مي سمير تكتب: منتدى الشرق الأوسط: الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قدمت ملايين الدولارات للإخوان والقاعدة وحزب الله

مقالات الرأي



عصام الحداد لعب دور همزة الوصل فى مصر.. وإدارة ترامب تسعى لوضع حد لتلك الممارسات 


قررت وزارة الخزانة الأمريكية مؤخراً، فرض عقوبات على بنك Jammal Trust - جمال ترست فى لبنان، لدعمه أنشطة حزب الله المالية والمصرفية غير المشروعة، وقد أدى ذلك فورا لانهيار البنك، ما أظهر مدى تأثير العقوبات التى استهدفته. بهذه المقدمة افتتح منتدى الشرق الأوسط تقريره الذى حمل عنوان (العلاقات طويلة الأمد بين الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وتمويل الإرهاب).

حسب التقرير فإن هذا تطور مرحب به وقد يمنع الآخرين من العمل مع الإرهابيين أو العمل مع من يمولونهم.

لكن الأمر لا يتعلق فقط بالكيانات المالية أو المنظمة والمؤسسات المختلفة، فقد يحتاج للنظر داخل بعض المؤسسات الرسمية الأمريكية التى يبدو أنها تورطت فى علاقات غير مشروعة مع تنظيمات إرهابية.

1- الوكالة الأمريكية والإرهاب

حسب تحقيق منتدى الشرق الأوسط فإن جزءاً من الحكومة الأمريكية على علاقة واسعة الأمد مع التنظيمات الإرهابية، وتأتى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية كمثال صارخ على هذا التورط الأمريكى الرسمى مع التنظيمات الإرهابية، وكانت الوكالة حتى أواخر العام الماضى لا تزال تروج لعملها مع بنك جمال ترست، وعبر سلسلة منشورات على موقع فيسبوك فى 2018 أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فى لبنان عن منحة قدرها 250 ألف دولار فى «شراكة» مع بنك جمال ترست لمشروع «توسيع سبل العيش والتمويل الشامل»، الذى يهدف إلى توسيع نطاق التمويل إلى رواد الأعمال اللبنانيين من الشباب.

بدوره حرص بنك جمال ترست على الاحتفاء بهذا التعاون مع الحكومة الأمريكية، حيث أعلن عن البرنامج نفسه على صفحته على الفيسبوك.

صحيح أنه حتى الشهر الماضى، لم يكن بنك «جمال ترست» كيان خاضع لأى عقوبة، ومع ذلك فإن المشاكل معه ليست جديدة، وعلى وجه التحديد يذكر البيان الصحفى الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية، والذى تضمن الإعلان عن العقوبات، أن العلاقة بين حزب الله وجمال ترست تعود إلى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة على الأقل، وتظهر وثائق ويكيليكس أن المسئولين الدبلوماسيين الأمريكيين أثاروا هذه المخاوف مع مسئولى البنك منذ 2007 على الأقل.

وفى وقت سابق من هذا العام تم رفع دعوى قضائية نيابة عن ضحايا إرهاب حزب الله، ووصفت أوراق القضية بنك جمال ترست بأنه المدعى عليه. ويعنى هذا أن تورط البنك فى علاقة مشبوهة مع حزب الله يعود إلى فترة طويلة من الزمان، وقبل أن تدخل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فى شراكتها معه، ما يؤكد أن الوكالة الحكومية الأمريكية دخلت فى شراكة مع مؤسسة بنكية حولها شبهات عديدة بشأن تورطها مع تنظيمات إرهابية.

2- تاريخ مشبوه

كان من الممكن تجاهل تلك العلاقة التى جمعت بين مؤسسة تعد ذراعاً مهمة لوزارة الخارجية الأمريكية، وبين تنظيم تصنفه الولايات المتحدة الأمريكية باعتباره تنظيماً إرهابياً، إذا كانت هذه العلاقة عابرة أو من باب الصدفة أو الخطأ غير المقصود. لكن حسب تقرير منتدى الشرق الأوسط، فإن هذه العلاقات المشبوهة مع التنظيمات الإرهابية قد تكررت أكثر من مرة فى تاريخ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

فى عام 2014 قدمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من خلال مؤسسة ا وورلد فيجين الخيرية الإنجيلية، مبلغا مكوناً من ستة أرقام إلى الوكالة الإسلامية للإغاثة، وهى جماعة مقرها فى السودان حددتها الولايات المتحدة كممول للإرهاب فى عام 2004، حيث كانت تعمل على توفير الأموال لأسامة بن لادن وإرهابيين آخرين، وكان منتدى الشرق الأوسط قد أشار إلى أن إدارة أوباما وافقت على منحة قدرها 200 ألف دولار من أموال دافعى الضرائب لمنظمة مرتبطة بتنظيم القاعدة فى السودان - بعد عقد من تصنيف وزارة الخزانة الأمريكية لها على أنها منظمة لتمويل الإرهاب، والأكثر إثارة للدهشة هو أن المسئولين الحكوميين سمحوا بالإفراج عن 115 ألف دولار على الأقل من تلك المنحة، حتى بعد أن علموا أنها منظمة إرهابية محددة.

