د. نصار عبدالله يكتب: كيف تحصّل الدولة مستحقاتها؟
من حق الدولة، ومن واجبها أيضا، أن تحصل مستحقاتها لدى المواطنين بالطريقة التى حددها القانون، أعنى أن توقع الحجز على المنقولات التى يملكها المدين ثم تعينه فى نفس الوقت حارسا عليها مسئولا عن استمرار وجودها بحالتها التى حجزت بها، بعد ذلك يتم عرضها للبيع فى مزاد علنى، حيث تستوفى الدولة مستحقاتها خصما من ثمن البيع فإذا تبين فى اليوم المحدد للبيع أن المدين قد تصرف فى المنقولات لحسابه الشخصى حوكم لارتكابه جريمة تعرف بالتبديد.. وحكم عليه بالحبس مالم يبادر إلى سداد قيمة المنقولات قبل النطق بالحكم.. هذا هو مارسمه القانون.. أما ما يحدث فى الواقع فهو شىء مختلف تماما خاصة بالنسبة لصيارفة الأرياف الذين هم مسئولون عن تحصيل ضرائب الأطيان التى ما زالت إلى الآن تعرف بالأموال الأميرية، فهؤلاء الصيارف يعمدون فى غالب الأحوال إلى تحرير محاضر حجز على منقولات وهمية يكتبون أسماءها وأوصافها من نسج خيالهم وهم قابعون فى مكاتبهم، ويحددون تاريخا للبيع لا يعلمه المدين وفى يوم البيع يحررون محضرا بالتبديد!! وهكذا يقدم المواطن للمحاكمة!! عندئذ فقط يعرف بأنه لم يعد أمامه من سبيل إلا الدفع أو الحبس، إذ إن ما هو مذكور بالمحضر حجة قاطعة عليه طبقا للقانون، بهذه المناسبة أذكر أننى سبق لى أن نشرت فى بريد الأهرام منذ ما يقرب من ربع القرن واقعة طريفة مؤداها أنى وجدت نفسى يوما متهما بالتبديد لعدم سداد أموال أميرية كان المرحوم والدى قد تصرف فيها بالبيع منذ أمد طويل لكنها كانت إذ ذاك لا تزال فى تكليفه وبالتالى كان هو ومن بعده ورثته هم المطالبين بسداد الأموال الأميرية، ويومها حاولت عبثا أن أثبت للمحكمة أنى أقيم فى شقة صغيرة بالطابق الخامس فى عمارة ليس بها أسانسير، ولايعقل أن تصعد جاموسة إلى مثل هذا الارتفاع على السلم، فضلا عن أن شقتى تتسع بالكاد لى ولزوجتى ومكتبتى، فكيف بجاموسة؟.. ناهيك عن حمار.. لكن دفاعى هذا لم يجد فتيلا إذ قال لى القاضى فى لهجة حاسمة : إما الدفع وإما الحبس !!، فدفعت وأمرى لله معزيا نفسى بأن ما حدث معى هو ما يحدث مع سائر الناس فى الأرياف حيث يتم تحصيل المستحقات الحكومية التى قد تكون حقا لا شك فيه يتم تحصيلها من خلال ارتكاب جرائم لا شك فى كونها جرائم وأولها جريمة التزوير عند تحرير محضر الحجز على منقولات وهمية، ثم جريمة التزوير عند تحرير محضر بتبديد تلك المنقولات التى لم تكن موجودة أصلا !!...لكن لا أحد يعنى بتلك (التفصيلات الهامشية ).. لأن الجوهر الأهم عند أغلب المسئولين هو : هل هذه أموال دولة أم لا؟ وهل يتوجب تحصيل أموال الدولة أم نغرق فى التفاصيل والإجراءات التى قد تؤدى فى نهاية المطاف إلى ضياع حق الدولة؟ المبدأ إذن عند هذه النوعية من المسئولين هى : الغاية تبرر الوسيلة، ولا يخطر قط ببال هذه النوعية من المسئولين (وهم الأغلبية للأسف).. لا يخطر ببالهم أن غاية الغايات فيما ينبغى أن يكون هو أمن المواطن وحريته وكرامته، وأن الدولة ذاتها ما وجدت إلا لهذا السبب، ولولا هذه الغاية لما وجدوا هم أنفسهم.. وقد كنت حتى الشهر الماضى فقط أتصور أن أسلوب تحرير المحاضر المزورة كوسيلة لابتزاز المواطن وإكراهه على سداد ما تطلبه الدولة بحق أو بغير حق كنت حتى الشهر الماضى فقط أتصور أن هذا الأسلوب قاصرا على صيارفة الأرياف إلى أن اكتشفت أنه متبع بشكل أبشع لدى شركة مياه الشرب بالقاهرة الكبرى، فأنا كما يعرف الكثيرون مقيم بشكل دائم فى سوهاج حيث أعمل أستاذا متفرغا بجامعتها، والمناسبة السنوية الوحيدة التى أذهب فيها إلى القاهرة هى معرض القاهرة الدولى للكتاب حيث أشترى فى كل عام مئونتى السنوية من الكتب، لكننى لسوء الحظ أمتلك أنا وإخوتى عمارة فى القاهرة عنوانها 17شارع إسماعيل أباظة أمام محطة مترو سعد زغلول...أغلب شقق العمارة تصرفنا فيها بالبيع، وباقيها مؤجر إلى عدد من المستأجرين، وفى الشهر الماضى نما إلى علمى أنه قد صدر ضدى حكم بالحبس لمدة عام مع النفاذ لأن المستأجرين لم يقوموا بسداد فواتير المياه المتراكمة عليهم والتى بلغت جملتها عشرين ألف جنيه ثمة أسئلة يمكن أن تطرح فى هذا الخصوص لماذا تراخت الشركة فى التحصيل إلى أن وصلت المتراكمات إلى ما وصلت إليه؟ هل هو مجرد الإهمال أم سبب آخر...لماذا لم تقم الشركة بقطع المياه حتى ترغم المستهلكين على السداد؟ لماذا على الأقل لم تقم الشركة بمطالبتى مع أن عنوان إقامتى معلوم لسائر المستأجرين؟ لا أدرى على وجه التحديد ما هى الإجابة على أى سؤال من الأسئلة السابقة وإن كانت محاولة الإجابة على أى منها تفتح أبوابا كثيرة للظنون أغلبها ليس فى صالح الشركة بأى حال من الأحوال...المهم أنى قمت بسداد المبلغ المطلوب والتصالح بالإكراه مع الشركة ثم قمت باستئناف حكم الحبس حيث صدر الحكم لصالحى من محكمة الجنح المستأنفة بالسيدة زينب حيث قضت بانقضاء الجنحة، والأمر لله من قبل ومن بعد.