بطرس دانيال يكتب: هل أعددت حسابك؟
يحثّنا السيد المسيح قائلاً: «ماذا ينفعُ الإنسانَ لو رَبِحَ العالمَ كُلَه وخَسِرَ نفسه؟ وماذا يُعطى الإنسانُ فداءً عن نفسه؟»(متى 26:16). ما أكثر الذين يعيشون على هذه الأرض من أجل ذاتهم فقط، حتى أنهم لا يتذكّرون الله خالقهم! وما أكثر الذين يحصرون اهتمامهم فى الحياة الأرضية فقط دون النظر إلى الحياة الأبدية! كُتب على قبرٍ قديم فى ساحة إحدى الكنائس بإنجلترا: «تذكّر أن الإنسان زائل! كما أنت الآن حىٌ، كنتُ أنا كذلك، وكما أنا الآن ميتٌ، كذلك ستموت أنت أيضاً! فهيئ نفسك لتتبعنى». من اليسير أن نحيا فى هذه الدنيا بلا هدف، دون التأمل والتفكير فى الحياة الأبدية التى لا بد منها شئنا أم أبينا. ومصير كل واحدٍ منّا يتوقف على أعماله سواء كانت خيّرة أو شريرة، وسينال كل واحدٍ إما الحياة الأبدية أو الشقاء الأبدى. لذلك يجب أن نعيش على هذه الأرض دون أن ننسى الآخرة، كما يجب علينا أن نضع الله خالقنا نصب أعيننا مهما كانت مشغولياتنا واهتماماتنا، لأننا مسافرون نحو الأبدية. إذا طرحنا على كل شخص هذا السؤال: «ما أهم شىء بالنسبة لك فى هذه الحياة؟» ستكون الإجابة كالآتى: «النجاح، مركز مرموق فى المجتمع، الزواج وتأمين مستقبل الأبناء، الغنى والصحة والستر، وأشياء أخرى...». مما لا شك فيه أن كل هذه الأمور مهمة وضرورية، ولكن يجب علينا أيضاً أن نستعد للساعة التى لا نعلمها، لأن الموت يأتى فى كل لحظة، وكم من الأشخاص الذين فقدناهم، حتى أن الذهول جعلنا لا نصدق هذا! كل يوم يموت ملايين من البشر، فما المانع أن يكون أحدنا من جملة هؤلاء اليوم أو غداً؟ مَنْ يستطيع أن يجزم بأنه يصل إلى نهاية النهار الذى بدأه؟ مَنْ ذا الذى يثق فى أن يستيقظ من نومه؟ ليس المقصود من هذه الأفكار أن تقلقنا أو تزعجنا؛ بل لِنَصِل إلى الحكمة التى بها نعيش على هذه الأرض رغم مشغولياتنا دون إهمال العناية والاستعداد لآخرتنا، وكما يقول داود النبى فى المزمور: «علّمنا يا رب أن نُحصى أيامنا فتبلغَ الحكمة قلوبنا»(12:89). نجد فى كل بيت بمقاطعة ساڤوى لوحة مكتوب عليها: «افهم جيداً قوة هذه الكلمات: «الله والدقيقة والأبدية. الله الذى يراك وقلما تعبده؛ الدقيقة التى تهرب منك ولا تنتفع منها إلا قليلاً؛ الأبدية التى تنتظرك وبطياشة تخاطر بها». فالإنسان الحكيم والفطن يعرف كيف يقضى حياته على الأرض فى أعمال الخير والبر ومخافة الله ومحبة الناس، لأن الله سيطلب منّا حساباً عمّا فعلنا على هذه الأرض، لأنه خلقنا من أجل تحقيق هذا الهدف. كل مَنْ يعيش حياته اليومية ويضع نُصب عينيه فكرة الموت؛ لن يخسر أبداً، لأنها تجعله يسعى فى عمل الخير، ويستثمر الوقت فيما هو نافع، ويتجنّب ما يهين الله، ولا يصبح عبداً للملذات الأرضية. مما لاشك فيه أننا نعلم أن حياتنا قصيرة، وأفضل مقياس لها، القيام بالأعمال الصالحة والخيّرة، فالموت يزيل هذه الحياة وأباطيلها، ولن يبقى سوى ما أتيناه من خير فى سبيل الله والآخرين، وهذا كله يجعلنا ألا نخاف ساعة الموت، بل نشعر برضى القلب فى هذه الحياة، والطمأنينة والسكينة ساعة الموت. الموت لا بدَّ آتٍ، ولن نُسأل لماذا متنا، ولكن فى سبيل أى هدف متنا. ونقرأ هذا الحوار فى رواية للكاتب هنرى بوردو تحت عنوان «العيون التى تنفتح»: «لا يا صديقي! عيناك لم تنفتحا بعدُ!» - «أعيناى أنا؟!» - «نعم، أنت! لأن الغالبية العظمى من الناس، لا يفتحون عيونهم إلا مرةً واحدة! فى الحياة!» – «مرةً واحدة؟!» – «نعم مرة واحدة! عند ساعة الموت! أى بعد فوات الأوان!». هذه هى حال الذين لا يفكرون فى الله الذى خلقهم ليعبدوه، ولا بالآخر الذى جعله الله على طريقهم ليحبّوه ويعطفوا عليه، لكنهم يتعبدون للمال فقط، حتى أنهم يضعونه مكان الله فى حياتهم، كما أن قلوبهم تتحجر نحو الغير، وعندما تصل ساعة الموت فجأةً، تنفتح عيونهم بعد فوات الأوان، ويبدأون فى الإدراك بأنهم كانوا فى وهمٍ نتيجة تعلّقهم بالمال والخيرات الأرضية دون النظر إلى الله والاهتمام بالآخرين. هل نحن فى انتظار كارثة تحلّ بنا حتى توقظنا من غفلتنا، فنعود إلى الله الذى أهملناه والأخ الذى تركناه؟ ونختم بكلمات فيلسوف الصين كونفوشيوس: «ما أشقى الإنسان الذى يملأ بطنه طوال اليوم، دون أن يجهد عقله فى شىء يفيد روحه والغير... مثل هذا الإنسان، وباء!».