تفسير الشعراوي للآية 57 من سورة الأنفال
تفسير الشعراوي للآية 57 من سورة الأنفال
{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(57)}
أي إن وجدتهم في أي حرب فشرد بهم من خلفهم.
ولنا أن نلحظ أن كلمة (إما) هي إن الشرطية المدغمة في (ما) إذا ما حذفنا منها ما، نجد أنها تصبح إن، كأنه يقول: (إنْ مَا)، وأدغمت نون (إن) في (ما)، مثلها مثل أن نقول: إن جاءك زيد فأكرمه؛ هذه جملة شرطية فيها شرط وجواب وأداة شرط، ولكنه إذا تم مرة واحدة يكون قد انتهى. ولكن (ما) مع إن الشرطية تدلنا على أنه كلما حدث ذلك فإننا نفعل بهم ما أمر الله تعالى به، كما نقول: كلما جاءك زيد فأكرمه؛ لأن إما هذه تتضمن ما يفيد الاستمرارية، مثل (كلما) فكلما جاءك تكرمه ولو جاء مائة مرة، ولو لم تجيء (ما) لكان يكفي أن تصنعها مرة واحدة.
وقوله تعالى: {تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب}، ثقف بمعنى وجد، أي كلما وجدتهم في الحرب: فشرد بهم من خلفهم، أي اجعلهم أداة لتشريد من خلفهم. وعليك أن تؤدبهم أدباً يجعل الذين وراءهم يخافون منكم، ويبتعدون عنكم، وكلما رأوكم أصابهم الخوف والهلع، وكما يقول المثل العامي: (اضرب الربوط يخاف السايب). أي أن المطلوب أن نجاهدهم بقوة وبدون شفقة، حتى لا يفكر في مساندتهم من جاءوا خلفهم لينصروهم أو يؤازروهم بالدخول معهم في القتال، ولا تحدثهم أنفسهم في أن يستمروا في المعركة، فشرد بهم، والتشريد هو التشتيت والتفريق والإبعاد ولكن بقسوة. فحيثما يريدوا أن يذهبوا؛ امنعهم وشتتهم على غير مرادهم. وقول الحق سبحانه وتعالى: {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}
أي لكي تكون هذه التجربة درساً لهم؛ كيلا يفكروا مرةً أخرى في حربٍ معك؛ لأنهم سوف يتذكرون ما حدث لهم فيبتعدون عن مواجهتك.
ويقول الحق تبارك وتعالى بعد ذلك: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَآءٍ...}.