"الفجر" تحاور نحات جامع الماداني بشارع باب الوزير: "بقالنا 300 سنة في الصنعة" (فيديو)
نحت الحجر هو أحد الفنون القديمة، قدم المعابد والمسلات المصرية، وقدم المآذن والجوامع الأثرية، وقدم الكنائس والمنازل التي تفتخر مصر بأنها الأقدم على مستوى العالم، ودائمًا العامل المصري هو كلمة السر في هذه الإنجازات فعندما نتحدث عن الأهرامات فنحن نتحدث عن إعجاز البناء وكذلك لما نتحدث عن الجوامع الأثرية فنحن نتحدث عن إعجاز وروعة ودقة نحت أحجار البناء
وكان لـ"الفجر" لقاء مع أحد هؤلاء الذين ورثوا مهنة نحت الحجر عن آبائهم، ويدعى عيد، ويعمل في نحت أحجار طنبغا المارداني وهو المسجد الذي يتم ترميمه حاليًا في شارع باب الوزير، وتحت ضربات المعول يشكل عم عيد الحجر ويجعل منه تحفة فنية تريح العين، كما يجعله صالحًا للاستخدام والبناء.
ويقول عم عيد لكاميرا الفجر، إنه يقوم بنحت الأحجار وزخرفتها منذ 45 عامًا، حيث قضى عمره في هذه المهنة التي تستنزف منه الجهد والعرق ولكنه يهيم بها حبًا حيث يتول الحجر بين يديه إلى قالب صالح للبناء، وتحفة زخرفية مريحة للعينين، وهو قد ورث هذه المهنة عن عمه والذي ورثها عن جده فعائلته تحترفها منذ ما يقرب من 300 عام.
وأكد عيد، أن أجداد أجداده قد يكونوا شاركوا في بناء جامع المارداني ونحت أحجاره قبل 700 عام، فكلما أمسك معوله يشعر أن أجداده وقفوا يومًا في نفس هذا المكان وفعلوا نفس العمل، وأشار إلى أنه يحترف تشكيل وتهذيب حجر الهاشمة "الجيري" بواسطة أدوات معدنية، والعمل كله يدوي بحت.
وقام عم محمد بنحت أحد الأحجار أمام أمام عدسات الكاميرا، حيث يقوم بتقليد نفس تشكيل الحجر القديم، بنفس الشكل ونفس الأسلوب الذي اتبع في النحت قديمًا وذلك لاستكمال ما يجب استكماله من أحجار تالفة، تحت إشراف المرممين والخبراء.
ومن ناحيته قال الدكتور محمود حلمي أخصائي الترميم المسؤول بجامع الطنبغا المارداني والواقع في شارع باب الوزير، إن استكمال الأحجار عملية لا تتم عشوائيًا، ولا نلجأ للاستكمال إلا في حالة كان الحجر مفقود منه نسبة تزيد عن 40 % والتي تؤثر على سلامة المبنى المعمارية.
وجامع المارداني كان قد زاره الدكتور خالد العناني وزير الآثار في أكتوبر 2018، لمتابعة أعمال الترميم الجارية به، حيث جرى توقيع مذكرة في نهاية مايو من نفس العام بين وزارة الآثار ومؤسسة الأغا خان مصر للخدمات الثقافية، لترميم مسجد الطنبغا، والمذكرة تهدف بشكل أساسي إلى تنفيذ مشروع ترميم المسجد، الممول من الاتحاد الأوربي وشركة آغاخان، تحت عنوان "التراث الثقافي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية".
ومسجد طنبغا المارداني، هو أثر يرجع إلى العصر المملوكي، وتم انشاؤه عام 740هـ، أي منذ 700 عام، ويقع في شارع باب الوزير بمنطقة الدرب الأحمر، ويحوي عدد كبير من الأعمدة الأثرية التي استخدمت عملية بناء وتأسيس المسجد، يبلغ عددها 70 عمودًا، فالمسجد يعتبر متحفًا مفتوحًا للأعمدة من كل العصور، حيث يوجد به أعمدة من العصر الفرعوني وعلى أحدها كتابات هيلوغليفية، وأعمدة من العصر البطلمي، وأعمدة ذات تيجان كورنثية، وعدد كبير من الأعمدة متنوعة الأشكال من مختلف العصور.
وعن سبب هذا التنوع، فإن العادة في هذه العصور هو إعادة تدوير الخامات من المباني القديمة، وخصيصًا الخامات النادرة مثل الرخام والجرانيت وغيرها، وظاهرة استجلاب الأعمدة من المباني القديمة أو المخربة أحد سمات العصور القديمة بشكل عام.
المنشئ وتاريخ البناء
ومسجد المارداني بناه الأمير علاء الدين الطُنبُغا بن عبد الله المارداني الساقي، والمعروف بالطنبغا المارداني، أحد مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ترقى في القصر السلطاني، وعينه السلطان في وظيفة الساقي وهو المسئول عن المائدة السلطانية ويتذوق الطعام قبل أن يتناوله السلطان، وقد كان أميرًا على حلب، ويقال إنه تزوج من إحدى بنات الناصر محمد بن قلاوون، وتم بناء الجامع في عام سنة 740 هـ 1340م، تحت إشراف رئيس المهندسين فى أيام الناصر محمد بن قلاوون، ويدعى ابن السيوفي.
التصميم المعماري والزخارف
والمسجد بني على نمط المساجد الجامعة، حيث يتوسطه صحن سماوي مفتوح، تحيط به أربعة أروقة وللمسجد قبة بثمانية أعمدة جرانيتية تسبق المحراب، ووتتوسط الصحن نافورة "ثمانية الأضلاع" رخامية، وهي منقولة، وأعمق وأكبر الأروقة هو رواق القبلة، وللمسجد ثلاثة أبواب، الرئيسي منها يقع على شارع التبانة، ويطل الباب الثاني على سكة المارداني، والباب الثالث تم إغلاقه بواسطة لجنة حفظ الآثار العربية، وكان يطل على شارع آخر يدعى "زقاق المارداني"، وعلى يسار المدخل مئذنة مكونة من ثلاث دورات، والزخارف على جانبي المحراب تعتبر غاية في الروعة والجمال وهي من الزخارف المتفردة في مساجد مصر المملوكية، وواجهة الرواق الشمالى مغطاة برخام وباقى أجزاء حائط القبلة مغطى بحليات رخامية دقيقة مطعمة بالصدف.
الترميمات
في عام 1884 م، أمر الخديو عباس حلمي الثاني بترميم المسجد إثر الزلزال الذي وقع في هذه الفترة، وقامت لجنة حفظ الآثار العربية بعمل أول ترميم للمسجد بعد تأسيسه، وشملت الترميمات فوارة المسجد والتي تم نقلها من مسجد مسجد السلطان حسن، وهي تقع في منتصف الصحن، كما تم ترميم قبة رواق القبلة، وكذلك الحجاب الخشبي والذي تم تصنيعه بواسطة لجنة حفظ الآثار العربية، وهو حجاب متفرد في زخارفه وكتاباته.