ترامب يدرس تدبير هجمة سيبرانية ثانية ضد إيران
أفاد تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعكف على النظر في مجموعةٍ من الخيارات لمعاقبة إيران على خلفية الهجوم الذي وقع هذا الشهر وطال منشآت النفط السعودية، فضلًا عن أنه شدد العقوبات على إيران وأمر بنشر قواتٍ إضافية في المنطقة، إلا أن هجمة سيبرانية ثانية بعد أن تم شن هجمة سابقة ضد إيران قبل ثلاثة أشهر فقط قد ظهرت باعتبارها الإجراء الأكثر لفتًا للانتباه بالنسبة لترامب، الذي يعد مترددًا في توسيع نطاق الصراع.
ينظر البنتاجون في أهدافٍ معينة، مثل إغلاق حقول ومصافي النفط الإيرانية كأحد ردود الفعل المناسبة تحت النظر، وفي نفس الوقت هناك جدلٌ واسع النطاق يدور داخل وخارج أروقة الحكومة الأميركية حول ما إذا كان شن هجومٍ سيبراني فقط كفيلٌ بردع إيران، وما نوع الانتقام الذي قد يُحدثه هجومٌ سيبراني مدمّر بالتحديد.
من جهته، أجاب وزير الخارجية مايك بومبيو على قناة سي بي إس عما إذا كان شن هجوم سيبراني قد يكون ردًا ماكرًا وغير تصعيدي على هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ التي وقعت في هذا الشهر: "لقد تحدث الرئيس عن استخدامنا لهذا الأمر في السابق، ولكن بالطبع من السابق لأوانه التنبؤ بما سنفعله بينما نمضي قُدمًا. ومما لا شك فيه أن إيران هي المسؤولة، وسوف ترد الولايات المتحدة بطريقةٍ تعكس الفعل الحربي الذي قام به هذا النظام الثوري الإيراني”.
وأشار بومبيو إلى أن الجيش الأميركي يرسل بالفعل قوات إضافية إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة، لتعزيز الدفاعات الجوية. لكن من غير المرجح أن تكون هذه الإجراءات وحدها كفيلة بردع المزيد من الأعمال الإيرانية.
إن السؤال الذي يدور الآن في أنحاء البيت الأبيض والبنتاغون وغرفة عمليات القيادة الإلكترونية الأميركية يكمن فيما إذا كان من الممكن إرسال رسالة ردع قوية مصحوبة بالهجوم السيبراني دون إلحاق الكثير من الضرر قد يؤدي إلى هجوم مضاد إيراني.
شنت الولايات المتحدة – ثلاث مراتٍ على الأقل خلال العقد الماضي – هجماتٍ سيبرانية كبرى ضد إيران، حيث كانت تهدف إلى وقف برنامجها النووي أو الصاروخي إلى جانب معاقبة البلاد أو إرسال رسالةٍ واضحة إلى قيادتها مفادها أنه ينبغي عليها إنهاء دعمها للجماعات المسلحة بالوكالة.
وفي كل الحالات، يمكن معالجة الأضرار التي قد تلحق بالأنظمة الإيرانية مع مرور الوقت. وفي كل حالة، لم تكن الجهود المبذولة لردع إيران – في أحسن أحوالها – ناجحة إلا جزئيًا. وإذا ثبتت صحة الاتهام بأن إيران كانت وراء الهجوم الذي وقع في السعودية، فسيشكل ذلك المثال الأحدث على أن طهران تتعافى من هجومٍ سيبراني وتواصل الانخراط في سلوكٍ عدواني.
وكان الجهد السيبراني الأكثر شهرةً وتعقيدًا هو حملة تخريبية متطورة منذ عقدٍ من الزمان رامية إلى تفجير مركز التخصيب النووي الإيراني باستخدام الأكواد البرمجية وليس القنابل. وقد بدأت إدارة أوباما برنامجًا – تسارعت خطى تقدمه خلال عهد ترمب – يرمي إلى المحاولة في استخدام الهجمات السيبرانية بغية إبطاء تطوير الصواريخ الإيرانية. وفي يونيو الماضي، وافق ترمب على عمليةٍ سرية رامية إلى تدمير قاعدة بيانات رئيسية يستخدمها الجيش الإيراني لاستهداف السفن الحاملة للنفط، فيما ألغى ضربةً صاروخية تقليدية كان قد أمر بها لتكون بمثابة ردة فعل على إسقاط طائرة استطلاع مسيرة أميركية.
