منال لاشين تكتب: الجريمة الحقيقية فى قطار الـVIP
الحكومة تنظر لمحمد عيد وزملائه كندبات فى جسد المجتمع يجب التخلص منها دون إيجاد بديل آدمى لهم
الذين نعوا أخلاق المصريين ساهموا فى عزل المواطن فى سجن الإنهاك الاقتصادى والتهميش المجتمعى
إذا كان طلب استقالة الوزير لمجرد أنه أمر بمنع الباعة الجائلين من القطارات، فهذا موقف عبثى. فليس معنى قرار الوزير أن يقوم الكمسرى أو أى شخص آخر بالتخلص منهم بالقتل بدلا من تسليمهم للأمن.
وبعيدا عن الوزير هناك فريق ثانٍ يرى أن بؤرة الجحيم تأتى فى الركاب الذين أصابهم «شلل» فلم يتحركوا أو يتدخلوا لمنع الكارثة. وهذا الفريق نعى موت الإنسانية والجدعنة لدى المصريين بينما لم يجد بعض من الإعلاميين فى الكارثة سوى تحميل مسئولية الحادث للضحيتين لأنهما تجرءا على ركوب القطار الفاخر. والفئة الأخيرة ينطبق عليها المثل «إذا لم تستح فافعل ما شئت». بينما وجد بعض النشطاء والمعارضين فى الحادث الأليم فرصة ذهبية للهجوم على الشرطة. فراحوا يؤكدون أن البائعين اختارا القفز من القطار أو الموت لأنه أرحم من الذهاب لقسم الشرطة.
وهكذا انحصرنا جميعا أو حصرنا أنفسنا فى مربع ضيق مغطى بدماء البائعين الشابين وهو مربع عربة القطار الـ«VIP».
ولكن من وجهة نظرى أن الخطأ الحقيقى أو بالأحرى الخطيئة تتجاوز ما حدث فى عربة قطار فاخر فى مساء إحدى الليالى. بل إن المجرم الحقيقى والذى يستحق اللوم والعقاب لم يكن فى القطار ولا فى وزارة النقل نفسها، وإن كانت مسئولية وزارة النقل متضامنة مع الحكومة والدولة فى اللوم والعقاب والفشل الذى سيؤدى بحياة مواطنين كثيرين تحت عجلات القطار وفى أماكن العمل وعلى أرصفة الشوارع وفى المستشفيات. واختصارا فى كل بقاع مصر.
1- مصير بائع متجول
لم يكن قتل أو نحر البائع تحت القطار على قسوته سوى تكثيف لمعاناة ملايين من أقرانه من الباعة لجائلين. بالطبع لم يصل الأمر بهم إلى فقدان حياتهم، ولكنهم يقينيا يفقدون آدميتهم وكرامتهم وجانب كبير من مصدر رزقهم كل يوم وكل ساعة. والسبب متكرر فى كل مكان، الحكومة ومعها قطاع من الشعب يرون فى الباعة الجائلين مجرد مشهد يشوه الصورة الحضارية. فى كل يوم تهاجم المحليات الباعة الجائلين الذين يشغلون الأرصفة والطرق، ويخسر الباعة فى هذه المعارك جانبا من بضائعهم وجانبا آخر من كرامتهم فى صراع ليبقوا على قيد الحياة.
ولا أنكر أننى أنزعج من الباعة الجائلين فى الشوارع وفى القطارات وعلى الأرصفة وأمام المصالح الحكومية. ولكننى لا أنظر لهم كبثور على وجه المجتمع تجب إزالتها، وإنما كمواطنين مصريين لهم الحق فى العمل. وعلى الحكومة أن تهيئ لهم مناخ هذا العمل. ولذلك ربما يكون الذنب الأكبر لوزير النقل كامل الوزير ليس فى تصريحاته عقب الحادث، ولا حتى فى منعه للباعة الجائلين من ركوب القطارات. ولكن المشكلة الأعمق هى فى تجاهله لإيجاد مكان لهؤلاء الباعة خارج القطارات وداخل المحطات. ولكن هل من العدل أن نلوم وزير النقل وحده على خطأ تقع فيه كل مؤسسات الدولة ووزارات الحكومة.
يجب أن تتوقف الحكومة عن النظر للبائع محمد عيد وزملائه كندبات فى جسد المجتمع يجب إخفاءها عن عيون السادة المسئولين والسائحين وركاب القطارات الفاخرة وأهل الحياة الفاخرة.
هذه النظرة أو بالأحرى السياسة صنعت جانبا من مأساة محمد عيد ولم يمنع تكرار هذه الحوادث إلا تغير هذه النظرة.
2- أين المصرى؟
ويبقى بالطبع التباكى على شهامة ونخوة وكرم المصريين. الأسئلة المعلقة فى كارثة القطار.. هل لم يتحرك الركاب لمساعدة الشابين؟ ولماذا لم يجمع لهما ثمن التذكرة؟ وأين اختفت روح التعاون؟ ولماذا أصبح المصرى منغلقا على نفسه؟
هذه الأسئلة تحتاج إلى تحليل عميق وإن كان فى نهايته سيدين أشخاصًا ومسئولين بعيدين تماما عن قطار الـ«VIP» وحتى محطة القطار.
فالذين ساقوا المجتمع المصرى للسلبية. والبعد عن المشاركة. الذين كرّهوا المصريين فى العمل الخيرى والمجتمعى، والذين خططوا لقمع المصريين فى سجن الخوف من بكرة وأنه لا يوجد شىء مجانى، وكل بثمنه، واللى ماعوش ما يلزموش. الذين دفعوا المصريين إلى الإنهاك الاقتصادى الذى يكسر العين والهمم. الذين دفعوا المصريين بالأبواق الإعلامية إلى الانغلاق على أنفسهم والاكتفاء بهمومهم وعملهم وحياتهم. الذين مجدوا نموذج المواطن الأنانى المنعزل وإن كل مهامه أن يؤدى عمله فقط. الذين همشوا عمدا هذا المواطن يتحملون جزءا من الأزمة ويمثلون جزاء من إجابة السؤال الحزين.. ماذا جرى للمصريين؟.