بالأرقام.. انهيار سعر صرف الريال اليمني.. وكيف بددت مليشيا الحوثي الاحتياطي النقدي للبلاد؟
قال مساعد القطيبي الخبير الاقتصادي اليمني والاستاذ في كلية السياسة والإقتصاد جامعة عدن ، إن مليشيا الحوثي الإيرانية ، منذ سيطرتها على مفاصل السلطة في صنعاء شرعت في تبديد الكثير من الموارد الاقتصادية بصورة منهكة لاقتصاد البلد ، ودمرت بفعل ممارساتها الفوضوية والتي قادت البلد إلى حرب لم تتضح معالم نهايتها حتى اليوم، كل ما بقي من مقومات البنى التحتية والتي تتسم بالضعف.
وارجع القطيبي تدهزر أسعار الريال اليمني إلى بعض القرارات الحكومية التي اتخذت في أوقات غير مناسبة ومن أهمها تحرير سعر صرف الريال اليمني، وتحرير أسعار المشتقات البترولية.
ويكشف القطيبي في حواره لــ "الفجر"، كيف أثرت الوديعة السعودية على الاقتصاد اليمني، ويضع روشتة علاج لتدهور العملة اليمنية والاقتصاد اليمنى بشكل عام في ظل الحرب الدائرة.
أن المليشيات الحوثية اتخذت في الفترة الماضية عدداً من القرارات ضد بعض شركات الصرافة في المحافظات التي تسيطر عليها، حيث قامت بإغلاقها ونشر تعميم بعدم التعامل معها من قبل مختلف البنوك ومؤسسات الصرافة الأخرى، وإليكم نص الحوار:
هل أثرت الوديعة السعودية في تحسن الاقتصاد؟
طبعا لا شك أن الوديعة السعودية والمقدرة بملياري دولار والتي تبعها منحة أخرى بمئاتي مليون دولار كان لهما بالغ الأثر في الحد من حالة التدهور والانهيار التي شهدتها أسعار صرف الريال اليمني، هذا فضلا عن قيام المملكة بإعطاء منحة أخرى للحكومة قدّرت بستين مليون دولار شهريا استمرت لمدة عام تقريبا وذلك لتغطية النفقات المتعلقة باستيراد الوقود الخاص بمحطات الكهرباء في عدن ولحج وأبين.
وما زالت الوديعة السعودية حتى اليوم هي من تساعد الحكومة والبنك المركزي في عدن من التخفيف من حالة التدهور التي تطال أسعار الصرف للعملة المحلية، إذ ما زالت تغطي الحجم الأكبر من الطلب على العملات الأجنبية، ولا شك أن أثرها الإيجابي لم يقتصر فقط على المحافظات الجنوبية أو المحررة، بل أن تأثيرها شمل المحافظات الجنوبية والشمالية بشكل عام.
ما هي أسباب تدهور أسعار الريال اليمني؟
مبدئيا يمكننا القول أن التدهور الذي طال أسعار صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية يعد نتاجا طبيعيا لظروف الحرب التي تعيشها اليمن، فأسعار الصرف تعد من أبرز المتغيرات الاقتصادية تأثراً بظروف الحروب وغيرها من الظروف الاستثنائية التي تشهدها البلدان بشكل عام، ولذلك شهدت أسعار صرف العملة المحلية لليمن خلال السنوات الماضية وتحديدا منذ اندلاع الحرب الأخيرة في مارس 2015م ، موجات هبوط كبيرة، وسار اتجاه مؤشر أسعار الصرف للريال اليمني أمام العملات الأجنبية بشكل سلبي نحو الهبوط المستمر إلا في حالات استثنائية وبسيطة شهدت تحسناً بسيطا في أسعار صرفه، ويرجع الجميع حالات التدهور التي طالت أسعار صرف الريال اليمني إلى ظروف الحرب التي تشهدها اليمن إلا أن ثمة أسباب أخرى كان لها الأثر الأكبر أيضا في تزايد حدة التدهور تلك، فحتى الحكومة والبنك المركزي اليمني كان لهما دورا سلبيا في التأثير على أسعار صرف عملتهما المحلية وذلك من خلال
تحرير سعر الصرف
بعض القرارات والإجراءات التي اتم اتخاذها من قبلهما (للأسف)، فمن تلك القرارات على سبيل المثال القرار الذي اتخذه البنك المركزي اليمني والذي قضى بالتعويم الحر لأسعار الصرف وذلك في ظل ظروف استثنائية وعصيبة تشهدها البلد، ولا يمكن وصفه إلا أنه مثّل تخلياً واضحا من قبل البنك المركزي اليمني عن تأدية دوره المناط به للحفاظ على قيمة العملة المحلية، ولا ننكر أن ذلك القرار قد جاء في ظل ظروف مالية صعبة جدا يعاني منها البنك المركزي وذلك نتيجة عدم توفر أية احتياطيات من النقد الأجنبي حينها لدى البنك المركزي، لكن وبرغم تلك الظروف إلا أن ذلك لا يعطي مبررا للبنك لاتخاذ مثل هذا القرار الكارثي، فذلك القرار أثر سلبيا وبصورة مباشرة وسريعة على أسعار صرف العملة المحلية حيث تدهورت أسعار الريال اليمني بصورة كبيرة إثر اتخاذ ذلك القرار، وما يثير الاستغراب لدى البعض هو قيام البنك المركزي بالإعلان عن ذلك القرار ومن ثم اتخاذه لإجراءات مناقضة فيما بعد لذلك القرار وذلك من خلال قيامه بالإعلان عن توفير كميات معينة من العملات الأجنبية اللازمة لاستيراد السلع الأساسية وغير الأساسية بأسعار محددة وثابتة.!!
