لأول مرة.. "الفجر" تحقق في اتهامات أخطاء ترميم جامع "المارداني" (صور وفيديو)
كشف مصدر مقرب من وزارة الآثار للفجر عن بعض أعمال الترميم التي تتم داخل مسجد الطنبغا المارداني في شارع باب الوزير، وأمد الفجر ببعض الصور الحصرية والتي وصفها المصدر بأن فيها أخطاء ترميم، وأنه تم استخدام الألوان لإعادة الأحجار لأشكالها الأصلية، وأن بعض أعمال الترميم شابها استكمالات بالمخالفة لبروتوكلات الترميم العالمية.
وظهرت واجهة المسجد على سبيل المثال في تلك الصور بشكل زاهي اللون وكأنه تم دهانه حديثا، بما يتنافي مع أثرية وتاريخ المسجد، وكذلك الزخارف والكتابات الأثرية، وأضاف أنه تم تنظيف الواجهات بكمادات استخدمت فيها الأمونيا والإديتا وبيكربونات الصوديوم، وبعد التنظيف تمت إضافة الألوان، وهذه الألوان أضيفت إليها مادة البريمال كي تظل ثابتة.
وكما اعتادت الفجر دائمًا احترامًا منها لمصادرها الخاصة، وكذلك لعقلية القارئ، قامت بجولة ميدانية حية داخل مسجد الطنبغا المارداني، والتقينا بمسؤولي الترميم، وطالعنا أعمال الترميم عن قرب، كي لا نترك مجالًا إلا للحقائق المجردة المدعومة بالصور والفيديو.
وخلال جولة الفجر بين أعمال ترميم المسجد، برفقة أخصائيي الترميم العاملين فيه، تبين حقيقة أن الصور التي وصلتنا خلاف ما تراه العين المجردة، فألوان الأحجار التي تظهر في الصور وكأنها مطلية بألوان حمراء أو صفراء، اتضح أنها ألوان الحجر نفسه، فأحجار المسجد من الخارج نوعين، أحجار حمراء اللون وأحجار بيضاء، وهي المعروفة اصطلاحًا في علم الآثار باسم الحجر المشهر.
وبناء على المشاهدات القريبة للغاية من أعمال الترميم فإن فنيي الترميم يستخدمون المياه المخلوطة بمذيبات مخففة سواء الكحول أو الأسيتون، وباستخدام كمادات مكونة من ورق مقوى، يتم غمر الورق المخلوط ثم تثبيته على الجزء المراد تنظيفه، ثم تركه لفترة تصل لساعات، ثم نزعه وتنظيف الحائط باستخدام فرشاة بلاستيكية، وهو ما يعيد الجزء المراد تنظيفه إلى سيرته الأولى بألوانة الأصلية.
ومن ناحيته قال الدكتور محمود حلمي أخصائي ترميم جامع طنبغا المارداني، إن الذاكرة البصرية للمواطن الذي يمر على جامع المارداني منذ مائة عام مثلًا محتفظة بشكل الاتسخات على الجدران حتى تحول شكل الجدار المتسخ إلى أصل يعتمد عليه البعض في تقييم أعمال الترميم، فاللون الأحمر للحجر من كثرة الاتساخات تحول إلى الأسود، والزخارف والنقوش طمست تمامًا، وهو ما يراه الناس على المسجد من مئات السنين فعندما تأتي وتنظف الواجهات وترجعها لألوانها الأصلية دون أي تدخل كيميائي بل فقط بواسطة التنظيف بالماء والكحول والأسيتون، تجد من ينتقد ذلك مدعيًا تغيير لون المسجد.
وأضاف أن أعمال الترميم في جامع الطنبغا المارداني تتم وفقًا لبروتوكلات الترميم العالمية والتي تقضي بأقل تدخل ممكن أثناء أعمال الترميم، سواء في الألوان أو استكمال الأحجار، بل إن كل خطوة من خطوات الترميم تخضع لدراسة دقيقة كشفت لنا عن عدة حقائق تاريخية تتعلق بالمسجد تعد اكتشافات تم توثيقها.
وقامت بوابة الفجر بتسجيل عدد من مقاطع الفيديو والصور لمختلف أعمال الترميم، كما طالعت أحد الاكتشافات الأثرية التي حققها فريق الترميم أثناء عمله في المسجد وسوف يتم نشرها تباعًا.