ووفقا لمسؤوليْن أميركييْن، فإن الهجوم الذي حدث في شهر يونيو قد تسبب أيضًا بأضرارٍ لم تكتشفها إيران بعد.
حيث قال آنجوس كينغ، وهو السيناتور عن ولاية مين الذي لا يتبع لأيٍ من الحزبين ويرأس لجنة الفضاء السيبراني الشمسي التي أنشأها الكونغرس: “يمكن للهجوم السيبراني أن يمثل رادعًا بكل تأكيد، وقد يكون سلاحًا قويًا للغاية. إنه خيارٌ قد يتسبب بأضرارٍ حقيقية”.
وقال كينغ وخبراء آخرون إن إيران سترد على الأرجح على الهجوم الإلكتروني بهجومٍ خاصٍ بها، نظرًا إلى مواطن الضعف الموجودة في الولايات المتحدة وطبيعة الحياة الأميركية المتصلة بالإنترنت بشكل كبير.
إلا أن مسؤولي المخابرات الحاليين والسابقين يقولون إن دائرة الانتقام لا ينبغي أن تقتصر على مجالٍ عسكري واحد. فعلى غرار ردة فعل الولايات المتحدة في يونيو على إسقاط إيران طائرة أميركية مسيرة وتخريب ناقلات النفط من خلال استخدام هجومٍ سيبراني، يمكن لإيران أن ترد على هجومٍ سيبراني أميركي بهجومٍ إرهابي بمساعدة قوةٍ بالوكالة أو هجمةٍ صاروخية.
حيث يعتبر البنتاغون أن الهجمات السيبرانية أعمال حرب وتتطلب ردا فعليا، ولا يوجد أي سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن إيران أيضاً لن تتبع السياسة ذاتها.
وقد اعترف أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية مؤخرًا بأنه حتى الجنرال بول ناكاسوني، قائد القيادة الإلكترونية، قد حذر ترمب ومساعديه من أن السلاح السيبراني لا يعتبر بمثابة “رصاصة سحرية” يمكن من خلالها ردع العدوان الإيراني في الشرق الأوسط.
وفي أول 18 شهرًا في منصبه، سارع الجنرال ناكسوني لتعزيز سلطات القيادة الإلكترونية لكي تتمكن من التصرف بصورة وقائية، إلى جانب تعزيز استعداداتها للرد على الهجمات. كما أن التوجيهات الجديدة والسرية التي قدمها ترمب والكونغرس، تسمح للقيادة بزرع برمجيات خبيثة داخل الشبكات الأجنبية دون الحاجة إلى الحصول على موافقة الرئيس. وقد وصف الكونغرس هذه الجهود بأنها جزء من “السلطة العسكرية التقليدية”.
ويُذكر أن إيران كانت هدفًا رئيسيًا لهذه العمليات، بالطبع هذا الأمر لا يمثل مفاجئة، بالنظر إلى أن الجنرال ناكاسوني كان عنصرًا رئيسيًا في تصميم خطة تدعى “نيترو زيوس” ترمي إلى تعطيل طهران والمدن الإيرانية الأخرى في حال نشوب حرب. والهدف من هذه الخطة هو تنفيذ هجومٍ مدمر قد يجبر إيران للاستسلام دون إطلاق رصاصة واحدة.
إلا أن الاتفاقية النووية المبرمة في عام 2015 بين القيادة الإيرانية والرئيس باراك أوباما قد خففت من احتمالية نشوب حرب، ما أدى إلى وضع خطة العمليات السيبرانية الأميركية جانبًا، على الأقل حتى وقت قريب.
ولكن في البنتاغون وحتى في القيادة الإلكترونية، يحذر العديد من كبار الضباط من الحرب السيبرانية، إذ يشيرون إلى أنه من الصعب ردع العدو باستخدامها فقط.
إن الهجوم الذي تم باستخدام فايروس “ستوكسنت” واستهدف أجهزة الطرد المركزي للتخصيب النووي قبل عقد من الزمان كان ناجحًا على نطاق ضيق، فقد تمكن هذا الفيروس من تدمير ألف جهاز طرد مركزي من بين 5 آلاف جهاز كانت موجودة في ذلك الوقت. ولكن بعد تعافيها من هذا الهجوم، قامت إيران ببناء ما يزيد عن 1400 جهاز طرد مركزي وشنت هجوما مضادا على أنظمة الكمبيوتر في شركة أرامكو السعودية.