تحرير أسعار المشتقات النفطية
ومن بين القرارات والإجراءات أيضا قيام الحكومة باتخاذ قرار تحرير المشتقات النفطية، فهذا القرار هو الآخر كان قرارا كارثيا وتبعاته السلبية مازال المواطن يدفع ثمنها باهظا حتى اليوم، وكان لهذا القرار اثرا سلبيا أيضا على أسعار الصرف وذلك بعد فتح باب الاستيراد والبيع للمشتقات النفطية أمام جميع التجار، وهو ضاعف من حجم الطلب على النقود الأجنبية من قبل التجار، وهذا ساهم في ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني وذلك في ظل محدودية وتناقص العرض من النقد الأجنبي في السوق المحلية.
برأيك ما هي المعالجات اللازمة لوقف حال التدهور التي تطال أسعار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية؟
طبعا المعالجات اللازمة لإيقاف حالة التدهور التي تطال إسعار صرف العملة المحلية كثيرة ولا يتسع المقام هنا لاستعراضها بصورة كاملة، لكننا نؤكد هنا أن كل هذه المعالجات تقع على عاتق الحكومة وإدارة البنك المركزي، ولا شك أن أبرز تلك المعالجات تتمثل في العمل على إعادة تفعيل الصادرات السلعية بصورة فاعلة وبالمستوى الذي تستعيد فيه تلك الصادرات دورها البارز في اقتصاد البلد، وفي مقدمتها الصادرات من النفط والغاز ، فتفعيل هذه الصادرات يعد من الأولويات التي ينبغي البدء بها باعتبارها الرافد الرئيسي للموازنة العامة بالعملات الأجنبية، فضلا عن تفعيل الصادرات من السلع الأخرى كالمنتجات السمكية والزراعية والحيوانية، وغيرها من المنتجات التي تشكل رافدا كبيرا للدولة من العملات الأجنبية.
وقبل ذلك ينبغي على الحكومة والبنك المركزي اتخاذ بعض القرارات وعمل الإجراءات اللازمة لإعادة تفعيل السياسة المالية والنقدية بالمستوى الذي يمكّن الحكومة والبنك المركزي من الاضطلاع بدورهما المناط بهما بشكل فعال وناجح، وهذا الأمر يتطلب أولاً: ضرورة اتخاذ العديد من القرارات والإجراءات اللازمة لضبط إيقاع أسعار الصرف في السوق المحلية، هذا بالإضافة إلى إعادة النظر في بعض القرارات الخاطئة التي اتخذت من سابق من قبل الحكومة أو من قبل البنك المركزي ولعل من أهمها قرار تحرير المشتقات النفطية وكذا قرار التعويم الحر للعملة المحلية، وغيرها من القرارات والإجراءات الخاطئة والتي تسببت في مضاعفة حالة التدهور التي طالت أسعار صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية.
أيضا من بين المعالجات اللازمة لوقف تدهور قيمة العملة المحلية اتخاذ قرار بترشيد عمليات الاستيراد لكثير من السلع الكمالية وغير الضرورية والتي يتم استيرادها باستمرار وتكلف مئات الملايين من الدولارات التي تذهب شهريا إلى خارج البلد لاستيرادها.
هذه بعض المعالجات التي يمكن للحكومة والبنك المركزي عملها إلى جانب الكثير من المعالجات الأخرى التي لا يتسع المقام هنا لاستعراضها.
كيف أغرقت مليشيات الحوثي البلاد بالديون ؟
المليشيات الحوثية ومنذ سيطرتها على مفاصل السلطة في صنعاء شرعت في تبديد الكثير من الموارد الاقتصادية بصورة منهكة لاقتصاد البلد ودمرت بفعل ممارساتها الفوضوية كل ما بقي من مقومات البنى التحتية والتي تتسم بالضعف.
طبعا المليشيات عندما سيطرت على السلطة في صنعاء كان لدى البنك المركزي احتياطيات من النقد الأجنبي تبلغ حوالي (4.7) مليار دولار، وقبل قرار رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي بنقل البنك المركزي إلى عدن كانت المليشيات قد بددت معظم هذا الاحتياطي النقدي حيث لم يتبقَ منها إلا حوالي (900) مليون دولار فقط، ومن باب الانصاف أيضا نؤكد بأن جزءا من هذا الاحتياطي قد استخدمته المليشيات لتغطية بعض النفقات الحكومية وعلى وجه التحديد النفقات الخاصة بالمرتبات والأجور للموظفين المدنيين والعسكريين وكذا تغطية بعض الجوانب المتعلقة بالنفقات التشغيلية للمؤسسات والمرافق الحكومية، ولكن ذلك لا ينفي قيامها بتبديد جزء من تلك الاحتياطيات في تمويل ما يسمى بالمجهود الحربي لميليشياتها وتقريبا فقد حاز هذا الجانب على الجزء الأكبر من تلك الاحتياطيات.
