حفل تخرج دبلوم التراث العربي المسيحي بكلية اللاهوت الإنجيلية (صور)
ألقى الدكتور القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر ورئيس الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الإجتماعية خطاب بحفل تخرج دبلوما التراث العربي المسيحي بكلية اللاهوت الإنجيلية.
وقال "زكي": نحتفل اليوم بتخرج دفعة جديدة من البرنامج الأكاديمي "دبلوما التراث العربي المسيحي" بمركز دراسات مسيحية الشرق الأوسط بكلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة، هذا البرنامج الأكاديمي يلقي بالضوء على تراث المسيحيين العرب وإسهاماتهم المختلفة في تشكيل الهوية العربية عبر التاريخ، فالهوية تتشكل تدريجيًا، والتراث الإنساني هو الشاهد لتطور عملية تشكيل الهوية الإنسانية في المجتمعات المختلفة.
وأضاف "زكى": "والتراث عبارة عن سجل حافل بممارسات ونشاطات وفعاليات الآباء والأجداد الذين واراهم الثرى وظلت بصماتهم خالدة مع هذا التراث التي تناقلته الأجيال جيل بعد جيل، إن التراث هو حلقة وصل قوية بين الأجيال المعاصرة وأجيال الآباء والأجداد، كما أن التراث لم يأتِ من العدم ولا في ليلة وضحاها، بل هو تراكم ثقافي منذ قرون عديدة ترسخت جذوره ومراسيمه عند ابائنا وأجدادنا، ونقلوه الينا ليس لكي نهمله او تنسينا عنه متغيرات الحياة، بل لنؤكد عليه في كل مناسبة، ولنبرز خصوصيتنا امام العالم كما تفعل كل الشعوب الاصيلة والحية.
وأشار رئيس الطائفة خلال خطابه، أن التراث يساهم في تعزيز العلاقة بين الماضي والحاضر، إذ أن الإنسان لا يستطيع صياغة هويته اليوم قبل أن يكتشف من كان بالأمس هذه العلاقة بين الماضي والحاضر هي الخطوة الأولى نحو صياغة مستقبل أفضل للإنسان، إن معرفتنا بماضينا تساعدنا اليوم على أن نتعلم كيف حدثت النقلات النوعية الكبرى في تاريخ المسيحيين العرب، وما هي الأفكار التي ساعدتهم على التطور والارتقاء.
وتابع "زكى": أن النظر في هذا التاريخ يعلمنا كيف نخلق مستقبلًا آمنًا لوطننا مبني على قيم العيش المشترك والتعاون لأجل مصلحة الوطن الواحد، هذه القيم تبناها وأكد عليها المسيحيون العرب في تراثهم، وكلما تأملنا في التراث المسيحي العربي كلما تعلمنا أكثر كيفية التناغم والأنسجام بين المسلمين والمسيحيين وكيفية صناعة السلام داخل الوطن الواحد مهما كانت المخاطر الخارجية،ربما هذا أحد أكثر الدروس التي نحتاجها اليوم لبناء مستقبل أفضل لوطننا الحبيب مصر؛ وهو كيف يستطيع الالتحام بين المسلمين والمسيحيين أن يكون حائط صد أمام كل هجوم على وحدة الوطن وسلامته،لكننا يجب أن نعي أن التراث عنصرًا متغيرًا بل ومتطورًا مع مرور الزمان، لهذا فالتراث ليس هو النص المقدس. يؤدي الخلط بين التراث والنص المقدس لفرض هالة من العصمة والقداسة على تراث بشري محض، خرج في فترات زمنية متنوعة ليعكس تفاعل الإنسان مع مجتمعه وبيئته ويزداد الأمر خطورةً لو أن هذا التراث يتعلق بعملية تفسير النص المقدس فيطابق بين النص وتفسير النص، مما يجعل التفسير الإنساني الذي ظهر في حقبة من الزمان فوق مستوى النقد، ويجعل النص المقدس حبيس تفسير ظهر في قرون بعيدة دون أن يكون له علاقة بالواقع المعاصر".