وجامع المارداني كان قد زاره الدكتور خالد العناني وزير الآثار في أكتوبر 2018، لمتابعة أعمال الترميم الجارية به، حيث جرى توقيع مذكرة في نهاية مايو من نفس العام بين وزارة الآثار ومؤسسة الأغا خان مصر للخدمات الثقافية، لترميم مسجد الطنبغا، والمذكرة تهدف بشكل أساسي إلى تنفيذ مشروع ترميم المسجد، الممول من الاتحاد الأوربي وشركة آغاخان، تحت عنوان "التراث الثقافي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية".
ومسجد طنبغا المارداني، هو أثر يرجع إلى العصر المملوكي، وتم انشاؤه عام 740هـ، أي منذ 700 عام، ويقع في شارع باب الوزير بمنطقة الدرب الأحمر، يقول محمود شاهين مدير منطقة آثار باب الوزير، في تصريحات خاصة للفجر، إن جامع طنبغا المارداني، يحوي عدد كبير من الأعمدة الأثرية التي استخدمت عملية بناء وتأسيس المسجد، يبلغ عددها 70 عمودًا.
وتابع شاهين أن المسجد يعتبر متحفًا مفتوحًا للأعمدة من كل العصور، حيث يوجد به أعمدة من العصر الفرعوني وعلى أحدها كتابات هيلوغليفية، وأعمدة من العصر البطلمي، وأعمدة ذات تيجان كورنثية، وعدد كبير من الأعمدة متنوعة الأشكال من مختلف العصور.
وعن سبب هذا التنوع، يقول محمود شاهين إنه كان من العادة في هذه العصور هو إعادة تدوير الخامات من المباني القديمة، وخصيصًا الخامات النادرة مثل الرخام والجرانيت وغيرها، وظاهرة استجلاب الأعمدة من المباني القديمة أو المخربة أحد سمات العصور القديمة بشكل عام.
المنشئ وتاريخ البناء
قال شاهين إن مسجد المارداني بناه الأمير علاء الدين الطُنبُغا بن عبد الله المارداني الساقي، والمعروف بالطنبغا المارداني، أحد مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ترقى في القصر السلطاني، وعينه السلطان في وظيفة الساقي وهو المسئول عن المائدة السلطانية ويتذوق الطعام قبل أن يتناوله السلطان، وقد كان أميرًا على حلب، ويقال إنه تزوج من إحدى بنات الناصر محمد بن قلاوون، وتم بناء الجامع في عام سنة 740 هـ 1340م، تحت إشراف رئيس المهندسين فى أيام الناصر محمد بن قلاوون، ويدعى ابن السيوفي.
التصميم المعماري والزخارف
ويصف شاهين المسجد قائلًا إنه بني على نمط المساجد الجامعة، حيث يتوسطه صحن سماوي مفتوح، تحيط به أربعة أروقة وللمسجد قبة بثمانية أعمدة جرانيتية تسبق المحراب، ووتتوسط الصحن نافورة "ثمانية الأضلاع" رخامية، وهي منقولة، وأعمق وأكبر الأروقة هو رواق القبلة، وللمسجد ثلاثة أبواب، الرئيسي منها يقع على شارع التبانة، ويطل الباب الثاني على سكة المارداني، والباب الثالث تم إغلاقه بواسطة لجنة حفظ الآثار العربية، وكان يطل على شارع آخر يدعى "زقاق المارداني"، وعلى يسار المدخل مئذنة مكونة من ثلاث دورات، والزخارف على جانبي المحراب تعتبر غاية في الروعة والجمال وهي من الزخارف المتفردة في مساجد مصر المملوكية، وواجهة الرواق الشمالى مغطاة برخام وباقى أجزاء حائط القبلة مغطى بحليات رخامية دقيقة مطعمة بالصدف.
الترميمات
أشار محمود شاهين إلى أنه عام 1884 م، أمر الخديو عباس حلمي الثاني بترميم المسجد إثر الزلزال الذي وقع في هذه الفترة، وقامت لجنة حفظ الآثار العربية بعمل أول ترميم للمسجد بعد تأسيسه، وشملت الترميمات فوارة المسجد والتي تم نقلها من مسجد مسجد السلطان حسن، وهي تقع في منتصف الصحن، كما تم ترميم قبة رواق القبلة، وكذلك الحجاب الخشبي والذي تم تصنيعه بواسطة لجنة حفظ الآثار العربية، وهو حجاب متفرد في زخارفه وكتاباته.