الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تحتفل بعيد القديس مار متى الناسك
تحتفل اليوم الأربعاء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، بعيد القديس مار متى الناسك.
سيرة حياة القديس:
ولِد في قرية أبجرشاط شمالي مدينة آمد ديار بكر في الربع الأول من القرن الرابع، منحدرا من أُسرة تقيّة، ونشأ في كَنَف والدَين بارَّين مع أُختَين فاضلتَين وأخ اسمه زكريّا.
وبعد أن مات ابوه انضوت أمه التقيّة إلى دَير للراهبات حيث قضت ما تبقى من ايامها في اعمال النسك. وأما أُختاه وأخوه زكريّا فدخلوا الدّنيا. ورُزق أخوه بنتَين ادخلهما دَير للراهبات بعد وفاة أُمهما. دراسته: توفي والده في ميعة صباه، فدخل القدّيس مار متى دَير مار سرجيس وباخوس المجاور لقريته، وهو دَير صغير يقطنه خمسة رُهبان أتقياء برئاسة راهب عفيف. قرأ المزامير وبعض الأسفار القدسيّة، واللغة السُريانية، مستمدّا العِلم الرّوحي من ناسك قديم أقام في هذا الدَير خمسين سنة دون ان يفارقه البتّة. وبعد ان صرف مار متى في هذا الدير سبع سنوات التحق بدير زوقنين بظاهر ديار بكر والمعروف يومذاك بنظامه البديع، ومكتبته الشهيرة، وأساتذته الإعلام.
حيث أحرز قسطا وافيا من العلوم الدينيّة والكنسيّة والروحيّة والعلوم المختلفة الأخرى.
أحبّ مار متى حياة العُزلة والانفراد، فغادر دَير زوقنين يطوف القفار باحثا عن نُسّاك فُضلاء يُقيم معهم، فانتهى به المطاف الى عين ماء يسكن جوارها في اكواخ بسيطة اربعة رُهبان فضلاء فأقام عندهم عشرة ايام، واذ اعجب بسيرتهم الحميدة، رغب في البقاء عندهم، فأصلحوا له كوخا قديما مهدّما. فأقام فيه يتعبّد وقلبه يضطرم بمحبة الله، ونفسه تجيش بالقداسة والتّقوى، وضرب المثل برفع الصلوات المتواصلة، والقيام باعمال نسكيّة مضنيّة.
كانت الامبراطوريتان الرومانيّة والفارسيّة يومئذ تتنازعان السيادة على البلاد الشرقية. وكانت المسيحيّة تعيش في هاتَين الامبراطوريتَين مضطهدة من اجل كلمة الانجيل منذ فجرها وحتى تنصّر قسطنطين الملك في الربع الاول من القرن الرابع الميلادي، حيث وَضع الملك المتنصّر حدّا لتلك الاضطهادات المتواصلة. وفي عام 361م تبوأ عرش المملكة الرومانيّة يوليانس وهو من سُلالة قسطنطين الكبير، اهتدى الى المسيحية ثم جَحَد الايمان وانحاز الى الوثنيّة، لذلك لقّب بالجّاحد او الملحِد. وانقلب من ثم على المسيحية يصليها نارا حامية، يمتهنها ويذلّها. وقد نال اضطهاد يوليانس القدّيس مار متى جمهرة من الرهبان، وبسبب ذلك نزل وبعض رفاق له على ضِفة الخابور حيث ابتنوا لهم ديرا صغيرا.
غادر مار متى ورفاقه ديرهم الصغير الى المشرق. وكانوا خمسة وعشرين راهبا اشهرهم بعد مار متى مار زكاي ومار ابراهام ومار دانيال. بدأ ينشر اسم المسيح فيها.فأقام القدّيس مار متى في صومعة صخريّة في جبل مقلوب لا تزال ماثلة الى يومنا هذا، متعبّدا ناسكا. فأخذ المؤمنون يتوافدون اليه لزيارته والتبرك منه.
قصة مار متى الناسك والأميرَين بهنام وسارة:
كانت المملكة الفارسيّة في القرن الرابع منقسمة إلى إمارات أو ولايات على رأس كل منها عامل يقيمه ملك الملوك الفارسي ويسمى مَلكا. وكانت آثور إحدى هذه الولايات وقاعدتها نمرود، وفي النصف الثاني من هذا القرن كان عامل كسرى الساساني على هذه الولاية الحاكم أو الملك سنحاريب.
وفي أحد الايام وقد خرج ابنه بهنام للقنص يصحبه أربعون فارسا، لاح لهم من بعيد أيل كبير، فطاردوه ولم يدركوه. واذا بهم قد بلغوا لحافة الجبل الذي يقيم فيه القدّيس مار متى حيث توارى الأيل عن ابصارهم. وكانت هناك عين ماء، واذ كانوا قد اعيوا، وكانت الشمس قد لمّت اذيالها، باتوا حول العين. وفي غمرة الليل ظهر ملاك الرب لبهنام وأنبأه بأن رب السّماء قد اصطفاه، وسأله أن يرتقي الجبل ليشاهد قديسا جليلا قد شرّفه الله بعمل بواهر المعجزات هو الشيخ متى، وهو يهديه سواء السبيل.
وفي الصباح قصّ على رفاقه خبر الرؤيا، ثم تسلّق وجماعة منهم الجبل، واهتدوا الى مغارة مار متى حيث تلقّاهم القديس بسرور، وقد حرّكه الروح القدس، وبشّرهم بكلام الحياة، ورافقهم وراهب الى ظاهر مدينتهم ليشفي الاميرة سارة أُخت بهنام المبتلاة بداء البرص الجُذام العُضال. وهناك ترك بهنام بعض فرسانه مع القدّيس مار متى، ودخل هو المدينة وكاشف بهذا الامر أمّه التي أذنت له بأخذ اخته الى القدّيس. وصلّى القدّيس وضرب الارض بعصاه ففجّرت عينا، عمّد فيها الفتاة البرصاء سارة فطهرت ثم عمّد بهنام والاربعين وعاد الى صومعته، كما عاد بهنام وصحبه الى المدينة، وهم مستمسكون من الدِّين المَبين بالعروة الوثقى. وانتشر خبر شفاء سارة.
بَيد أن سنحاريب عزّ عليه اهتداء ولدَيه الى النُصرانيّة، فوبّخهما وتوعّدهما ولكن بدون جدوى. ولمّا خرجا من لَدُنه استدعى بهنام رفاقه الاربعين وشجّعهم على الاجتماع الى أبيهم معلّم الحقّ مار متى للتزوّد من إرشاداته القَيّمة ثم أخذ أخته وغادروا المدينة، فوشي بهما الى سنحاريب بأنّهما قد غادرا والفرسان المدينة تمرّدا عليه. فثار ثائره وأمر بقتلهم جميعا حيثما وجدوا. فوجدوهم على تلّ، فذبحوهم ذبح النعاج. ولمّا همّوا بإحراق أجسادهم رأوا وإذا بالارض تتزلزل وتنشقّ كي تواري أشلاء الشهداء. وبنت الملكة بعد مدة قبّة على هذا المكان عُرفت بقبّة الجب.
رفات هذا القديس العظيم موجودة في دير مار متى الناسك العامر في جبل مقلوب "الألفاف" في نينوى بالعراق.