د. أحمد يونس يكتب : مصر بتستحما

مقالات الرأي

د. أحمد يونس يكتب
د. أحمد يونس يكتب : مصر بتستحما

آسفين يا ريس بتوع مرسى، احتشدوا فى كاندهار، رابعة العدوية سابقاً، أنشأوا 250 مرحاضاً بالضبط كما سبق أن فعلوا عندما حاصروا المحكمة الدستورية العليا أو مدينة الإنتاج الإعلامى، تلك- على ما يبدو- هى طبيعتهم، لا يستطيعون الحياة بعيداً عن الفضلات، بدليل أن كل ما صدر عن المرشد وجماعته ومرسيه لا يختلف بالمرة عن هذه النوعية من المواد، إلى درجة التوحد معها، وعلى فكرة الأخ مرسى قال إنه متخصص فى المواد وقد بات من الواضح أنه على قدر عال من البلادة، فيما يتعلق بالتعامل مع البشر، الناس لا ينتمون إلى قوائم الفلزات يا أخ مرسى، لولا أن الموضوعية تفرض علينا أن نقر بأن آسفين يا ريس بتوع حسنى، أقل غلظة أو توحشاً أو ظلامية الظاهر أن المحتشدين فى كاندهار رابعة العدوية سابقاً، ينتمون إلى نوع آخر غير البشر والفلزات. مصر الآن لا تثور فقط، مصر بتستحما لتتخلص من الأوحال التى التصقت بجلدها على مدى 365 يوماً، أسود من تاريخها كله منذ مينا موحد القطرين، مصر بتستحما من الأفكار التى التقطها الإخوان، أو مستخرجات الإخوان، على وزن مستخرجات الألبان، من صفائح قمامة العصور الهمجية كاضطهاد المرأة والأقباط أو الشيعة أو البهائيين أو الإبداع أو حتى العقل، مصر بتستحما من المتاجرة بالدين وفجعنة التسلط والمال، فضلاً عن الهوس بالتعذيب والتعطش الهستيرى إلى الدم، مصر بتستحما من مجلس الشورى العفن وجميع القوانين الموبوءة التى أفرزها ومن الدستور الشاط الذى يبدو كمؤخرة النسناس المقطوش الذنب، ومن الرئيس الذى لا أمان له، كسائر الهاربين من السجون، مصر بتستحما من الأكاذيب التى ظلوا يرددونها حتى الملل.

وعلى سطح الماء الآسن فى مستنقع الأكاذيب، تطفو- كواحد من أخطر الطحالب السامة- حكاية الأحزاب المدنية ذات المرجعية الدينية تلك، هل رأى أحد من قبل طائر بطريق مرجعيته بطيخة؟ طائر البطريك مرجعيته بالضرورة طائر بطريق، والبطيخة مرجعيتها- بالحتم- بطيخة، وهناك احتمالان لا ثالث لهما: إما أن يكون كل من يسعى إلى الترويج لهذه الأكذوبة الصريحة عامداً متعمداً يقصد من ورائها الغش السياسى مع سبق الإصرار والترصد، أو أن السبب هو جهله التام بعلم المنطق أو بنظرية المعرفة أو قواعد التدقيق فى المصطلحات أو المفاهيم، ولا أدل على ذلك من مراحيض كاندهار، رابعة العدوية سابقاً، ما لا يعرفه أحبار تلك الجماعات أن تصرفاً يتسم بالرعونة كهذا، يأتى بمثابة التطعيم المتكرر لشعب مصر ضد أمراض التطرف الارهابى، وعلى الجميع أن يتعلموا أن الأحزاب تقاس بمرجعياتها، لا بالفتارين حيث تتكدس البضاعة التى تموج بالألوان الفاقعة لجذب انتباه المارة، الحزب الدينى هو الذى يستند إلى مرجعية دينية والحزب المدنى مرجعيته لابد أن تكون مدنية، الباقى كله مجرد تلاعب سمج بالألفاظ. وعلى مصر أيضاً أن تستحم من إحدى أفظع الخرافات التى تروج لها عصابات القتلة بكل الوسائل، والتى تزعجنى أنا على المستوى الشخصى كثيراً، هى تلك التى مؤداها أننا جميعاً مصريون، الجناة والمجنى عليهم، وأننا فى مركب واحدة، خطأ شائع أو أكذوبة لا يسأمون من ترديدها، طبعاً كلنا مصريون، القاتل مصرى والضحية مصرى، اللص مصرى والمنهوب مصرى، الديكتاتور مصرى والمهدرة كرامته مصرى، لكننا لسنا فى مركب واحدة، إحنا فى مركب تانية، مش ممكن نركب مع القاتل واللص والسفاح والديكتاتور ومصاص الدماء نفس المركب، ولا حنسمح ليهم يركبوا معانا، ثورة 30 يونيو عملت مركبها الخاصة، لا حنركب معاهم، ولا حنسيبهم يركبوا معانا، إحنا سكتنا مش واحدة مركب 30 يونيو رايحة المستقبل ومركبهم مالهاش إلا طريق واحد الاسترخاء على ظهورهم كالبغال التى خرجت من الخدمة فى خرابات التاريخ.

كل ما يحدث يؤكد أن الزبالين ليسوا أقل أهمية من مرسى العياط، ليسوا أقل أهمية فى الحقيقة من كل أعضاء جماعة الإخوان، بدليل أن المرشد وجماعته ومرسيه، لو نظموا إضراباً يستمر عشرين عاماً بأكملها، فلن يطالبهم أحد إلا بالاستمرار فيه إلى الأبد، أشهر صناع الموضة الباريسية من أمثال كارتييه أو كريستيان ديور، لا يمتلكون من أسلحة الضغط على الحكومة الفرنسية ما لنقابة الزبالين المسموعة الكلمة حتى داخل قصر الإليزيه، إما الاستجابة لمطالبهم وإما الكوليرا والطاعون الأصفر أو الأسود، من قال إن الزبالة هى فقط تلك التى تخرق العين على النواصى أو داخل حتى المستشفيات؟ نحن محاصرون بالزبالة من كل اتجاه طوال النهار نتنقل من مزبلة إلى أخرى، أطفالنا يذهبون كل صباح إلى المدارس الزبالة، ليتلقوا التعليم الزبالة، الناس أصبحوا يتصارعون مع القطط والكلاب على محتويات صفائح الزبالة، تطاردنا الوجوه الزبالة من أصحاب الضمائر الزبالة فى الصحف الزبالة أو البرامج الزبالة فى تليفزيون الحكومة الزبالة، مجلس الشعب يطلق علينا بلا توقف عشرات القوانين الزبالة، لا لشىء إلا لأننا نعيش- بالصدفة- فى هذه الأيام الزبالة.

سيأتى يوم قريب نتذكر فيه كل هذا بقرف، لابد أن يأتى.