أحمد فايق يكتب : أسرار اللحظات الأخيرة بين الجيش والرئاسة
كل الأطراف فى حالة تأهب قصوى، وكأن مصر مقبلة على حرب، الملايين من المصريين يعدون أنفسهم للزحف الثورى لقصر الاتحادية والميادين والشوارع الرئيسية، حاملين معهم آمال وطموحات الشعب و17 مليون استمارة يطالبون بخلع مرسى من على عرش مصر، الجيش أعلن حالة التأهب القصوى خاصة فى المنطقة العسكرية المركزية، وأصبح لدى الضباط يقين بأنهم سينزلون للشارع إذا تأزمت الأمور، عشيرة مرسى يستعدون بميليشيات مسلحة فى كل المحافظات، لقمع المتظاهرين، حركة حماس جاهزة أيضا برجالها للدفاع عن المكاسب التى حققوها بعد الثورة المصرية، السفارة الأمريكية تستعد لكتابة تقارير إلى الإدارة فى واشنطن لبحث الموقف الأمريكى الداعم لمرسى وعشيرته.
كل الحلول السلمية وصلت إلى طريق مسدود، فالجميع يتعامل مع 30 يونيه باعتبارها معركة الحسم الأخيرة.
القوى الإسلامية عقدت اجتماع سريا فى المقطم يوم الاربعاء 12 يونيه الجارى، بمشاركة المرشد العام محمد بديع وكافة أعضاء مكتب الإرشاد، الحديث دار حول اعتقادهم بأن هناك قوى خارجية كبرى تعد وتدعم مذبحة للإخوان المسلمين، لذلك لا بد من الإعداد الجيد ولا بد من إجراءات ومواقف داخلية وخارجية، وأنه على الصعيد الداخلى لا بد من دعوة كل القوى الإسلامية والتنظيمات السلفية والجهادية للتخندق خلف الإخوان المسلمين وإعلامهم أن تصفية الإخوان المسلمين ستكون الخطوة الاولى فى تصفية ومحاربة القوى الإسلامية الأخرى.
محمد بديع تقدم فى بداية الاجتماع بمداخلة مطولة محللاً الوضع فى مصر، وقال إن هناك قوى داخلية وخارجية وبالذات من دول الخليج تستعد للانقضاض على كل ما هو إسلامى فى مصر مطالباً الجميع بالتكاتف لإفشال هذه الغزوة التى تهدد تاريخ مصر وشعبها.
ثم بدأ خيرت الشاطر فى مداخلة شبه عسكرية واضعاً الخطط والبرامج للتصدى لكل القوى العميلة التى تحاول تخريب مصر، وطلب من القوى الجهادية والسلفية إبلاغ الإخوان عن مدى قدرتهم لحشد الشباب المسلم الصادق الغيور على الإسلام لمواجهة هذه الغزوة ليتمكن الإخوان وحلفاؤهم من توزيع قواهم بما يغطى جميع انحاء مصر، وخاطب الشاطر الحضور قائلاً «إن كانت قوتنا كبيرة وحشدنا كبيراً وكنا جاهزين منذ اللحظات الاولى لقمع وتصفية هذه الغزوة، لن ندع مجالاً للجيش والقوى الأمنية الأخرى بالتدخل، لأن الطرف الاخر كل ما يريده هو جر الجيش الى المعركة واعلان الأحكام العرفية وتعطيل الدستور وعودة الحكم العسكرى، بقدر ما نكون أقوياء وحشدنا كبير سنخيف الاخرين وسنجعل الجيش يفكر مليون مرة قبل التدخل فى الشارع المصرى، لذلك الان لغتنا هى لغة الأرقام لنعمل سوياً على توزيع قوانا بشكل ناجح وناجع لنخلق الصدمة الأولى للطرف الآخر».
طارق الزمر وعبود الزمر ووجدى غنيم تقدموا بمداخلات حماسية، تركزت جميعها بالحديث عن الحرب ضد السنة فى العالم، وإننا فى مصر تركنا أهل السنة يذبحون فى لبنان وسوريا والعراق، وأنه لا بد للرئاسة المصرية والحكومة المصرية من مواقف حاشدة وداعمة لأهل السنة، وجميع القوى السلفية والجهادية تطالب الإخوان بموقف حاسم وواضح مما يحدث فى سوريا وضرورة قطع العلاقات ما بين سوريا ومصر، وضرورة الهجوم العنيف على حزب الله وإيران.
