"غابوا من أجل العراق".. أستاذ المادة يروي كواليس المحاضرة التي لم يحضرها أحد
في تمام الثامنة والنصف في أحد صباحات الأسبوع الماضي، توجه الدكتور حيدر حبيب، المدرس بكلية تكنولوجيا المعلومات بجامعة بابل بالعراق، كي يلقى محاضرته إلى طلاب الفرقة الثانية، ليجد أن قاعة الدرس خالية من الطلاب، لم ينتابه أي شعور بالغضب أو السخط على السكون الذي عمّ القاعة، بعد أن انصرف الطلاب عنها إلى ساحات الحرية بميادين بغداد، كي يشاركوا في المظاهرات. فأخرج على الفور ورقة الملاحظات ودوّن عليها "لا يوجد غائب، ما غابوا إلا من أجل أن يكون العراق حاضرًا"، بحسب ما يحكي الدكتور حيدر لـ"الفجر".
ومنذ الأول من أكتوبر الماضي، اجتاحت موجات الاحتجاجات الغاضبة العاصمة العراقية بغداد، ومدن الجنوب، ضد الفساد وتأمين فرص عمل وتحسين الأوضاع المعيشية. لكن سرعان ما صعّد المحتجون مطالبهم التي تحولت إلى تغيير شامل للنظام القائم في البلاد منذ 16 عامًا، حيث قتل أكثر من 300 متظاهرًا حتى الآن في تصدي قوات الأمن للاحتجاجات، أغلبها تخللها إطلاق الذخيرة الحية والرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين، واتخذ رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، بعض الإجراءات في محاولة لتهدئة الغضب المحتدم فى قلوب الثوار، إلا أن هذه المبادرات باءت بالفشل.
ما قام به أستاذ مادة شبكات المعلومات، كان بالنسبة له كان مجرد همسة وانية إلى جانب الصرخات المنطلقة من حناجر الطلبة الملتهبة في باحات بغداد، والتي تنادي بضرورة تعديل المسار، لذا رأى أنه من واجبه دعم قضية إضراب تلاميذه والمشاركة في التظاهرات ضد أحزب السلطة "هذه قضية جميع العراقيين"، فالكل في نظره خلال هذه الأيام يبحث عن حيا كريمة ومستقبل مضمون.
لم يكتف الدكتور حيدر بأن كتب على ورق الملاحظات العبارة الشهيرة، بل أراد أن يكون أكثر فاعلية مع القضية التي تشغل كل العراقيين ومن بينهم طلابه، فيحرص على أن يتواجد إلى جوارهم في ميدان بغداد كلما سنحت الفرص، مناديًا معهم بضرورة إسقاط النظام، لكنه ما يزال عند رأيه بضرورة سلمية الثورة "الاعتداء على المؤسسات والمقرات يفقد التظاهرات مصداقيتها وعدم كسب الرأي العالمي".
العبارة التي كتبها الأستاذة بجامعة بابل، كان هو الشعور الحقيقي الذي خالجه وقتها، فالطلبة أضربوا عن الحضور وضحوا بعام دراسي كامل واضعين مستقبلهم في مهب الريح "من أجل أن يصححوا مسار الحكم كي يعود لهم وطن ينعمون به"، يقول هذا قبل أن يضيف أن العراق في الوقت الحالي يشهد جيلًا من الشباب الشجعان؛ الذين رغم سقوط أكثر من 300 شهيدًا وآلاف الجرحى، لم يتراجعوا عن تحقيق أهدافهم، فبات مقتنعًا تمامًا "أن كل الأشياء عندما تأخذ منها تنقص إلا تظاهرات العراق كلما سقط شهيد تزداد"، وهم سلميون لم يحملوا سوى علم العراق.
يمتن الرجل لرد الفعل الكبير الذي أعقب الصورة، بعد أن تناقلتها الكثير من الصفحات بعبارات مفعمة بالفخر والاحترام للدكتور حيدر، لأنه بالنسبة للجميع انحاز إلى صفوف الطلاب، ولم يجنح إلى الأسلوب السائد عند جميع الأساتذة بمعاقبة من يتخلف عن الحضور تحت أي ظروف من الظروف، ويرد السبب في هذا الانتشار الكبير إلى المشاعر الوطنية النبيلة الصادقة والنابعة من القلب "طبيعي تؤثر على الجميع وتدخل قلوبهم دون استئذان"، وهو الشعور ذاته الذي انعكس في قلوب طلابه، فكان تصرفه بتلك الطريقة بالنسبة لهم إيجابيًا ومفرحًا.
لا يعتبر حيدر حبيب نفسه الأستاذ الوحيد في جامعة بابل الذي يدعم تظاهرات الطلبة وإضرابهم عن المحاضرات حتى تتحقق أهداف الثورة "نسبة جيدة منهم داعمة ومؤثرة للتظاهرات السلمية"، لكنه في الوقت ذاته ينظر إلى موقف طلاب الجامعة بعين أخرى يملؤها الفرح والسعادة، حيث لم يسمحوا للظروف أن تقهر أحلامهم، فطالبوا بحقهم في الحياة بصوت مدوٍ "سأبقى فخورًا أني درست محاضراتي لجيل من الشجعان الذين كلما صغرت أعمارهم زادت شجاعتهم".