إيمان حلمي تكتب : الرحلة الأخيرة

ركن القراء

د. إيمان حلمي
د. إيمان حلمي


في الوقت الحالي لا يوجد مواطن في مصر - وأغلب الظن في خارجها- لم يعرف بقصة البائع المتجول الشاب الذي ألقي بنفسه من القطار بناءً علي طلب ( الكمسري) بالدفع أو القفز.

في واقع الأمر أن هذه الحادثة أثارت الرأي العام المصري، وذلك - في أغلب الظن- ليس لموت الشاب فقط، ولكن من وجهة نظري لدائرة التساؤلات التي أثارتها هذه الحادثة، والتي جعلت كلاً منا ينصب نفسه قاضي ومحلل أحداث وخبير في علم النفس، ولعل أبرز التساؤلات التي تدور بداخلنا هي:

لماذا قام الكمسري بعرض هذه الإختيارات فقط علي البائع الشاب ولم يعرض عليه خيار أكثر ملاءمة وإنسانية؟
لماذا قام الشاب بإلقاء نفسه من قطار متحرك معرض نفسه للموت أو علي أقل تقدير الإصابة بعاهة مستديمة؟
لماذا لم يقم أحد ركاب القطار بالمساهمة بدفع ثمن تذكرة البائع الشاب أو عالأقل تهدئة الموقف وإثناء الشاب عن قراره بالقفز من القطار وإقتراح أي حل بديل للموقف؟

وفي الإجابة عن هذه التساؤلات سنجد العديد من التبريرات لكل طرف من أطراف القضية ، فنجد من يقول أن الكمسري كان يقوم بمهام عمله وهو تحصيل التذاكر وعدم السماح لأي شخص بركوب القطار إلا وهو حامل للتذكرة وإلا ستسود الفوضي ، ونجد من يقول ( دا شاب علي باب الله) وكان بيجري علي أكل عيشه ، ونجد أيضاً من يبرر بجملة( هو أي حد يطلب منك القفز من القطار تسمع كلامه)، وهناك من يقول ( ركاب القطار هم السبب لو كانو جمعوا ثمن التذكرة لم يكن ليحدث أياً من هذا)، في واقع الأمر أن كل هذه التساؤلات والتبريرات لا داعي لها وذلك لأن النتيجة واحدة -لن تتغير أبداً مهما تحدثنا عنها ومهما ألقينا بالتهم علي بعضنا البعض- ألا وهي موت بائع مكافح في ريعان شبابه لسبب ضعيف كان من الممكن أن يتم تفاديه سواء بعدم إلقاء الشاب لنفسه أو دفع الركاب لتذكرته أو بقيام الكمسري بعرض خيارات أخري أكثر إنسانية علي البائع الشاب.

ولهذا أرجو من سكان دولة الفيسبوك وجميع مواقع التواصل الإجتماعي ، أن يقوموا بالدعاء لهذا الشاب المكافح والترحم عليه، ومراعاة مشاعر جميع أطراف القضية وأهلهم وذويهم، وأن يتركوا القانون يأخذ مجراه محققاً العدالة المرجوه لهذا الشاب المكافح، وأن تكون هذه الحادثة بمثابة عبرة لنا جميعاً وإيقاظ لضمائرنا البشرية .

وفي النهاية - وهنا أوجه كلامي لأهل الشاب المكافح- لعل هذه كانت الرحلة الأخيرة لفلذة كبدكم، ولكننا نعدكم بأنها ستكون بمثابة نقطة بداية لسلسلة أحداث تعود فيها الروح المصرية الأصيلة لشهامتها التي تُعرف بها في شتي بقاع الأرض.