رسالة محبة في مظروف رملي.. رسام فلسطيني ينحت اسم "النبي" على شاطئ غزة
يحرص الشاب الفسطيني "أسامة سبيتة"، أن يكون دائمًا مواكبًا للأحداث والمناسبات الهامة التي تدور داخل بلاده، أو التي يتشارك فيها جموع المواطنين في العالم العربي والإسلامي، لذا لم يفوته ميلاد النبي الكريم، فأحب أن يعبر عن تلك الذكرى بالفن الذي يجيده ويحبه، فصنع منحوتة رميلة على مساحة 6 أمتار تحتضن الاسم الشريف على أحد شواطئ مدينة غزة، وهو ما يعتبره تجسيدًا حيًا للمحبة الخالصة والشوق الكبير الذي يكتنف القلوب، ويتصاعد حتى يصل إلى ذروته في هذا اليوم من كل عام "هاد أجمل اسم ممكن يتعمل"، يقول أسامة لـ"الفجر".
عام 2015 أنهى صاحب الـ28 عامًا دراسته للمحاسبة، ولم يحب أن ينضم إلى صفوف البطالة "لم أحصل على أي وظيفة" لذا لم يكف عن التردد على شاطئ غزة، وفي إحدى المرات خطر له أن يستغل موهبة الرسم التي عشقها منذ الصغر، في عمل منحوتات رملية على الشاطئ، في البداية كان الأمر بمثابة اختبار "لو نجحت فيه راح أكمل ولو حدث العكس أبحث عن مجال الآخر"، لكن عزز من استمراره في هذا الطريق؛ الدعم الكبير الذي أحاطه به الأهل والأصدقاء وهو ما حفزه أكثر على المضي والاستمرار.
مع الوقت بدأ اتقان أسامة في عمل المنحوتات الرملية، يأخذ بعدًا آخر غير الموهبة فتحولت في نفسه إلى مصدر الدخل الوحيد الذي يعتمد عليه، فبعد أن ذاع صيته على الكثير من صفحات مواقع التواصل، اتسعت دائرة معجبيه وانهالت عليه الطلبات والعروض من الكثير من دول العالم "لو شخص حابب يقدم هدية لشخص تاني بيطلب مني أعمل اسمه في منحوتة"، ثم تتحدد تكلفة العمل بناءً على عدد الكلمات ومساحتها والألوان المستخدمة بها، لذا فأغلب لوحاته عبارة عن أسماء أشخاص وعبارات، كانت تستغرق منه في البداية ما يقرب من 3 ساعات، لكن مع الوقت أصبحت الكلمة الواحدة لا تأخذ أكثر من نصف ساعة، لكن ما زال هناك لوحات كبيرة يستلزم الانتهاء منها وقتًا طويلًا قد يمتد به إلى 7 ساعات متواصلة.
يحظى أسامة بتفاعل ودعم كبير من الأشخاص الآخرين، فبمجرد أن يسمك الجاروف ويبدأ عمله على الشاطئ حتى يلتف الناس حوله فاغرين أفواههم من الدهشة ومنبهرين بالمناظر والأشكال التي ينحتها "دا بيعمل عندي نوع من التحفيز إني أكمل"، كذلك تعلو وجوههم الفرحة لوجود هذا النوع من الفن في قطاع غزة المحاصرة. هذه الحالة من البهجة التي يفرضها وجود الناس من حوله، تهون عليه المتاعب التي يلاقيها، حيث يتكبد مشقة كبيرة حتى تخرج المنحوتة في شكلها الأخير، كما أن هذا الإرهاق يتضاءل إلى جوار إحساسه بالحب ناحية فنه الذي يخلص له ويسخر له كل وقته.