وعلى صعيد آخر، تسببت السلسلة الطويلة من الهجمات السيبرانية في إبطاء برنامج إيران الصاروخي ولكنها لم توقفه بشكل تام، حيث واصلت إيران تزويد تنظيماتها من الجماعات الإرهابية بصواريخ قريبة المدى. هذا ويدرس السعوديون ما إذا كان هنالك جيل جديد من الأسلحة إيرانية الصنع قد استخدمت في الهجمات التي نُفذت هذا الشهر على المنشآت النفطية.
وأخبر البنتاغون ومسؤولون عسكريون آخرون البيت الأبيض أنه من غير المحتمل أن تؤدي عملية نشر الجنود التي أُعلن عنها يوم الجمعة أو أي هجوم سيبراني آخر إلى ردع إيران ومنعها من شن هجوم آخر على حلفاء الولايات المتحدة.
ويكمن السبب جزئيًا في أن معظم النشاط السيبراني يكون ذا طابع سري، لذلك يسهل على الحكومة التي تعرضت للهجوم تقليل العواقب أو إنكار حدوثه.
إلا أن بعض الأشخاص الذين يفضلون تكثيف العمليات السيبرانية يشيرون إلى أن المسؤولين يفكرون على نطاق ضيق، ففي حال تم شن هجوم سيبراني كبير، مثل تعطيل مصفاة أو إلحاق ضرر بالشبكات الكهربائية، فحينها سيكون من الصعب على إيران إنكاره أو إخفاؤه. ويشير هؤلاء الأشخاص إلى أن هذا الهجوم سيكون له تأثير رادع أكثر من العمليات الصغيرة التي قامت بها الولايات المتحدة حتى الآن.
بيد أن مثل هذا الهجوم السيبراني التخريبي من شأنه أن يزيد من خطر التصعيد، كما سيحدث مع هجوم يطال مصافي النفط. ويمكن لإيران أو أي عدو آخر أن يدعي أن هنالك أشخاصا قتلوا وأصيبوا جراء هذا الهجوم، وقد يصعب دحض هذا الأمر.
يتمثل أحد العناصر الرئيسية للردع في ضمان فهم أحد الخصوم للقدرات الأساسية للطرف الآخر. وعلى عكس الأسلحة النووية، التي تعتبر مفهومة على نطاق واسع، فإن السلاح السيبراني الأميركي محاط بالسرية، خشية أن يضع العدو تدابير مضادة في حال فهمهم للقدرات الأساسية.
وقد جادل الجنرال ناكاسوني بأنه ينبغي على أفراد القيادة الإلكترونية التجول في الفضاء السيبراني و”الانخراط بشكل مستمر” مع الأعداء، أي الدخول في مناوشات مع الأعداء في شبكاتهم.
وكتب الجنرال ناكاسوني في تقرير لوزارة الدفاع نشر في شهر يناير: “يجب علينا المضي قدمًا في عمليات الدفاع في الفضاء السيبراني، تمامًا كما نفعل على الصعد الأخرى. فقواتنا البحرية لا تقوم بعمليات دفاعية عن طريق البقاء في الميناء، وقواتنا الجوية لا تبقى في المطارات، بل هاته القوات تقوم بدوريات في البحار والسماء من أجل الدفاع عن بلادنا قبل قيام العدو بعبور حدودنا. وهذا الأمر ينطبق على الفضاء الإلكتروني”.
ولكن هناك إجماع متزايد داخل القيادة الإلكترونية على أنه إذا كان الهدف من الأسلحة السيبرانية هو التأثير على تصرفات الأعداء، فيجب استخدام عناصر القوة الأخرى معها، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية أو الدبلوماسية أو الضربات العسكرية التقليدية.
ويرى كينغ، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية مين، أن القرارات التي ستتخذ على مدار الأسابيع القليلة المقبلة ستكون بمثابة الاختبار، حيث قال: “إن غريزة الرئيس ترمب تشير إلى عدم خوض حربٍ، وأعتقد أنه محق في ذلك. لذا فإن السؤال هو: كيف ستكون ردة فعلنا؟”.
وأشار إلى أنه لا يوجد سبب يدعو الولايات المتحدة للرد بشكل مستعجل، حيث قال: “لم تكن هناك ضربة على مدينة نيويورك، بل ولم تكن هناك ضربة ضد الرياض حتى. يجب أن تكون هناك ردة فعل، ولكن أمامنا متسع من الوقت لأخذ نفس عميق والنظر في جميع الخيارات، أحدها هو الخيار السيبراني، ولكن ينبغي النظر أيضًا في كيفية تخفيف التصعيد”.