أرز بلبن مثلج.. "ويليام" حكاية أمريكي سحرته "دهب" فاعتنق الإسلام
"أرز بلبن مثلج".. كلمات عند قراءتها قد تبدو لك عادية، ولكن عندما تسمعها من "يوسف" تجذب انتباهك تلك اللهجة الأجنبية، التي تحاول نطق اللغة العربية بصعوبة، فيصبح الأمر بالنسبة لك مشوقًا لأن تعرف لأي بلد ينتمي هذا البائع؟ ولماذا جاء إلى مدينة دهب؟ وما هي قصته؟
هو رجل خمسيني، لا تظهر عليه علامات السن، قد تعتقد أنه شاب خالط الأعوام الأولى في عقده الرابع فقط، تنسدل خصلات شعره الأشقر الناعم على كتفيه، وذقن طويلة نسبيًا بذات اللون، وجسد رياضي ممشوق، يرتدي ملابس بسيطة، راكبًا دراجته التي علق عليها لوحة مكتوب فيها "رز بلبن مثلج"، فوق حافظة للطعام، لا يتحرك أمتار قليلة، حتى تجده يقف ويلتف حوله العشرات من السائحين بمدينة السحر والجمال "دهب"، أو من سكانها، منهم من ينتظر مروره كل يوم، ليشتري منه ما يصنع، وآخرون يحبون التحدث معه لخفة ظله وبساطته.
عبدالله يوسف علي، المعروف باسم "يوسف بائع الأرز بلبن"، ما أن تذهب لمدينة دهب، إلا وأن تراه في كل مكان على البحر، يملؤ الجو حولك بالبهجة، لتجد نفسك تسعد كلما رأيته، خاصة عندما يحاول أن يتحدث اللغة العربية بلسانه الغربي، فيُضفي مزيدًا من المرح، الذي جعلنا نبحث عنه أينما ذهبنا.
قصته
عبدالله يوسف أو "ويليام"، هو رجل ذو أصول أمريكية، يبلغ من العمر 58 عام، كان يعمل في مجال البترول، فقرر ذات يوم أن يقضي إجازته في مصر، وقصد مدينتي شرم الشيخ ودهب، حتى تعلق قلبه بهم، وخاصة بمدينة السحر والجمال دهب، وما إن وضع رأسه تحت مياه البحر الأحمر ذات مرة عام 1987، فسكنته روح عشقت تفاصيل مصر البسيطة وجمالها، وقرر في تلك اللحظة أن يستقر هنا ولا يعود أبدًا.
ترك يوسف أو ويليام زوجته وطفلتيه، وعمله في قطاع البترول، وقرر أن يصنع لنفسه عالمًا جديدًا في مدينة دهب، ولعشقه وولعه بالبحر الأحمر والشُعب المرجانية النادرة، قرر أن يعمل في مجال الغطس، وبدأ في تدريسه، والذي كان هواية له في ذلك الوقت، وبدأ باستيراد المعدات من دول أوروبا لمراكز الغطس في مصر.
"تفاجئت زوجتي عندما أبلغتها بقرار استقراري في مصر، ورفضت أن تأتي معي، ولكن حبي لمدينة دهب خاصة، جعلني لا أفكر سوى في العيش هنا"، وبنهاية عام 2010، عندما بدأ نجم ثورة 25 يناير يلمع في سماء مصر، اتخذ يوسف قرارًا -كان قاسيًا عليه- بالرحيل، والعودة إلى بلاده، وظل قلبه متعلقًا بمصر التي كان يتابع أخبارها يوميًا على شاشة التلفزيون، وكأنها طفلته التي تركها بعيدًا، وتمنى أن تعود إلى أحضانه يومًا.
كانت من أكثر الأيام صعوبة مرت على يوسف، منذ أن ترك مصر ورحل، إلى أن عاد إليها مرة أخرى في عام 2016، بعدما أصبح لها رئيسًا جديدًا، ولكن قرر هذه المرة أن يستقر في مدينة دهب للأبد، يبدأ مع معشوقته حياة لها مذاق خاص، اختارها بنفسه.
وعن سر حبه لمدينة السحر والجمال دهب، قال يوسف: "شرم الشيخ مدينة صُنعت من أجل البزنس والتجارة، أما دهب لها سحر خاص، روح تأسرك من أول نظرة، فبساطتها تخطف القلوب، لهذا عشقتها وقررت أن أعيش هنا، ولا أستطيع أن أتركها يومًا".
اعتناقه الإسلام
لـ "يوسف" قصة أخرى حول اعتناقه الإسلام، خطفت شرودي للحظات طويلة، فبدأ في ادخار الأموال منذ سنوات؛ من أجل أن يسافر للمدينة المنورة، ويتطوع في أعمال النظافة بمسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.
صديق يوسف المقرب، كان بطل القصة هذه المرة، فكان صاحب أحد الفنادق التي يقيم بها في مدينة الدهب، وكان له الفضل في اعتناقه الإسلام وتغيير حياته بشكل كامل.
"حزنت حزنًا شديدًا على رحيل صديقي، فوافته المنية منذ نحو 4 أعوام تقريبًا، كان بالنسبة لي شيئًا كبيرًا، ولكن أراد الله أن يأخذه لمكان أفضل"، هكذا قال يوسف بعد وفاة صديقة الذي كان له الفضل في أن يعتنق الإسلام ويبدأ حياة جديدة.
رسالته
عندما قرر أن يستقر في مدينة دهب، وضع "يوسف" أمام نصب عينيه هدفين رئيسيين يعيش من أجلهما؛ أولهم هو تنظيف دهب من كل القمامة التي أصبح منتشرة في كل أركانها بشكل كبير، قائلًا: "كانت مدينة ساحرة بشكل لا يصدقه عقل، نظيفة وبسيطة، ولكن عندما تركتها أول مرة وعدت من جديد، انتابتني صدمة كبيرة مما رأيت، قمامة في كل مكان، فعقدت العزم أن أنظفها من كل ذلك".
أما الهدف الثاني، فهو أن يحاول تقويم الجيل الجديد من الشباب، خاصة بعدما تغيرت الكثير من العادات والتقاليد، وأصبحت ملابسهم وتصرفاتهم تنافى بشكل كبير تعاليم الدين الإسلامي، وخاصة الفتيات.
من هنا قرر يوسف أن يبيع الأرز بلبن تحديدًا، ليلتف حوله الشباب ممن لديهم فضول لمعرفة قصته، فيجعلها رسالة وعبرة لهم، بالإضافة إلى دعوة المسلمين للصلاة، خاصة بعد أن أصبحت المساجد -بحد قوله- خاوية على عروشها.