منال لاشين تكتب : المصريون حرقوا مرسى والجماعة والتنظيم فى 4 أيام

مقالات الرأي

منال لاشين تكتب :
منال لاشين تكتب : المصريون حرقوا مرسى والجماعة والتنظيم فى

■ التنظيم الدولى حذر إخوان مصر فى لقاءين من هذا المصير.. وأعد خطة للخروج الآمن

■ السيسى نبه مرسى للغضب من محاولات فرض القرضاوى على الأزهر.. وعبث الجهاديين بأمن سيناء ■

رغم دفاع أمريكا عن مرسى.. فقد أفزعتهم خيبة الإخوان فى الاقتصاد وإدارة مصر

رحل مرسى، وخرج مطرودا من الاتحادية، وربما يدخل مرسى السجن أو بالأحرى يعود له، ولكن من المؤكد أن مرسى سيدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية، فقد تم خلعه فى وقت قياسى، وبرقم قياسى 33 مليون مصرى.. خرجوا يقولون بأعلى صوتهم لا للإخوان، لا لحكم الاستبن، لا للنصب باسم الدين، فى أقل من أربعة أيام، وقبل أن يدخل مرسى عامه الرئاسى الثانى، دخل فى ذمة التاريخ الذى لم يرحمه، ودخلت معه جماعته إلى طريق المجهول.

لم ينته مسقبل مرسى وإخوانه فقط، ثمة خيارات أهم على المحك، تركة وتراث البنا أيضا على المحك.لم ينهر حكم مرسى فقط، ولكن أكثر من ثمانين عاما من تنظيم الإخوان تتهاوى ساحبة معها إلى الغرق، مفاهيم الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية، ومن المثير أن تنظيم الإخوان الذى بدأ من مصر يشهد الآن نهاية مأساوية فى بلد المؤسس، والأكثر إثارة أن قيادات بالتنظيم الدولى من خارج مصر هم من تنبهوا لهذه المخاطر، أما إخوان مصر ثلاثى خيرت وبديع ومرسى فقد ناموا فى عسل السلطة، وأصيبوا بتخمة من النفوذ، ولكنهم أيضا أصابهم عمى سياسى وصمم ديمقراطى.لم تعد عيونهم تلتقط إشارات الغضب، ولا آذانهم تسمع سوى أصواتهم فقط.. لقد ارتكب الإخوان جريمتهم السياسية والاقتصادية والأخلاقية فى حق مصر بمنتهى منتهى الإصرار.لم يسقط المصريون مرسى فحسب، بل حرقوا مرسى وإخوانه وجماعته وتنظيمه والنصب باسم الدين، كل ذلك فى أقل من أربعة أيام.

افتخر مرسى فى أحد خطاباته أو بالأحرى فضائحه بأن جلده سميك، وربما يكون طبيعة جلده وجماعته أحد أسباب أن مرسى لم يفهم أو يرى رسائل المصريين له، كانت أول رسالة أنه نجح بعصر الليمون وعلى (الحركرك)، فهو ليس زعيما بل مجرد استبن أو أقل الضررين، وابغض الحلال الثورى، ولكن الرسالة الثانية كانت أكثر وضوحا وأعلى صوتا ففى أول مليونية ضده ارتفع شعار (احلق ذقنك بين عارك.. تلقى وشك وش مبارك)، وعلى الرغم من امتلاك مرسى لأدوات الدولة، لم يسمع أهم رسالة للمصريين، رسالة غضب من تكفير المصريين مسلم ومسيحى، ولكن شخصا آخر مسئولا ومحترفا ووطينا سمع الرسالة بوضوح.. منذ عدة أشهر والمخابرات الحربية ترفع تقارير الرأى العام للفريق السيسى، وكلها تقارير مقلقة حول الوضع الاقتصادى وتصاعد حالة الرفض الشعبى للحكم فى مصر، وزادت الأوضاع سوءا فى التقرير قبل نجاح فكرة تمرد. أكد التقرير أن المصريين على شفا ثورة، وأن غضبا هائلا وموجعا ومهينا يجمع المصريين على قلب رجل واحد، ولم يتأخر السيسى فى نقل الرسالة لمرسى، وحاول أن يسمع مرسى صوت الغاضبين أكثر من مرة، ولكن إذا مرسى للسيسى بودن من طين، فإن مكتب الارشاد يسمع بودن من عجين، وكان من بين الرسائل أو التقارير تقارير خاصة بمشاعر المصريين بالإهانة من ترشيح الإخوان للقرضاوى أو البر لمشيخة الأزهر، وكذلك برؤية المصريين للوضع فى سيناء، وإلى محاولات الإخوان تمكين قيادات حماس من سيناء بالتلاعب والقرارات الرئاسية، وكانت فضيحة استعداد مرسى للتنازل عن حلايب وشلاتين للسودان من أصعب الأزمات بينهما، فالسيسى ومن ورائه المصريين والجيش معا فهم حدود الأمن القومى المصرى والكرامة المصرية، وما قاله السيسى عن تحذير مرسى من الأوضاع مجرد إشارات بسيطة.. لم تقصر مؤسسات الدولة فى عملها، ولكن مرسى وإخوانه لم يسمعوا سوى صوت أطماعهم، ولم يروا سوى أوهام الهيمنة التى زالت باقصى أقصى سرعة.