وأعطى لهم «الشاطر» أفكاراً أولية لخطاب مرسى الذى القاه 15 يونيه فى مؤتمر الأمة، والذى لبى كافة مطالب القوى السلفية والجهادية وطمأن مخاوفهم.
بعد هذا الاجتماع عقد مكتب الإرشاد جلسة خاصة لاستكمال ما بدأه وخلال النقاش طلب سعد الكتاتنى ضرورة طمأنة الغرب وبالذات الولايات المتحدة أننا فى طريق واحد وتصوير ما يحصل فى مصر على أنه من قبل قوى راديكالية ليبرالية ويسارية متطرفة تجاهر بعداء أمريكا وقوى الغرب، يجب أن نوضح موقفنا للغرب ولأمريكا بشأن سوريا، يجب أن نسبق الامريكان بالخطاب والشعارات وأن يطالب الرئيس مرسى فوراً مجلس الأمن لبحث فرض الحظر الجوى على سوريا فى الوقت الذى تدرس فيه أمريكا هذا الخيار، يجب أن نكون من السباقين والمهللين له، لنطمئن أمريكا والغرب أننا فى نفس الخندق، يجب أن يكون خطاب الرئيس مرسى واضحاً وجلياً لان مشروع تصفية الإسلام هو مشروع واحد فما يحصل فى تركيا الان هو ضمن الحلقة نفسها التى تعد لمصر، يجب أن نكسب ثقة الغرب وثقة أمريكا لنقول لهم بالقدر الذى تقفون فيه معنا سنحقق اهدافكم دون ان تجروا الى معارك إقليمية، طلب مرشد الإخوان من قادة حماس الذى حضروا الاجتماع أن يتأكدوا من عدم إطلاق أى صاروخ من غزة على إسرائيل، ومنع الفصائل الأخرى الجهادية من شن أى عمليات انتحارية ضد العدو، حتى لا يستفز هذا أمريكا، وتسحب دعمها لجماعته فى الداخل، واشتكى قادة حماس له بأنهم يعانون من مشاكل داخلية، وانقسامهم لفريقين، أحدهما يريد مواصلة المقاومة ضد إسرائيل حتى لا تفقد حماس عقيدتها، وحتى لا تتحول الحركة إلى «فتح» أخرى بعد اتفاقية أوسلو، والفريق الثانى يقبل بالحل السياسى الذى يفرضه إخوان مصر حتى يحين وقت المقاومة المسلحة، لكنهم فى النهاية وعدوه بتهدئة الأجواء مع إسرائيل.
الأمر لم يخل من تخوفات الشاطر بأن يطبق الجيش عليهم سيناريو جمال عبد الناصر فى الستينيات، ورغم أن تفاصيل الاجتماع وصلت للجيش، إلا أن الفريق عبد الفتاح السيسى لم يبد إنزعاجه من هذا الهجوم غير المبرر، الذى لفت انتباه وزير الدفاع هو تقرير المخابرات الحربية الشهرى الذى يصل مكتبه كل يوم 20 فى الشهر، واحتوى التقرير على قياس الرأى العام داخل المؤسسة العسكرية، ورأيهم فيما يحدث، وأكد التقرير أن ضباط الجيش يتعاطفون مع ثورة 30 يونيه، ويرفضون دولة مرشد الإخوان، ويشعرون بالغضب تجاه تصريحات حازم أبو إسماعيل وأمثاله التى تشكك فى المؤسسة العسكرية، كما أنهم يشعرون بأنهم مكتوفى الأيدى تجاه بعض التصريحات الإرهابية من الجماعة الإسلامية التى تهدد المصريين.
الفريق السيسى كان قد طلب من المخابرات الحربية قبل ذلك إرسال تقارير قياس الرأى العام بدون أى تجميل، حتى لو فيها غضب منه أو من سياساته، هذه المرة حاول وزير الدفاع التحرك فى أكثر من اتجاه، فسيناريوهات تقدير الموقف التى لديه، تؤكد أن أمريكا تدعم الإخوان بقوة، والجيش لا يستطيع الاستغناء عن المعونة العسكرية من واشنطن والتعاون الإستراتيجى معها، لكن قبل ذلك هناك ثورة حقيقية فى مصر قادمة لا محالة، وليس من المنطقى أن ينحاز الجيش لحاكم أيا كان ضد الشعب، حتى لو أغضب هذا الأمريكان.
