جمال جورج يكتب : نهاية قراقوش

مقالات الرأي

جمال جورج يكتب :
جمال جورج يكتب : نهاية قراقوش

لم يأتى على مر التاريخ جماعة أكثر دهاء وصمودا مثل (الأخوان المسلمين).. ذلك التنظيم المركب الذى أسسه الأمام حسن البنا وأنتشر بطريقة عنقودية فى جميع دول العالم,تحولت الجماعة الى ما يشبه بمصنعا كبيرا لأنتاج المجموعات الراديكالية ذات الأيديولوجية الأسلامية .. ظل الأخوان يعملون بشكل سرى طيلة السنوات الماضية مطاردين من البوليس السياسى وأمن الدولة.

وما أن أندلعت ثورة يناير حتى خرجت قياداتها من السجون بطريقة منظمة ومرتبة فى أن واحد وهو الأمر الذى أثار أنتباه المحللين السياسيين وجعلهم يطرحون العديد من التساؤلات حول طريقة هروبهم من سجن وادى النطرون خلال أقتحامه من قبل ميليشيات مسلحة ومدججة بالأسلحة الثقيلة ..وقد تبين من خلال شهادات مسئول السجن وعدد كبير من الشهود والمقاطع المسجلة تورط حركة حماس فى هذا الأمر ..لا يهمنا الأن البحث فى الدفاتر القديمة بقدر أستقراء المستقبل ففى كل الأحوال القضية تنظر حاليا أمام محكمة جنح الأسماعيلية بمعرفة المستشار خالد محجوب الذى تعرض للكثير من التهديدات تتوعده بالتصفية بسبب تمسكه بالحق والعدل..الذى تبخر فى زمن الأخوان .

ولعل المتابع والمدقق فى المشهد السياسى يرى فى وجوه المواطنين صورة من السخط والتمرد منطبعة على جبينهم تكاد تنطق لتهتف برحيل حكومة لا تسعى سوى لمصالحها ولا ترى سوى نفسها ورئيسا فشل فى توفير لقمة العيش والقصاص لدم الشهداء والنهوض بالأمة..لم يختلف مرسى كثيرا عن مبارك سوى فى الشكل الخارجى وتحديد(اللحية) فكلاهما يبحث عن مصالح عشيرته ولا يعبأ كثيرا بأمته.

يتحدث دوما مؤيدين مرسى عن انه أول رئيس مدنى منتخب ونقول لهم (هتلر) كان رئيسا منتخبا أيضا من قبل الألمان وهذا لا يعطيه أى حصانة أو قداسة تحميه من العزل اذا أخل بأتفاقه مع الشعب وقتل فى عهده الأبرياء وسالت الدماء بسببه..فمنذ أن حنس أصدر الأعلان الدستورى المكبل للحريات وأحدث أنقساما فى الشارع سقطت شرعيته فى نظر الكثيرين..كما انه يسعى دوما لدغدغة مشاعر الأهل والعشيرة فى خطاباته الحماسية ولا تجده يخاطب الشعب كأبا أو مقربا لكنه يمطتى دوما الجواد الخاسر فى أعتقادا منه أنه يغازل تيارات الأسلام السياسى دون غيرها من القوى الوطنية..وكانت(خطبة نصرة سوريا) أو نصرة الرئيس كما أطلق عليها البعض فى أستاد القاهرة خير دليل على سعيه المستمر للأستقواء بأنصاره غير عابئا بردود أفعال بقية المصريين ,حيث حشد بعض رموز الدعوة السلفية مثل الشيخ محمد حسان والشيخ محمد عبد المقصود(نائب رئيس الهيئة الشرعية للحقوق والأصلاح) الى جانب عاصم عبد الماجد ممثلا عن السلفية الجهادية وترك لهم الساحة ليخرجوا كل ما فى نفوسهم وقلوبهم من كراهية حقيقية للقوى الوطنية الأخرى وقد أستمعنا جميعا الى دعاء عبد المقصود على الثوار الذى أعتبره الكثيرين أفتاء بقتلهم عندما قال(اللهم دك كيدهم فى نحورهم) الى جانب اللغة التحريضية الممجوجة التى أستخدمها عبد الماجد متوعدا أى معارض لمرسى بالتصفية..كل هذه الأساليب لم تجدى مع متمردين 30 يونيو الذين أبوا على أنفسهم أن يكونوا عبيدا فى أسواق نخاسة تجار الدين ومنافقى السلطان ويستعدون حاليا للأعلان عن نجاحهم فى جمع ما يقرب من 20 مليون توقيعا لسحب الثقة من النظام الحالى .

