"بعد الاستعانة بمراكز علاجية".. هل تنجح تجربة الاختبارات النفسية بالحد من حوادث القطارات؟

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


"نار البعد لهيب بتكوي أي غريب .. يا قطر الصعيد زيد السرعة زيد"، عربات متهالكة ترتص في شكل مستقيم، فور وصولها إلى المحطة تشعر وكأن الركاب يزفون إلى الموت حاملين أحلامهم بين أيديهم يطلبون العفو عن أرواحهم، تفوح من بين طياته رائحة الدماء كالذئاب بعد تناول وجبتها، الخوف ينفخ مزماره في أذان مستقلي القطار، ونظرات الذعر تحاول أن تقفز من أعين الجميع.

 

"سائق.. خفير .. عامل التحويلة .. مراقب البرج .. كمسري"، جميعهم وظائف حملت على كاهلها أرواح الملايين من ركاب قطارات سكك حديد مصر يوميًا، بعضها أتقن عمله، فيما قرر الباقية التعاقد مع الموت.

 

كل راكب فور أن تطأ قدماه أرض القطار يحاول أن يتمالك قلبه الذي كاد أن يكسر ضلوعه من سرعة دقاته ، يدعوا الله أن تنتهي رحلته ويصل إلى وجهته مخلفًا موعده مع الموت، متمسكًا بعقيدته، يرتل بعض الذكر الذي يساعده على الهدوء نسبيًا.

 

بعد تكرار حوادث القطارات التي تشكك في الحالة النفسية للعاملين في هيئة سكك حديد مصر في الآونة الأخيرة، والتي بدأت بحادث قطار محطة مصر في فبراير من العام الجاري، حينما أصطدم أحد جرارات القطار بالرصيف الخرساني عقب دخوله المحطة بسرعة كبيرة والذي راح ضحية 21 قتيل، وأكثر من خمسين مصابًا، كان الخطأ حينها من سائق القطار على حسب تحقيقات النيابة العامة.

 

تحدث حينها سائق القطار مع بعض رموز الساحة الإعلامية، بشكل يدعوا للشك فبعض الأطباء النفسين وصفوه بمريض "سيكوباتي"، والبعض الآخر شك في قواه العقلية، وهناك من أتهمه بتعاطي المخدرات بكميات كبيرة؛ لأنه لم يكن مدركًا لوقائع الحادثة الدامية التي خلفها وراءه.

 

وكذلك الأمر بالنسبة لكمسري، قطار رقم  934 مكيف إسكندرية، الذي أجبر اثنان من المواطنين بالقفز من القطار أثناء سيره بسرعة كبيرة، لامتناعهم عن دفع قيمة تذكرة الركوب، الأمر الذي أدي إلى مصرع أحدهم دهسًا تحت العجلات، وبتر قدم الأخر.

 

وجهت أصابع الاختلال النفسي إلى المتهم بشكل كبير، الأمر الذي دفع هيئة  سكك حديد مصر إلى التعاقد مع أحد مراكز استشارات نفسية الحكومي؛ لتوقيع الكشف النفسي على العاملين بالهيئة بشكل عام، والقائمين على وظائف تشغيل القطارات بشكل خاص.

 

كما وضعت هيئة سكك حديد مصر عدد من الشروط والضوابط التي تهدف إلى التأكد من سلامة العاملين نفسيًا، وذلك إعمالًا للإعلان رقم 1 لعام 2019، واضعه مجموعة من الشروط ، والتي جاءت على النحو التالي، اجتياز العاملين بالهيئة الاختبار النفسي؛ إذا رسب أي عامل من عال تشغيل القطارات في الاختبارات النفسية فإنه سيتم نقله إلى وظيفة إدارية في الهيئة، وذلك بالنسبة للعاملين القدامى، أما عن المشاركين في مسابقة الوظائف التي تجريها الهيئة فأصبح الكشف النفسي شرطًا أساسيًا؛ لاجتياز الاختبارات، والالتحاق الوظيفة.