وأكمل: "من هنا يأتي أهمية الدور الذي يلعبه التعليم اللاهوتي في رفع درجة الوعي بالسياق التاريخي الذي خرج فيه التراث وعلاقته بالنص المقدس،فتوعية الدارسين بعلوم التفسير ترفع من وعيهم نحو تقديم تفسير معاصر متزن للنص يتناسب مع المجتمع الذي نعيش فيه ويخاطب تحدياته. كذلك يقوم التعليم اللاهوتي بتوعية الدارسين بمخاطر التمسك بالتراث دون محاولة تجديده مما يُفقِد التراث روحه ومرونته، أو مخاطر التخلي عن التراث والبحث المستمر عن كل ما هو جديد فقط مما يُفقِد الدارس هويته. يحافظ التعليم اللاهوتي على هذا التوازن بين التراث القديم من جهة والتوجه نحو المجتمع المعاصر من جهة أخرى. لهذا فإن علاقتنا بالتراث اليوم لها وجهان: وجه الاستمرارية مع التراث حيث يمكن أن يخدم التراث تحديات اليوم، ووجه القطع أو التجرد حيث تحتم الضرورة تجديد التراث بما يتناسب مع الحاضر.
واختتم أندريه زكى خطابه قائلا: إن المهارة الرئيسية التي يخلقها التعليم اللاهوتي في الدارس، وتعطيه القدرة على التمييز والتوازن في تكوين منظوره اللاهوتي لله، ونفسه، والمجتمع من حوله، هو تطوير العقلية الناقدة فيه (ناقدة وليس ناقضة). هذه العقلية الناقدة هي التي تستطيع تمييز الأمور والحكم عليها بالصواب والخطأ.
وتابع: وهذا التمييز بين ما هو ملائم وما هو غير ملائم، ما هو ثابت وما هو متغير، ما هو مقدس وما هو بشري، يجعل الدارس قادرًا على وضع كل فكر في مكانه الصحيح دون خلط،يسهم التعليم اللاهوتي ايضًا في تجديد الثقافة، سواء كانت ثقافة المجتمع أو ثقافة الفرد، وهذه الثقافة تحدد منظومة القيم الأخلاقية والاجتماعية لدى الدارس، إن تجديد الثقافة يعني تبني منظور جديد للإنسان ويضع قيمة الإنسان في مكانة عالية، وهذا بدوره يؤدي إلى تواصل فعّال بين افراد المجتمع الواحد، وإرساء ثقافة الاستماع للآخر وفهمه، إن التعليم اللاهوتي يشكّل، على نحو خاص، ثقافة العيش المشترك ومد الجسور مع الآخر.
وأوضح أن البرنامج الدراسي المتخصص في التراث العربي المسيحي ما هو إلا نموذج لهذا العيش المشترك، فها هم طلبة البرنامج مسيحيين ومسلمين يجلسون معًا على طاولة الحوار لفحص تاريخهم المشترك، وتراث اجدادهم، وهم بذلك يخلقون صورة جديدة للمجتمع الذي نحلم به في مصر:مجتمع يقبل الجميع، ويرحب بالتعددية الدينية، مع السعي المستمر لفهم الآخر ونبذ كل منهجيات العنف، من خلال التعلم من الدروس العميقة التي يقدمها لنا التاريخ والتراث.
شارك في الاحتفال الدكتور القس عاطف مهني عميد كلية اللاهوت الإنجيلية، القس يوسف سمير رئيس مجلس الإدارة، والقس نادي لبيب رئيس سنودس النيل الإنجيلي، والدكتور سامح فوزي رئيس قطاع الاعلام والاتصال بمكتبة الإسكندرية، نائبا عن الأستاذ الدكتور مصطفى الفقي رئيس مكتبة الإسكندرية، والدكتور القس وجيه يوسف أمين عام مركز دراسات مسيحية، والدكتور القس هاني حنا، والدكتور القس ثروت وهيب.