فاض الكيل بالشعب المطحون الذى يرى بلاده تسير تجاه الهاوية بسرعة الصاروخ فى عهد (الرئيس المؤمن) الذى لم يراعى مطالب شعبه وحكم مصر على طريقة قراقوش وأعتقد أنها الطريقة المثلى لأدارة شعب عريق ذو ثقافة وحضارة غير مؤمنا بمبادىء السمع والطاعة التى تدار بها جماعة مرسى.

الشعب خرج يوم 30 يونيو عن بكرة أبيه ليرفع الأعلام الحمراء للنظام ويطالب بأجراء أنتخابات رئاسية مبكرة وتسليم السلطة الى رئيس المحكمة الدستورية العليا خلال هذه الفترة الأنتقالية ..المتظاهرين لا يريدون أسقاط الأسلام كما يتاجر أزناب تيارات الأسلام السياسى فهم مسلمون موحدون بالله لكنهم يرفضون أن تدار مصر من المقطم ويتلقى رئيسهم تعليماته من مكتب الأرشاد ..

لا يعلم أحدا حتى الأن أسباب مجىء قيادات حماس وأقامتهم فى فندق أنتر كونتيننتل بالقاهرة فى هذا التوقيت الحرج الذى نمر به خاصة أن مرسى يلتقى بصورة شبه يوميه بأسماعيل هنية و خالد مشعل فهم حلفاءه المعهودين الذين يساندونه كلما أستشعروا أقترابه من حافة الهاوية..الخطورة هنا تكمن فى أنفاق سيناء التى رفض مرسى دكها بناء على طلب القوات المسلحة من قبل حيث أنها أحد المنافذ الغير شرعية التى يمكن أن يتسلل من خلالها المجاهدين والمسلحين لمساندة الأخوان وهو الأمر الذى لا يحتمل المناقشة أو المساومة ..لأن سيادة مصر خط أحمر ولن نقبل بأى أجنبى ينجس أراضيها وقد حذر الجيش المصرى على لسان الفريق صدقى صبحى (رئيس الأركان) من هذا الأمر وأوضح ان المؤسسة العسكرية ستتعامل بكل حزم وعنف تجاه أى محاولة للأعتداء على المتظاهرين السلميين,تتبقى بعض الجماعات الصغيرة مثل حركة حازمون التى يقودها حازم أبو أسماعيل وهى مجموعة من الشباب المتحمس تنجر أحيانا الى العنف دون معرفتها لطبيعة المعركة التى يخوضونها من الأساس وتجلى ذلك فى محاصرتهم لمدينة الأنتاج الأعلامى وعددا من الصحف المستقلة ,لا سيما وأن أبو أسماعيل الذى نصب نفسه حاميا للشرعية قد حاصر قسم شرطة الدقى وهدد ضباط الشرطة ..

لقد دعمت أمريكا الأخوان وتيارات الأسلام السياسى خلال الفترة الماضية لأنها رأت مصلحتها فى ذلك وليس من أجل سواد عيونهم وعندما وجدت انهم سيجرونهم الى القاع ولا يستطيعون أدارة عزبة أو قرية صغيرة رفعت الأدارة الأمريكية يديها عنهم وأعطت الضوء الأخضر للمعارضة والجيش المصرى لعمل ما يمليه عليهم ضميرهم خلال الأيام القادمة..