كما أن ممارسات الحوثيين المنهكة للاقتصاد لا تقتصر على ما سبق فحسب بل هناك ممارسات أخرى وكثيرة سبق وقامت بها المليشيات الحوثية وأدت إلى مضاعفة الأزمات الاقتصادية في البلد وعلى وجه التحديد أزمة أسعار الصرف، وما قيام المليشيات بمنع التجار من الاستفادة من قرار البنك المركزي بعدن بتغطية حجم الواردات السلعية للتجار وذلك بأسعار صرف منخفضة للدولار وكذا للريال السعودي مقارنة مع أسعارهما السائدة في السوق المحلية، ولا شك أن قرار الحوثيين الأحمق بمنع التجار في المحافظات التي يسيطرون عليها من الاستفادة من قرار البنك المركزي بعدن له آثار سلبية على أسعار الصرف للريال المحلي. ناهيك عن الكثير من الإجراءات والقرارات التي اتخذتها المليشيات الحوثية وكان لها آثار سلبية على أسعار صرف العملة المحلية، وبالتالي على أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية.
سبق وتم طرح طباعة عملة جديدة من قبل الشرعية.. ماذا عن هذه الخطوة؟
بالفعل البنك المركزي بعدن سبق واتخذ قرارا بطباعة كميات جديدة من العملة المحلية قدرت بحوالي (400) مليار ريال محلي، كما قام البنك بتغيير أشكال فئات العملة المحلية التي قام بطباعتها، وهذه الخطوة كانت ضرورية آنذاك وذلك في الوقت الذي كانت تواجه فيه الحكومة أزمة خانقة من النقد المحلي بسبب قيام المليشيات الحوثية بتخزين كميات هائلة جدا من العملة فضلا عن نفس الممارسات قام بها بعض التجار حتى في المحافظات المحررة، ولهذا لم يكن لدى البنك المركزي من خيار سوى طباعة كميات جديدة من العملة المحلية وبأشكال جديدة وذلك في محاولة لسحب الكميات التي قامت المليشيات وبعض التجار بتخزينها وعدم تغذية السوق بها، وهذا القرار كما سبق القول كان قرارا ضروريا وصائبا للحكومة وللبنك المركزي، ولهذا فقد قامت المليشيات بمواجهة قرار البنك المركزي هذا من خلال منعها لتداول الطبعات الجديدة من العملة المحلية في المحافظات التي تسيطر عليها وفرض إجراءات عقابية ضد كل من يحوزها في تلك المحافظات وما زالت هذه الإجراءات قائمة من قبل المليشيات حتى اليوم، ولذلك ما تزال كميات هائلة من العرض النقدي من النقد المحلي في أيدي المليشيات الحوثية وهو ما يعطيها قدرة كبيرة في التأثير على اتجاهات أسعار الصرف في السوق المحلية.
كيف ترون علاقة البنك المركزي بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي؟
يبدو أن هناك تحسنا كبيرا طرأ في علاقة البنك المركزي مع المنظمات التمويلية الدولية وأهمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهذا ما سمعناه من على لسان مسؤولين في البنك الدولي مؤخرا، ففي البداية بدا أن البنك الدولي لم يكن مؤيدا لقرار نقل البنك المركزي من صنعاء الى عدن، حيث استمر البنك الدولي بالتعامل لفترة مع البنك المركزي بصنعاء رغم قرار رئيس الجمهورية بنقل البنك المركزي إلى عدن، ولكن جهودا حثيثة بذلت من قبل الحكومة اليمنية ومن قبل الأشقاء في التحالف أثمرت بشكل إيجابي من خلال تحسين العلاقة بين البنك المركزي بعدن والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها من المنظمات المؤسسات التمويلية الدولية كالبنك الإسلامي وصندوق النقد العربي والصندوق السعودي للاستثمار وغيرها من المؤسسات التمويلية الدولية والتي لاحظنا مؤخرا أنها أعادت تفعيل أنشطتها في اليمن من خلال تمويلها لعدد من المشروعات التنموية والإنسانية في اليمن، ولكن وبرغم ما طرأ من تحسن في علاقة البنك المركزي بالبنك الدولي وغيره من المنظمات التمويلية الدولية إلا أن هناك جوانبا كبيرة من سبل العمل المشترك بينهما ما زالت بحاجة إلى إعادة تفعيلها، وعلى وجه التحديد ما يتعلق بتنظيم عمليات التمويل التي تقوم بها تلك المنظمات، حيث تبين أن جميع تلك المنظمات تمول برامجها ومشاريعها بعيدا عن البنك المركزي والذي يفترض أن يتم التمويل عبره.