخائنة للوطن والإجابة بالقطع هى المصالح الصهيونية الأمريكية والتى تتبلور فيما يعرف بالبنود الأربعة وهى أمن إسرائيل والحفاظ على اتفاقية السلام وحل المشكلة الفلسطينية من خلال اقامة وطن بديل للفلسطنيين فى سيناء وحرية الملاحة فى قناة السويس فى الأوقات العادية وفى وقت الحروب ورعاية المصالح الأمريكية والتى تتضمن الدعم اللوجستى للقوات الأمريكية فى وقت الأزمات العسكرية فى العبور الآمن عبر المجال الجوى أو البحرى والحفاظ على السياسات الرأسمالية العولمية وأخيرا وهذا هو البند الأهم والأخطر وهو تكوين هلال سنى فى مقابل الهلال الشيعى وذلك هو المكون الرئيسى واللبنة الأولى للحرب العالمية الثالثة التى كانت ترتب لها امريكا على معيار أن الآلة العسكرية تدورالآلة الاقتصادية وقد أبدى الإخوان بكل خيانة اتم الاستعداد لعمل كل هذه الطلبات غير الوطنية مقابل الدعم الأمريكى .
أما ما يتعلق باختيار محمد مرسى كمرشح رئاسى فإن ذلك اختيار أميركى وهو راجع لسابق الخبرة القديمة بين امريكا ومرسى من خلال العملية الاستخبراتية المعروفة بالكربون الأسود والتى مكنت امريكا من اختبار مرسى جيدا والتحقق من قدراته ومؤهلاته والتى من اعظمها بالنسبة لهم الطاعة العمياء لرؤسائه فى هذا الاتنظيم الدولى بعكس خيرت الشاطر الذى يتمتع بشخصية قوية .
وتابع ثم جاءت المرحلة الثالثة والأخيرة وهى التى اعقبت تولى مرسى الرئاسة وقد مثلت هذه المرحلة اعتداء صارخا على السيادة والمصلحة الوطنية حيث هناك مجموعة من الحقائق والمعلومات الخطيرة فأولا الجماعة المحظورة تلقت مليارا ونصف دولار من الادارة الأمريكية من أجل توطين العائدين من افغانستان فى سيناء للتخلص من هذه العناصر الإرهابية والمزعجة عقب انسحاب القوات الأمريكية من افغانستان والأهم من ذلك تجميع هذه العناصر فى مكان واحد وبقيادة منظمة ليسهل توجيهها فى الاتجاه المطلوب وكانت هذه المؤامرة نقطة تلاقى وجهات النظر الأمريكية والسعودية واليمنية والإسرائلية أيضا , كما رتبت الادارة الأمريكية مع الإخوان تمويل المعارضة السورية بهذه الأموال.
وكذلك شهدت هذه المرحلة العصية التمثيلية الوهمية والتى عرفت باتفاق التهدئة الذى اعقب الهجوم على غزة والذى دخلت فيه مصر ضامن لعملية السلام وكان الغرض الأساسى لهذه التمثيلية هو دفع الأسر الفلسطينية إلى الهروب إلى سيناء كخطوة أولى على صعيد اقامة الوطن البديل وبالفعل تم نصب عدد من الخيم لاستقبال ضحايا القصف الإسرائيلى وهنا يجب الاشادة بالدور الوطنى الجليل الذى فعله اهالى سيناء الشرفاء بالتنسيق مع القوات المسلحة حيث تم التصدى وبكل قوة لهذا المخطط وبالفعل تم افشاله ثم تمت التهدئة وكان من اعظم نتائجها الكارثية على صعيد الأمن القومى نشر أجهزة استشعار ومجسات ووسائل تجسس على الشريط الحدودى على الرغم من اعتراض الرئيس المخلوع مبارك على ذلك وهذه شهاده اقدمها بموضوعية للتاريخ .
وتابع قد تخلل هذه المرحلة العصيبة العديد من مظاهر انتهاك حقوق الإنسان وحرية الرأى والتعبير والاعتداء على دولة القانون واستقلال القضاء وحقوق المسيحيين وقد تجلت هذه الصور فى اغتيال الصحفى الحسينى أبو ضيف وحبس عدد آخر وتعذيب المواطنين على أبواب قصر الاتحادية واقالة النائب العام وعودة مجلس الشعب بمخالفة فجة لحكم المحكمة الدستورية وأخيرا ولأول مرة فى تاريخ مصر الاعتداء على الكاتدرائية وغير ذلك من الأمثلة دون أى اعتراضات تذكر من الادراة الأمريكية أو العديد من مراكز حقوق الإنسان التى تتشدق بالأقليات الدينية وماإلى غير ذلك من تكميم الصحف وحرية التعبير مما يدل وبشكل قاطع على أن نظام المعزول وجماعته الإرهابية كانت على هوى الادارة الأمريكية التى لا تبالى لا بحريات دينية ولا تعبيرية , وإنما فقط تحتاجها حينما تستدعى الضرورة لذلك .