دائمًا ما يعشق سبيتة العمل في أحضان الشتاء، ليس فقط من أجل الجهد البدني الذي يتراجع إلى النصف تقريبًا مقارنة بفصل الصيف، لكنّ تضافر عناصر الطبيعة مع بعضها البعض تضفي لمسة جمالية على لوحاته، خاصة عندما تتشاطر الشمس مع الطبيعة لتعكس أشعتها الذهبية على مياه البحر وحبات الرمل، فيكون الناتج لوحة فنية مكتملة الأركان "بيكون المنظر بديع".
لا تتوقف موهبة الشاب الفلسطيني عند حدود النحت على الرمال، حيث ساعده إجادته للرسم بحرفية في الإمساك بزمام مواهب عديدة "الناس عم بتفكر إني نحات في الرمل"، لكن الحقيقة الثابتة في نفسه أنه فنان تشكيلي، استطاع أن ينطلق من تلك النقطة إلى فضاء أرحب، فمع الوقت أصبح بإمكانه تحويل الخشب التالف "بنسميه خشب المشطاح أو الطبليات"، وإعادة تدويره واستخدامه كديكور داخل الكافيهات والمنازل والحدائق العامة.
القضية الفلسطينية كانت حاضرة على الدوام في ذهن "أسامة"، بل كانت هي دافعه للنجاح ومحاولة التغلب على الظرف الأصعب، فغالبية لوحاته لا تحكي فقط عن المأساة الفلسطينية بل كل أمر إنساني يستنكره عقله ويأباه قلبه "كل حدث عم بيصير في غزة أو الضفة بعمل لوحة بتحكي عنه"، ويتحين الفرص كي يقدم فلسطين من خلال رؤيته كفنان تشكيلي، فقبل عامين أقام معرضًا، كان بمثابة أول معرض على الصعيد الشخصي وتضمن كلمات منحوتة على الرمل تروي قصة فلسطين من البداية حتى النهاية، فسرد من خلاله أهم التواريخ الصعبة التي مرت على فلسطين بداية من نكبة 1948 وحتى العدوان الأخير على قطاع غزة، وكان الغرض منه أن يطرح على جموع الزائرين سؤالًا عالقًا بذهنه وينقب عن إجابته باستمرار "إلى متى راح تضل فلسطين تحت هذا الظلم والاستيطان؟".
دوافع عديدة تقف وراء أسامة تحثه بقوة على الاستمرار، لكن أهمها بالنسبة له هو فلسطينيته التي لا ينساها، حيث تمكن من خلال الرسم والنحت أن يكوّن نافذة خاصة، يحكي من خلالها القضية الفلسطينية ويضعها بلوحاته أمام أنظار العالم، كي يذكرهم بالظلم الذين يتعرضون له على مدار سنوات كثيرة "كمان علشان يدركوا قديش أهل فلسطين عندهم طاقات وإمكانيات كثيرة"، لذا يراوده حلم أن يصمم أضخم منحوتة عن فلسطين ويدخل بها موسوعة جينيس، كما يزايله الأمل أن يصل بموهبته إلى أبعد حدود ويتواجد بين أشهر فناني العالم، حاملًا اسم فلسطين، لكنه ما يزال يبحث عن الحاضنة المناسبة والدعم الكافي.
تلك الأحلام العريضة التي يرسمها الفلسطيني لنفسه، يعيقها كثيرًا تواجده داخل قطاع غزة المحاصر، فالإمكانيات والمواد الخام التي يحتاج إليها تكاد تكون منعدمة حيث يحظر الاحتلال دخولها إلى القطاع، كذلك المساحات الكبيرة التي يحتاج إليها ونوعية التربة الخشنة التي تضطره أن يبذل جهدًا مضاعفًا "مش مساعداني أبدع أكثر"، كما فوتت المضايقات التي يتعرض لها أهل غزة فرص الالتحاق بأكثر من مناسبة إبداعية داخل الدول العربية، فحدث أن ترشح اسمه لمعرض خارج فلسطين، لكن منعه الاحتلال من السفر "للأسف الفرصة وقتها راحت علي".