اختار وزير الدفاع الطريق الوسط، وقام الجيش بإجراء اتصالات مع حمدين صباحى والبرادعى، طلب فيها توفيق الأوضاع وتقريب وجهات النظر مع مرسى والإخوان، ورفض حمدين والبرادعى أى لقاء، لأنهما جربا قبل هذا عشرات من الوعود الزائفة، مؤكدين أنهما لا يثقان فى كلام مرسى وعشيرته، البرادعى رفض اللقاء بشكل قاطع ولا حتى مع أحد قادة المخابرات الحربية، حمدين صباحى أعطى لهم موعدا ولم يذهب لمقابلة قادة الجيش، ثم قالها لهم بصراحة لا حديث مع مرسى وعشيرته، والشارع سيحسم الأمر بين الجميع.
حاول الفريق السيسى أن يقنع مرسى باتخاذ إجراءات إستباقية حتى لا ينفجر الشارع، واقترح على مرسى تعديلاً وزارياً واسع يتخطى نصف الحقائب، تعديلاً حقيقياً بوزراء كفاءات وطنية غير محسوبين على تيار أو حزب سياسى، ووافق مرسى على الفكرة، واتفق الاثنان على فتح مفاوضات فى اتجاهين لرئاسة الوزراء الأول مع الدكتور محمد العريان العالم الاقتصادى المصرى المقيم فى أمريكا، والذى يدير استثمارات مجموعة مهمة من صناديق الاستثمار الأمريكية، والثانى هو الدكتور كمال الجنزورى فى حالة رفض العريان لرئاسة الوزراء، كما اتفقا على إيجاد آلية قانونية لتغيير النائب العام واختياره عن طريق المجلس الأعلى للقضاء بعيدا عن السلطة التنفيذية.
وبعدها بدقائق معدودة بدأت الشئون المعنوية بالقوات المسلحة فى تسريب أخبار للصحف ووسائل الإعلام عن التعديل الوزارى المرتقب، كنوع من الانفراجة لحل الأزمة، كان من المفروض أن يتبعها أخبار أخرى عن تغيير النائب العام، ثم دعوة لحوار وطنى بين الإخوان والمعارضة برعاية الجيش لتهدئة الأمور قبل 30 يونيه.
سبق هذا تصريحات السيسى الواضحة التى حذرت من ممارسة أى عنف ضد المصريين أو ترويعهم وإرهابهم، كما حذر من اللعب بالجيش والتطاول عليه، وكان يقصد بهذا الحرب التى تشنها أبواق الإخوان ولجانهم الإلكترونية ضد الجيش، وطالب جميع الأطراف لم الشمل والحوار فمازال أمام الجميع أسبوع فرصة لحقن الدماء، خطاب وزير الدفاع تم توجيهه لجميع الأطراف فى الداخل، وأيضا ضباط الجيش الذين يشعرون بالغضب، وأمريكا والغرب حتى يثبت للجميع أنه يلعب دوراً توافقياً.
الخريطة التى وضعها السيسى ووافق عليها مرسى واجهت ردا عنيفا من مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين، قالوا لمرسى إن تغييراً وزارياً وتغيير النائب العام يعتبر تنازلا سيؤدى إلى هلاكهم جميعا، فعاد مرسى كعادته وأصدرت الرئاسة بيانا أكدت فيه أنه لا يوجد أى تغيير وزارى، وأن لقاء مرسى بهشام قنديل لبحث توفير احتياجات المواطنين فى شهر رمضان...!
تراجع مرسى أصاب لقاءه بالسيسى أثناء اجتماع مجلس الأمن القومى بفتور شديد، وحينما قال مرسى فى بداية الاجتماع إنه على الجميع ألا يقدموا أى تنازلات قبل أو بعد يوم 30 يونيه انفجر فيه وزير الدفاع مؤكدا أن تقارير الرأى العام وتقدير الموقف تؤكد أن هناك حالة من الغضب الشعبى والاحتقان الشديدين، وأن مصر على أبواب حرب شوارع، لذا نلاحظ هنا أن بيان الرئاسة حول اجتماع مجلس الأمن القومى خرج عائما يحمل وجهتى نظر، فقد أكد الحاضرون بالاجتماع على احترام الشرعية الدستورية، وهذا يعنى احترام الصناديق التى اختارت مرسى، لكن تم إضافة جملة «وفقا للإرادة الشعبية» وهى أيضا قد تعنى أن ال15 مليون استمارة التى جمعتها تمرد هى الإرادة الشعبية التى تؤكد أن تنفى الشرعية الدستورية.