ثم يأتى مشهد النهاية فشل الإخوان تماما فى تحقيق أى انجاز على المستوى المعيشى أو السياسى واستشعر المواطن مدى خطورة هذا التنظيم الدولى على أمنه وسيادة قراره الوطنى فضلا عن الدماء الى لا تجف نتيجة المشكلة تلو الأخرى وتقسيم الشارع وشق الصف الوطنى وقتل واختطاف جنود كل هذه الأسباب دفعت الشارع إلى الخروج مجددا ضد هذه النظام التابع للتنظيم الدولى وحينما كشر اشارع عن أنيابه من خلال حملة تمرد ارتبك المشهد عند كل الاطراف التى تشكل اعمدة هذا النظام امريكا إسرائيل تركيا حماس الجميع حدث له ارتباك وفى هذا السياق من الجدير بالذكر أن نشير إلى الآلية الأمريكية فى اتخاذ القرار حتى نستطيع تقييم التعاطى الأميركى فى التعامل مع الأزمة أولا الرئيس الأميركى يأخذ قراره بناء على تقارير السفيرة الأمريكية القادمة من باكستان لتنفيذ النموذج الباكستانى فى احداث توازن بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة الدينية وهذا مشروعها الخاص التى لازالت فى دفاع مستميت عنه وفى الآونة الأخيرة صدرت عن السفيرة ممارسات جاءت من تلقاء نفسها فى معزل عن وزارة الخارجية الأمريكية متمثلة فى اللقاء السرى مع خيرت الشاطر وتصريحاتها الداعمة للإخوان حفاظا على مشروعها الشخصى .
ثانيا اصبح موقف اوباما صعبا أمام الكونجرس نتيجة المبالغ الطائلة التى حصل عليها دون أن يكون هناك انجاز ملموس يقدمه لتبرير موقفه مما اضطره إلى ممارسات غير مدروسة من ضغوط على المؤسسة العسكرية وتصريحات متخبطة تفاديا لموقفه الصعب أمام الكونجرس .
وبناء عليه ارتبك القرار الأميريكى على صعيدين إثنين أولا صعيد الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة ومخطتاتها التى تترنح الآن نتيجة اعصار 30 يونية وثانيا افتقاد قدر من التجانس بين وزارة الخارجية واوباما من ناحية والسفيرة من ناحية ثانية وطاقم الادارة الأمريكية أمام الكونجرس من ناحية ثالثة الكل فى خانة الاتهام وليس لدى لاوزير الخارجية ولا اوباما ولا السفيرة ما يقدمونه من مبررات تقيهم سوط أسئلة الكونجرس واستجوباته ناهيك عن المعركة السياسية المرتقبة بين الجمهوريين والديمقراطيين التى من المرجح أن يخرج منها الديمقراطيون الطرف الخاسر ليصعد على فشلهم الجمهوريون على المدى القصير القادم ولا شك أن ذلك كله من شأنه أن يعيد الأجندة الأمريكية .
واختتم حديثه قائلا الارتباك الكبير التى تعيشة امريكا الآن هو النتيجة الطبيعية لطوفان البشر الذى خرج فى ثورة 30 يونية وليس لدى اوباما ما يقدمه ليعوق تلك المسيرة الوطنية التى بدأت وتصدعت بإثرها الأجندة الأمريكية لا يملك الأ الضغوط الهزيلة والتصريحات غير المدروسة لأن الشعب المصرى افشل مخطتاطه وقلم اظافره وقوض قدراته باطاحته لنظامه العميل والخائن للوطن لا يملك اوباما حيلة الا الانصياع مضطرا إلى كلمة الشعب المصرى التى عبر عنها وحققتها القوات المسلحة التى تقف بالمرصاد الآن لكل الضغوط والمؤامرات من أجل غض الطرف عن الطموحات المشروعة للشعب ولتثنيها عن فعل ما فيه الصالح العام.
ومن المهم أن يقيم هذا الحدث الجلل فى سياقه الزمنى ليس فقط على المستوى الإقليمى وإنما أيضا على المستوى الدولى حيث أن امريكا تترنح الآن من كونها قطبا وحيدا يحكم العالم تلك الحالة التى بدأت مع انهيار الاتحاد السوفيتى لتستحوذ امريكا وحدها على عجلة قيادة العالم وبعد عشرين سنه تفشل المخططات الأمريكية ويبزغ رغم أنفها كيانات اقتصادية وسياسية جديدة تتحسس طريقا بجدية وثبات لتأخذ مواقعها المستحقة على الخريطة العالمية وليس من المقدور الأميريكى ايقافها وجل ما تستطيع عمله هو تعويقها ولكن لن تستمر قدرتها كثيرا فى ذلك حيث أن هذه التجمعات قادمة بقوة وقادرة على التصدى للاستحواذ الأميركى معلنة حقها وقدرتها بالامساك بعجلة القيادة فى نظام من التعددية والتشاركية تلك هى ملامح النظام العالمى الجديد الذى بدأت معالمة فى الانجلاء ومن ابرز تجلياته بزوغ النجم الروسى من جديد والذى يتقدم بعزم واقتدار فى استعادة مكانته العالمية وعندما يتصد الرئيس الروسى للدول الداعمة لنظام الإخوان بهذه الطريقة من الوضوح والعلانية فهو يقول انا قادم لاستعيد موقعى وفى هذا السياق يكون الشعب المصرى عن جدارة واستحقاق قد اقتنص موقعا مهما من صياغة التفاعلات الدولية واقتنص قلما يرسم به النظام العالمى الجديد .وامريكا الآن لا تستطيع مباركة النظام الجديد ولكنها فى ذات الوقت لا تمانع ومابين اللامباركة واللاممانعة تتشكل الأجندة الأمريكية التى يصعب استجلاء معالمها الآن ولكنها لن تخرج عن اطار كلمة الشعب المصرى التى قالها بارادته الحرة واستجابت إليها قواته المسلحة التى ارغمت امريكا للرضوخ إليها .