د. بهاء حلمي يكتب: تخوفات من أزمة مالية عالمية
لست من هواة تخويف الناس أو الخوض فى مسائل اقتصادية تتطلب دراسات وخبرات خاصة.
إلا أن تزايد معدلات استخدام مصطلحات مثل: تباطؤ الاقتصاد العالمى، التخوف من تدهور الاقتصاد أو انهياره، التوترات الاقتصادية والحروب الاقتصادية غير المسبوقة التى تشنها الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها العملاق الاقتصادى الأول على مستوى العالم سواء كانت ضد الصين التى تحتل المركز الثانى عالميا، أو ضد الدول الأخرى.
أمر يثير معه الاهتمام والدراسة لمعرفة مؤشرات الإنذار باحتمالات حدوث أزمة مالية عالمية جديدة نتيجة الآثار الناجمة عن تلك السياسات من عدمه.
إن إعلان الرئيس الأمريكى ترامب بأنه يؤمن بأن النظام التجارى العالمى معيب جدا ويضر بالشركات الأمريكية العاملة بالأسواق أمر واضح وجلى لكسر قواعد وأطر التجارة العالمية المعمول بها، والانسحاب من الاتفاقيات الدولية دون أى ضوابط للتخلص من الالتزامات القانونية والأخلاقية المترتبة عليها طالما لم تتوافق مع استراتيجية (أمريكا أولا).
قد أدى ذلك إلى تهميش دور منظمة التجارة العالمية وغيرها من المنظمات والبنوك الدولية المرتبطة بالاقتصاد العالمى، كما أن هذه السياسات وسّعت من نطاق العقوبات الاقتصادية ضد الدول والشركات المختلفة استنادا على توظيف مقومات القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية الأولى على العالم لجنى الأرباح والحصاد دون أى اعتبارات أخرى، من خلال فرض ضرائب ورسوم على البضائع حتى من دول الاتحاد الأوروبى الحليف التاريخى.
لذلك ظهرت مؤشرات ركود الاقتصاد العالمى نتيجة تضييق الائتمان فى الصين، واضطرابات قطاع الصناعة فى المانيا وعلى الأخص صناعة السيارات، وهبوط فى قطاع التصنيع الأمريكى، وضغوط الاقتصاد الكلى فى العديد من الدول، وتردى سوق السندات على مستوى العالم.
أضف إلى ذلك وضع خروج بريطانيا prexit المبهم وتأثيره على الاقتصاد والناتج الأوروبى، والعقوبات المتصاعدة ضد إيران، وتكلفة مواجهة آثار الكوارث الطبيعية التى تضرب مناطق العالم تأثرا بتغير المناخ والبيئة بفعل التلوث وما يترتب عليه من عواقب وخيمة على حياة الإنسان.
إن تراجع نمو الاقتصاد العالمى وعلى الأخص الاقتصاد الأمريكى خلال العام الجارى آثار حفيظة صندوق النقد الدولى الذى أعلن عن احتمالية حدوث توترات فى السياسة التجارية مع اضطرابات كبيرة فى سلاسل التوريد العالمية مما يؤدى إلى ارتفاع مستوى الديون الخاصة عالميا وتراجع العملات الرئيسية وزيادة القروض مقارنة بالناتج المحلى الأمر الذى يزيد من معدلات الفقر.
ونرى فى ذلك إمكانية تزايد احتمالات حدوث صراع بين الدول على الموارد الطبيعية بمناطق الحدود كأحد إفرازات الكساد وتأثيره المباشر على محدودى الدخل.
يبدو أن ارتفاع الدين الامريكى وصل لمستوى كارثى فى السنوات الأخيرة ليصل إلى ما يزيد على 21 تريليون دولار للعام السابق بحسب بيانات وزارة الخزانة الأمريكية، مما جعل الخبراء يحذرون من أن بلوغ الدين العالمى 184 تريليون دولار من شأنه أن يسبب كارثة اقتصادية عالمية وربما هذا يشكل عاملاً ضاغطًا على السياسة الأمريكية أيضا.
إن اعتبار الدولار سلعة يتم تداولها على المستوى الدولى يعطى ميزة وقدرة هائلة للولايات المتحدة على طبع نقود بلا حدود، ولكن بلا غطاء أيضا مما ينذر معه بأن يكون انهياره مدويا إذا استمر تباطؤ الاقتصاد الاقتصادى الأمريكى على هذا النحو، وخاصة فى ضوء لجوء الصين وروسيا وغيرهما إلى تكوين احتياطيات كبيرة من الذهب.
وتلك هى مؤشرات التنبؤ باحتمالية حدوث أزمة مالية عالمية الأمر الذى يضعه صناع القرار فى مصر نصب أعينهم، واعتماد سياسات بناءة تعتمد على استخدام القروض فى إنشاء مشروعات استثمارية إنتاجية عملاقة تستوعب أكبر قدر من العمالة لمعالجة البطالة، وتزيد من حجم التصنيع والإنتاج مما يؤدى إلى تحسين مستوى المعيشة على المدى المتوسط مع سداد القروض وفوائدها من أرباح تلك المشروعات، إن المستقبل ملئ بالأمل والازدهار بفضل تلك الجهود الوطنية المخلصة.
إن الخروج من نطاق الفقر لا يتأتى إلا بالعمل والإنتاج، كما أن تحقيق الرفاهية والتنمية المستدامة، لا تتأتى إلا بالتمسك بالقيم والمبادئ وتنمية الوعى والحس الوطنى وتماسك المجتمع والحفاظ على الأمن والاستقرار.
www.bahaahelmy.com