وفى الوقت الذى تعد فيه قيادات الإخوان الميليشيات والسلاح لقتل المصريين، ويتفرغ جناحها السياسى لمسح جوخ الأمريكان، عقد أحد قادة الجيش الكبار اجتماعا مع هشام رامز رئيس البنك المركزى لدراسة الموقف الاقتصادى لمصر قبل وبعد 30 يونيه، واضطلع الجيش على حقيقة وضع الاحتياطى النقدى الأجنبى، وتمت مناقشة مخاطر احتمالات سحب قطر لوديعتها فى البنك المركزى، ومدى تأثير هذا على المصريين، وقرر الجيش بعد الاجتماع توفير الحد الأدنى لاحتياجات المصريين من الغذاء والوقود فى الأسبوع الأول بعد الثورة المتوقعة بقيمة 900 مليون دولار، وسيتحمل الجيش الأسبوع الثانى 600 مليون دولار أخرى من ميزانيته الخاصة.
ميليشيات الإخوان التى تحدث عنها خيرت الشاطر فى اجتماع المقطم بدأت فى الظهور فى أكتوبر بجوار القرية الذكية، حيث ظهر مجموعة من 500 مسلح من جماعة الإخوان بدأوا فى ترويع الأهالى، وهى المجموعة التى ستحاصر مدينة الإنتاج الإعلامى فى ساعة الصفر، ولما وصلت المعلومة للجيش أسرع بإرسال قوات لتأمين مدينة الإنتاج الإعلامى، خاصة أن معظم برامج التوك شو الرئيسية تبث من هناك.
قوات الجيش وصلت خلال دقائق معدودة إلى مدينة الإنتاج الإعلامى وهو مايؤكد أن هناك خطة موضوعة من القوات المسلحة لمنع أى ترويع أو إرهاب للمصريين، وفقا لتحذيرات السيسى.
ويتبقى السيناريو الأخير الذى يرعب الإخوان وجماعتهم، وهو نزول الملايين إلى الشوارع يوم 30 يونيه، واقتحام الثوار قصر الاتحادية، وفى هذه الحالة لن يستطيع الحرس الجمهورى إطلاق النار على المصريين وكسر الإرادة الشعبية، والسوابق تؤكد على هذا، ففى أثناء ثورة 25 يناير رفض الحرس الجمهورى إطلاق النار على الثوار، وفى أحداث الاتحادية الأخيرة اكتفى الحرس الجمهورى بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع.
سيناريو الرعب للإخوان هو إطلاق إعلان دستورى من داخل قصر الاتحادية يسلم مصر لمجلس انتقالى من 5 شخصيات فيهم شخصيتان أمنيتان وزير الدفاع ومدير المخابرات، وشخصيتان اقتصاديتان رئيس البنك المركزى وأحد وزراء المجموعة الاقتصادية، وشخصية قضائية وهو رئيس المحكمة الدستورية العليا، يتولى هذا المجلس إدارة المرحلة الانتقالية، ووضع جمعية تأسيسية جديدة للدستور تمثل كل طوائف الشعب، وعمل الدستور وأن بعده الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتنتهى مهام المجلس بتسلم الرئيس الجديد مهمته الوطنية.
السيناريو الذى لن يتمناه الإخوان لأنفسهم، هو خروج الملايين فى الشوارع واعتصامهم لأيام متوالية، وإطلاق ميليشيات الإخوان النار عليهم، وقتل وترويع المصريين، وتحويلها إلى حرب أهلية، هنا سيتدخل الجيش ولن يرحم أحداً يحاول ترويع المصريين، فمهمة الجيش الأساسية هى الحفاظ على أرواح المصريين والأمن القومى للوطن، وليس من المنطقى أن يصمت الجيش على إرهاب الشعب.