 

كما أعلنت الهيئة أن الأولوية في تطبيق هذا النظام سيكون على الوظائف الحرجة الخاصة بتشغيل القطارات كالسائقين، والعمال الذين تؤثر حالتهم النفسية على حياة الركاب مثل خفير المزلقان، ومن المقرر أن تتضمن الدورات الدورية التنشيطية التذكيرية التي تقدمها الهيئة للعاملين القدامى بمركز الورداني بين طياتها بعض من الاختبارات النفسية التي من شأنها التأكد من سلامة العاملين.

 

طبيب بمستشفى العباسية: "روتين عملهم يضعهم تحت ضغط يحولهم إلى مرضي نفسيين"

 

قال محمد حسن، أحد الأطباء العاملين بمستشفى العباسية للصحة النفسية، لـ "الفجر" إن العاملين في وظائف تشغيل القطارات يتعرضون إلى ضغوط العصبية؛ بسبب ساعات العمل، الرحلات الطويلة، تكرار المشاهد والأحداث وكذلك الطرق يوميًا، يحولهم إلى مرضي نفسيين يحتاجون إلى العلاج سريعًا، معلقًا " أي حد بيتحط تحت الضغط ده ممكن يتحول لألة قتل".

 

"الاكتئاب السوداوي" هو المرض النفسي الذي رشحه طبيب مستشفى العباسية للصحة النفسية متوقعًا أنتشاره بين العاملين في هيئة السكة  الحديد، خاصة الموظفين المختصين بتشغيل القطارات، موضحًا أن هذا المرض يسبب شعور دائم بالتوتر، الضيق، وكذلك عدم تقدير أهمية أرواح الأشخاص الآخرين.

 

تابع حسن، أن علاج هذه الحالات قد يحتاج إلى سنوات طويلة؛ لأن المرض يظهر على تصرفات المصاب عندما يتغلل في نفسه ويصبح جزًء من شخصيته، مضيفًا " أنه لابد من كشوف نفسية متلاحقة بجد أدني شهري على الموظفين ويكون هناك متابعة وملف نفسي خاص بكل عامل يسجل فيه حالته النفسية خلال فترة عمله، وأقترح أن يكون هناك مكافئات مالية للموظفين الذين لا يعانون من مشاكل نفسية".

 

فرويز: "يجب توقيع الكشف بشكل دوري على العاملين .. وهذه الخطوة ستقلل من نسبة الحوادث المتكررة"

 

أعلن جمال فرويز، الاستشاري النفسي، أن خطوة توقيع الكشف النفسي على العاملين بهيئة سكك حديد مصر وخاصة القائمين على أعمال تشغيل القطارات، ستحد من تكرار الحوادث الدامية التي يعود سببها إلى بعض الأمراض النفسية، معقبًا " مثل حادثة محطة مصر وحادثة الكمسرى التي وقعت أول أمس، الإثنين الموافق الثامن والعشرون من أكتوبر 2019" .

 

اعتبر، الاستشاري النفسي، الأمراض المهيمنة على موظفي تشغيل القطارات، من الممكن أن تكون "السيكوباتية" ومنوهًا أن هذا المرض هو التقدير الخاطئ لنتائج لتصرفاتهم؛ والتي تسبب التعامل بطريقة عدوانية مع أفراد المجتمع؛ والذي يظهر في عدم اكتراثهم لحياة المواطنين، و نتائج إهمالهم في قيادة القطار".

 

قال فرويز، إن تناول المنبهات أو المخدرات، يكون سببًا رئيسيًا في التعامل بشكل عدواني مع المواطنين، لأنها تخرج الجهاز العصبي للإنسان عن السيطرة في حال تعاطيها، وكذلك في حال الإمتناع عن تعاطيها فجأة دون خوض رحلة العلاج من الإدمان؛ لأنها تؤثر على القوى العقلية، التصرف، ردود الفعل بشكل كبير، فور تحولها إلى مخدر دائم  يدمنه العامل، لتنتج مرض نفسي يسمى (أنتي سوشيال بيرسونالتي) أي الشخصية المعادية للمجتمع.