مي سمير تكتب: غباء أردوغان

مقالات الرأي



ترامب جره لزيارة فاشلة للتغطية على إجراءات مساءلته فى الكونجرس


ذهب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، إلى واشنطن وعاد دون أن يعرف لماذا ذهب، وبماذا عاد، فى البداية تم تصوير الزيارة باعتبارها دليلا على قوة العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا خاصة بعد قيام الأخيرة بالهجوم العسكرى على سوريا فى بداية أكتوبر الماضى عقب إعلان واشنطن الانسحاب من سوريا، لكن مجريات الزيارة ونتائجها تؤكد أن أردوغان لم يكن سوى لعبة فى يد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى استغل الزيارة لصالحه ولم يعط أردوغان أى شىء فى المقابل.

1- ترامب حقق هدفه

لكن كيف استغل ترامب هذه الزيارة لصالحه؟ بدأت هذه الزيارة يوم الأربعاء 13 أكتوبر، وهو نفس اليوم الذى شهد بداية البث التليفزيونى المباشر لتحقيقات مجلس النواب لعزل الرئيس الأمريكى، على خلفية ما تردد عنه أنه ضغط على أوكرانيا لاستهداف جو بايدن، منافسه الديمقراطى المحتمل فى الانتخابات الرئاسية 2020.

وجاءت هذه الجلسات عقب جلسات استماع طويلة حول القضية الأوكرانية، بدأت فى سبتمبر الماضى، وجرت بشكل سرى فى الكونجرس لعزل ترامب.

وسيتم بث جلسات الاستماع مباشرة عبر الإنترنت وعلى القنوات التليفزيونية الأمريكية، كان وجود الرئيس التركى فى واشنطن هو وسيلة ترامب لتجاهل هذا الحدث المهم الذى يهدد رئاسته.

ولم يتردد الرئيس الأمريكى فى التصريح بأنه لا يتابع تحقيقات المساءلة وغير مهتم بمعرفة تفاصيلها لأنه ببساطة مشغول بمقابلة الرئيس التركى الذى يزور واشنطن بعد عملية عسكرية جذبت اهتمام العالم بأكمله.

كما حرص ترامب على دعوة 5 من قيادات الحزب الجمهورى لحضور الاجتماع مع أردوغان وأعطى لهم حرية الهجوم على الرئيس التركى، فى تحرك يضمن للرئيس الأمريكى ولاء هذه القيادات الجمهورية التى يعتمد عليها فى تحقيقات المساءلة.

ويحتاج عزل الرئيس الأمريكى لموافقة ثلثى أعضاء مجلس الشيوخ الذى يضم أغلبية جمهورية، وكسب ولاء القيادات الجمهورية يضمن لترامب التصويت لصالحه من الجمهوريين فى حالة وصول تحقيقات المساءلة لهذه المرحلة.

2- عقوبات ضد تركيا أول خسائر أردوغان

ماذا عن أردوغان، هل نجح فى تحقيق أهدافه من هذه الزيارة؟ حسب المحلل التركى يافوز بيدر، رئيس تحرير موقع أحوال التركى، جاءت زيارة أردوغان القصيرة للغاية مع خسائر أكثر من المكاسب، وهناك سبب للاعتقاد بأن أردوغان غادر واشنطن مع إحساسه بأنه محاصر بين الولايات المتحدة وروسيا أكثر من أى وقت مضى.

حسب الكاتب التركى، أسفرت الزيارة عن نتيجة واضحة وهى تمسك أردوغان بمنظومة «إس 400» الروسية ما يعنى استمرار طرد تركيا من برنامج الطائرات F-35 الذى استثمرت فيه أنقرة مليارات الدولارات، رغم أن أردوغان أعرب عن أمله فى استمرار التعاون العسكرى المتزايد مع الولايات المتحدة، بما فى ذلك شراء صواريخ باتريوت، كورقة مساومة، لكن قيل له إن الكونجرس الأمريكى غير مهتم بهذا الأمر.

وكتب بولنت أليريزا، مدير مشروع تركيا فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن الأسابيع المقبلة قد تشهد خطوات محتملة ووشيكة فى مجلس الشيوخ الأمريكى ضد تركيا، رغم زيارة أردوغان لواشنطن.

كتب أليريزا: إنه فى سابقة هى الأولى من نوعها، تمت دعوة 5 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين يطالبون بفرض عقوبات على تركيا، لحضور اجتماع الرئيس الأمريكى مع أردوغان وذلك للتأكيد أمام الأخير أن عامل الكونجرس أصبح متناميا فى معادلة العلاقة الأمريكية التركية.

حقيقة أن مناقشات ترامب - أردوغان فى المكتب البيضاوى تم توسيعها بطريقة لم يسبق لها مثيل لتشمل 5 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين كانت بمثابة اعتراف كبير بدور الكونجرس المتصاعد، ورغم تأجيل إجراءات مجلس الشيوخ ضد تركيا بسبب وصول أردوغان إلى واشنطن، أكد المقال، أن هناك مؤشرات على أن التحركات المحتملة قد تبدأ فى الأسابيع المقبلة.