لم يصم إخوان مرسى آذانهم عن النصائح المصرية فقط، ولم يقسموا مصر فقط، فقد أصابت الضربة التنظيم الدولى للإخوان.يوم الجمعة الماضى سافر اثنان من قيادات إخوان مصر للندن لحضور اجتماع للتنظيم الدولى بشأن مصر، وكان الرأى الغالب فى هذا الاجتماع.. هو ضرورة الاستماع إلى صوت العقل وعدم العند حفاظا على التنظيم الذى بناه حسن البنا وأحفاده عبر ثمانين عاما، اصحاب هذا الرأى كانت نصحيتهم محددة، ضرورة الانحناء للعاصفة، وترك الرئاسة مقابل خروج آمن للجماعة والحزب فى مصر، وأن ينأى الإخوان بأنفسهم عن صراع دموى تسقط فيه مصر فى هوة الحرب الأهلية، لم تكن تلك النصحية خوفا على مصر ودم المصريين، ولكنها خوفا من أن تنتهى تجربة الإخوان فى حكم مصر على سمعة ومستقبل الإخوان فى السياسة، وأن تعصف بفرص وصول التنظيم فى دول أخرى، فمصر دولة كبيرة والعين عليها، وإذا أضاع الإخوان مصر.. فلن يشموا رائحة السلطة لمدة مائة عام.

لم يكن اجتماع لندن هو أول اجتماع يناقش هذه القضية، ويحذر إخوان مصر من خطورة وضعهم فى الحكم ، قبل ثلاثة أسابيع عقد اجتماع مصغر لبعض قيادات التنظيم الدولى، وطرحت مبادرة من ثلاث نقاط.. الأولى انسحاب مرسى من الرئاسة، وتعهد الإخوان بعدم المنافسه على الرئاسة فى الانتخابات الرئاسية القادمة، فى مقابل هذا الثمن الضخم كانت المبادرة تضمن أن يواصل كل من حزب الحرية والعدالة، وجماعة الإخوان نشاطهما فى مصر كل حسب موقفه، وبالمثل حصول نحو 60 شخصية من القيادات الإخوانية بمختلف مستوياتها على حصانة من الملاحقة القضائية، وكان الاقتراح يتضمن عرض المبادرة على كل من الجيش وأمريكا، وأن يضمن أوباما شخصيا تنفيذها، رفض إخوان مصر مجرد قبول أنهم فى خطر داهم، ولكن الحوار مات بالسكته القلبية لسبب آخر، فقد أدى تسبب تسرب أخبار اللقاء لإحدى الصحف الخليجية إلى غضب شديد لدى مكتب الإرشاد، وتحديدا الشاطر وبديع وعزت.. لقد قاد هذا الثلاثى الانقسام الأول فى التنظيم.. عندما أصروا على دخول السباق الرئاسى، وذلك بعد نفى الجماعة دام لأكثر من عام عزمها الترشح.. بعض قيادات التنظيم اعترض على الترشح للرئاسة لأسباب شرعية، فلا يجوز أن ترجع فى وعد، فيلحقوا بالمنافقين، وآخرون اعترضوا لأسباب سياسية، فقد كانوا يرون أن حكم مصر أكبر من خبرات الإخوان، وأن من الأفضل أن يصلوا للحكم على الطريقة التركية، فيبدءوا بالمحليات ومناصب المحافظين، وبعض الوزارات، وذلك بدلا من القفز مباشرة على الرئاسة بدون خبرة وفى ظرف عصيب، وقد خشى هذا الفريق أن يفشل الإخوان، وان يلحق فشلهم العار بمفهوم الإسلام السياسى، ولكن مكتب الارشاد فى مصر أصر، وصمم على اقتناص فرصة بدت لهم مستحيلة التكرار.كما أصر الشاطر ومجموعته على قدرتهم وخبرتهم على إدارة مصر، والشاطر قيادة تنظيمية مهمة ومؤثرة فى التنظيم الدولى، وهذا كان أحد أسباب الاهتمام المبالغ به فى دوائر الحكم الأمريكية.