بدأت القصة فى أكتوبر 2004 عندما قام مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية بتعيين الوكالة الإسلامية للإغاثة (ISRA) ومقرها الخرطوم كمنظمة لتمويل الإرهاب، وكان ذلك بسبب صلات ISRA بأسامة بن لادن ومكتب الخدمات التابع لتنظيم القاعدة.

ووفقا لوزارة الخزانة الأمريكية، أسست الوكالة الإسلامية للإغاثة فى عام 1997 تعاوناً رسمياً مع مكتب الخدمات، وبحلول عام 2000 جمعت منظمة الإغاثة 5 ملايين دولار لصالح تنظيم القاعدة.

تشير وزارة الخزانة إلى أن مسئولى الوكالة الإسلامية للإغاثة سعوا حتى للمساعدة فى نقل بن لادن لتأمين ملاذ آمن له. شمل تعيين 2004 جميع فروع الوكالة الإسلامية للإغاثة، بما فى ذلك مكتب الوكالة فى الولايات المتحدة، وأصبح من المعروف أن هذا الفرع الأمريكى قد قام بشكل غير قانونى بتحويل أكثر من 1.2 مليون دولار إلى الجماعات الإرهابية، بما فى ذلك على ما يبدو، تنظيم الإرهابى الأفغانى قلب الدين حكمتيار، وفى عام 2010 اعترف المدير التنفيذى وعضو مجلس إدارة الوكالة الإسلامية للإغاثة بتهم غسل الأموال وسرقة الأموال العامة والتآمر والعديد من التهم الأخرى.

ورغم هذا التاريخ الموثق جيدا منحت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فى يوليو 2014 مبلغ 723. 405 دولاراً لشركة وورلد فيجن، وهى مؤسسة خيرية دولية من أجل «تحسين المياه والصرف الصحى والنظافة الصحية وزيادة الأمن الغذائى فى النيل الأزرق بالسودان.

ومن هذه الأموال كان من المقرر توجيه 200 ألف دولار إلى الجهة الممنوحة من الباطن: الوكالة الإسلامية للإغاثة.

وردا على استفسار من منتدى الشرق الأوسط أوضح مسئولو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن «وورلد فيجن» قد نبهتهم فى نوفمبر 2014 إلى احتمال وجود الوكالة الإسلامية للإغاثة ضمن قائمة الإرهاب، وأصدرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تعليمات إلى «وورلد فيجن» بتعليق جميع الأنشطة مع الوكالة الإسلامية للإغاثة، ثم انتظرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وشركة ورلد فيجن رد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية لتأكيد ما إذا كان قد تم تعيين الوكالة الإسلامية للإغاثة أم لا.

وتكشف رسائل البريد الإلكترونى التى حصل عليها منتدى الشرق الأوسط فى يناير 2015، أن شركة ورلد فيجن كانت غير سعيدة أثناء انتظار تقييم مكتب مراجعة مراقبة الأصول الأجنبية.

وكتب مارك سميث، كبير مديرى الشئون الإنسانية والطوارئ فى ورلد فيجن إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مؤكدا أن الوكالة الإسلامية للإغاثة «قد قامت بعمل ممتاز» من أجل وورلد فيجن فى الماضى.

فى 23 يناير أكد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية أن الوكالة الإسلامية للإغاثة كانت بالفعل كياناً خاضعاً للعقوبة. ثم وبشكل لا يصدق فى 7 مايو 2015 وبعد مشاورات وثيقة مع وزارة الخارجية، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ترخيصاً لشركة تابعة لشركة وورلد فيجن، وهى شركة وورلد فيجن الدولية، يسمح بتحويل لمرة واحدة تبلغ قيمته حوالى 125 ألف دولار إلى الوكالة الإسلامية للإغاثة، من ضمنها مبلغ 115 ألف دولار تحت رعاية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

3- تمويل الإخوان

الأسوأ من ذلك، لم تكن هذه هى المرة الأولى التى تستفيد فيها الوكالة الإسلامية للإغاثة من منحة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، قبل ذلك كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قد مولت مؤسسة ريد فى كشمير الخاضعة لسيطرة باكستان، وهى واحدة من أخطر المناطق الساخنة فى العالم، وترتبط ريد علانية بالجماعة الإسلامية، وهى جماعة دينية راديكالية لها تاريخ طويل من العنف، وتم تصنيف بعض أجنحة الجماعة الإسلامية، مثل حزب المجاهدين كإرهابيين من قبل الولايات المتحدة، ومع ذلك رأت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن من المناسب منح مؤسسة ريد أكثر من مليونى دولار.