الطريف أن ترامب حرص على الجلوس فى هدوء خلال هذا الاجتماع دون تدخل مباشر فى الحوار، وترك لأعضاء الكونجرس حرية مهاجمة ضيفه الذى لم يعجبه ما كان يسمعه.

وحسب جريدة نيويورك تايمز، حدثت مواجهة بين أردوغان والسيناتور ليندسى جراهام، من ساوث كارولينا، بعد أن استخدم جراهام كلمة «غزو» لوصف الهجوم العسكرى التركى ضد المقاتلين الأكراد، وانتقد السيناتور، وهو حليف مقرب من ترامب، بشدة الهجوم العسكرى التركى وقرار الرئيس الأمريكى بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا والذى مهد الطريق للتوغل التركى، وقال جراهام: « حسنا، السبب فى كونه غزوا هو بالضبط ما فعلته.. لقد حذرتك من عدم القيام بذلك.. وكل ما كنت قلق بشأنه أصبح حقيقة».

حسب المحلل التركى يافوز بيدر، إلى جانب إمكانية فرض عقوبات على تركيا فى الأيام المقبلة من قبل الكونجرس، فإن أحد أهم نتائج هذه الزيارة هى وضع نهاية لطموحات أردوغان التى استمرت سنوات فى تغيير النظام فى سوريا، وهناك مؤشران واضحان على ذلك: أولاً، فى اجتماع ذى صلة فى واشنطن، أكد جيمس جيفرى، الممثل الأمريكى الخاص لسوريا والمبعوث الخاص للتحالف العالمى لهزيمة تنظيم داعش، الذى اجتمع مع وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو، على مواصلة العملية الدستورية الرامية إلى تأمين «حل غير عسكرى» فى سوريا.

ويتكون هذا التحالف من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا والأردن وفرنسا ومصر، ثانيا، لن تخرج تركيا من المحادثات حول إعادة إعمار سوريا فحسب، ولكنها ستواجه أيضا ضغوطا متزايدة للتراجع عن الأراضى السورية.

وتواصل روسيا، التى تتقاسم هدف هزيمة داعش وتوسيع نفوذها بالتنسيق مع الجيش السورى لاستعادة السيطرة الكاملة على الشمال، التلاعب بأردوغان كما تريد وكأنها تعزف على الكمان.

3- إجراءات محتملة من الناتو ضد أنقرة

فتحت الزيارة من جديد باب الحديث عن جدوى تواجد تركيا فى حلف الناتو، خاصة فى ظل تمسك الرئيس التركى بالنظام الصاروخى الروسى S-400، وأشارت مجلة ناشيونال انترست إلى أن تركيا فى وضعها الحالى، لا يمكن أن تكون عضواً فى الناتو حيث تخلت عن التظاهر بأنها ديمقراطية ليبرالية، وكانت فى الماضى ينظر إليها كنموذج إسلامى مسئول، ولكن الجمهورية التركية تحولت إلى ديكتاتورية قمعية.

وحسب المجلة تحت حكم أردوغان ابتعدت تركيا عن كل معايير الحكم الغربية، كما أن الرئيس التركى هو أحد كبار الداعمين لجماعة الإخوان وقام بتغيير الدستور التركى لتأسيس حكم رئاسى يمنحه مزيدا من السلطات، وأعاد إجراء انتخابات لم تكن فى صالح حزبه، وقاد حملة على الصحفيين والمعارضين السياسيين، وكذلك تطهير الآلاف المشتبه بتورطهم فى انقلاب فاشل فى عام 2016. حتى على جبهة المصالح المشتركة مع حلف الناتو، لم تفعل الحكومة التركية سوى القليل لكبح جماح مرور الإرهابيين القادمين من أوروبا عبر أراضيها للانضمام إلى تنظيم داعش، ومر بعض أعضاء داعش عبر تركيا لتنفيذ هجمات فى أوروبا.

وحسب ستيفن كوك الخبير فى شئون الشرق الأوسط: «منذ حوالى 10 سنوات، لم يكن بإمكانك أن تقابل شخصا لم يقل، نعم إن تركيا حليف عظيم، الآن الجميع غاضبون من تركيا».

وحسب ناشيونال انترست، بالتأكيد، يجب على الولايات المتحدة إسقاط تركيا من أى تخطيط عسكرى للشرق الأوسط أو أى مكان آخر، والأمر الأكثر إثارة للجدل هو أنه ينبغى على واشنطن وأعضاء الناتو الآخرين وضع إجراءات تسمح بتعليق وإسقاط الأعضاء المخطئين - وتطبيق هذه الإجراءات على تركيا.

شىء واحد كان أردوغان محظوظا لتجنب خلال زيارة واشنطن، النقاش حول تراجع حقوق الإنسان وسيادة القانون فى تركيا فى عهده، لكن تبقى هذه الزيارة بمثابة صفعة عل وجه أردوغان الذى تم استغلاله من قبل ترامب دون أن يحصل على أى شىء فى المقابل.