فى حواره الأخير كرئيس مع صحيفة الجارديان، ارسل مرسى رسالة اعتذار خفية للأمريكان، فقد قال إن إصدار الإعلان الدستورى كان من ضمن الأخطاء. لم يكن هذا الاعتراف موجهاً للمصريين، فالإعلان أو بالأحرى الانقلاب الدستورى أحدث شقاً صغير جدا فى جدار الثقة الأمريكية فى مرسى والإخوان.. لقد عرض الإخوان فحوى الاعلان على الأمريكان، ولم يرفضوه، ولكنهم أيضا حذروا من توابع وتأثيرات متوقعة، وعندما انفجرت المظاهرات والاحتجاجات الشعبية على الإخوان.. حاولت السفيرة أن تقنع الإخوان بتقديم تنازلات للمعارضة، وكانت مساندة كيرى لمرسى فى الاستفتاء على الدستور مشروطة بقدرته على استيعاب المعارضة وتحقيق قدر من التنازل لتحقيق توافق.

فمنذ الربع ساعة الأولى من عمر ثورة 25 يناير ساندت الإدارة الأمريكية الإخوان، وحين حضرت وزيرة الخارجية السابقة كلينتون لمصر قابلت شباب الثورة، وقالت كلاما دبلوماسيا لطيفا، ولكن فى تقريرها لواشنطن اكدت أن الإخوان هم القوة المنظمة والقابلة لتقديم التعهدات لأمريكا، وخاصة التعهد بأمن إسرائيل، وكانت الإدارة الأمريكية تراهن على قدرة الإخوان على احتواء الأفرع المتشددة فى تنظيم الإخوان، وفى تحقيق تعاون مع الإسلاميين فى كل من باكستان وأفغاستان، وذلك فى اطار القواعد البديهة للحكم، وعلى رأس هذه القواعد إدارة الاقتصاد، والعمل على احتواء المعارضة، ومنذ اللحظة الأولى فى حكم مرسى لعبت السفيرة الأمريكية آن باترسون دور المستشار والناصح الأمين، ولم ينشأ الخلاف بينهما على رؤية أو موقف اقتصادى فالأمريكان والإخوان مع الاقتصاد الحر، والخصخصة، ولكن الأمريكان سرعان ما اكتشفوا شهرا بعد الآخر خيبة الإخوان الإدارية والاقتصادية، وزاد من حجم الأزمة لدى الأمريكان أن طريقة الاستحواذ الإخوانى فى الحكم ضيعت أى فرصة لتعاون الخبراء وأطياف المعارضة معهم، فكما وصلت الرسالة للجميع قبل أن تصل للأمريكان، فقد تأكد الجميع أن الإخوان لا عهد لهم، وأنهم يكذبون كما يتنفسون، وهو الأمر الذى ادخل الدولة المصرية إلى مرحلة الانهيار، وقبل رحيل مرسى عن الحكم تلقى الاقتصاد المصرى ضربة موجعة، فقد ارتفعت قيمة تأمين المخاطر على القروض المصرية لتصل إلى 900 نقطة، ولم يتبق سوى مائة نقطة لتصبح مصر دولة مفلسة فى الأسواق المالية، دولة من الصعب أن تسترد قروضك ومالك فيها. لقد كان أكثر ما يزعج أمريكا فى الأشهر الأخيرة من حكم مرسى القصير هو الفشل الاقتصادى، وعلى الرغم من الدفاع المستميت العلنى عن مرسى وإخوانه، فإن كواليس الإدارة الأمريكية بدأت تتلقى النصائح والتقارير عن ضياع مصر بسبب الأزمة الاقتصادية، وان حقن (الشحاتة) من قطر أو تركيا لم تعد قادرة على علاج الفقر الحاد فى الموارد المالية لمصر، وكان قرض صندوق النقد هو قرصة الودن الأمريكية التى لم يدركها الإخوان، فمرسى اعترف أن جلده تخين.. لقد تخلى الأمريكان عن الدعم المطلق لمصر فى صندوق النقد، وتركوهم لمصيرهم وجهلهم وفشلهم.

رحل مرسى أو غار.. رحل دون أن يعرف لماذا كانت اهانته واجباً وطنياً ومطلباً شعبياً.. مبروك لكل مصر.