وتلقت منظمة المعونة الإسلامية، وهى جماعة أخرى أنشأها نشطاء الجماعة الإسلامية وتعد تابعة للتنظيم الدولى للإخوان، منحة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

وتظهر الوثائق التى صدرت مؤخراً بموجب طلب قانون حرية المعلومات، أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة المسئول عن وقف الأموال للجماعات الإرهابية، صنف منظمة المعونة الإسلامية كممول محتمل للإرهاب فى عام 2015، وقد تلقت المجموعة أكثر من 1.5 مليون دولار من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فى عام 2013، بعد ثلاث سنوات من اعترافها بتمويل منظمات متطرفة.

وأخيراً تم تصنيف منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية وفروعها (يجب عدم الخلط بينها وبين ISRA التى هى منظمة منفصلة) كممولة للإرهاب من قبل الإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول.

جدير بالذكر أن أحد مؤسسيها هو القيادى الإخوانى المصرى عصام الحداد، الذى حكم عليه بالسجن 10 سنوات من محكمة مصرية، واتهمت تونس وبنجلاديش منظمة الإغاثة الإسلامية بتمويل الإرهاب ومحاولات العمل على تطرف اللاجئين المستضعفين.

كل هذا لفت انتباه لجنة الرقابة والإصلاح الحكومى فى مجلس النواب العام الماضى، مع قيام شهود وأعضاء بإدانة منظمة الإغاثة الإسلامية، أحد فروع التنظيم الدولى للإخوان.

وعلى الرغم من ذلك تعاونت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بشكل مكثف مع منظمة الإغاثة الإسلامية، حيث قدمت لهم أكثر من 1.5 مليون دولار منذ عام 2014، بل قامت الوكالة بتنظيم حفل إفطار مشترك مع منظمة الإغاثة. وعلى الرغم من اختلاف التفاصيل فى كل حالة، إلا أن هذا النمط يثير القلق إلى حد ما بسبب فشل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فى دراسة التحالفات والأيديولوجيات السيئة للمجموعات التى تتلقى أموالها، كما أوضحت جيسيكا داردن، من معهد أمريكان إنتربرايز، وهى خبيرة فى دراسة تمويل التنظيمات الإرهابية.

وانتقد المفتش العام للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، نتيجة مراجعة جزئية، الوكالة بسبب منحها 700 مليون دولار لمنظمات وجهات دون نظام مناسب لضمان أن هذه الأموال لن تذهب فى النهاية إلى الإرهابيين.

ويبدو أن الكثير من منظمات المساعدات يشعر بالاستياء من القيود الحالية، وتطالب هذه المنظمات فى المقابل بقيود أقل وترغب فى تطبيق القيود فقط عندما يكون هناك تحويل واضح للأموال من أجل تمويل الإرهاب بشكل مباشر، لكن حتى إذا انتهى الأمر بالأموال التى ذهبت للجماعات الإرهابية إلى تمويل نشاطات غير عنيفة، فلا تزال المشكلة قائمة كما قالت قاضية المحكمة العليا إيلينا كاجان ذات مرة: «عندما تساعد حزب الله على بناء المنازل، فإنك تساعد حزب الله فى صنع القنابل».

ويبدو أن المشكلة الرئيسية تكمن فى سياسة الفحص التى تطبقها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ففى حالات «جمال ترست» و«منظمة الإغاثة الإسلامية» و «المعونة الإسلامية»، بدا أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية غير مهتمة بتسليم أموال دافعى الضرائب إلى المتطرفين، لأن السبب الوحيد للحظر كان إدراج المنظمة فى قائمة وزارة الخزانة للكيانات الإرهابية المعينة، ولم تكن أى من المجموعات موجودة فى القائمة فى ذلك الوقت.

ويدعم تقرير منتدى الشرق الأوسط إدارة ترامب فى جهودها لمحاربة تمويل التنظيمات الإرهابية، ويدعوها لمتابعة خطابها الصعب تجاه الشبكات المتطرفة من خلال اتخاذ خطوة عملية لتوسيع نهج التدقيق الذى تتبعه الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.