بطرس دانيال يكتب: لا داعى للتشاؤم
لا تبكِ إذا غابت الشمس، فدموعك ستحجب عنك رؤية النجوم. يوصينا القديس بولس الرسول بقوله: «افرحوا فى الربِّ كل حين وأقولُ أيضاً افرحوا» (فيلبى 4:4). مما لاشك فيه أن هذا الفرح يحملنا على التفاؤل الذى يحمل ثماره لنا ولكل من يُحيط بنا، كما أنه يأتى بالنتائج الإيجابية والمثمرة على الجميع. ويمكننا أن نستشف ذلك مما حدث مع العَالِم إسحق نيوتن عندما ذهب هو ووالديه للحفل السنوى بمدرسته الابتدائية التى كان يلتحق بها، والذى فيه سيتم تكريم التلاميذ المتفوقين، وعندما انتهى ناظر المدرسة من تلاوة أسماء الأوائل، نادى على اسم التلميذ إسحق نيوتن، ولم يقف أحد فى بادئ الأمر، إذ لم يصدق إسحق نيوتن أذنيه، ولم يكن يتصور أنه من الممكن أن يتسلّم شهادة امتياز، فقد كان التلميذ الوحيد فى المدرسة الذى رسب فى جميع المواد. ولكن الناظر عاد ينادى على التلميذ، ويطلب منه أن يتقدّم إلى المنصة، وقام التلميذ الصغير حتى أنه كان يتجه نحو المنصة متعثراً، وإذ بناظر المدرسة يصافحه بحرارة مانحاً إياه شهادة امتياز، ثم قال الناظر: «بالرغم من أن هذا التلميذ رسب فى جميع المواد، إلا أنه من أعظم تلاميذ المدرسة خُلقاً وتربية، وأكثرهم تهذيباً، إننى فخور بأن يكون هذا التلميذ من أبنائنا، لأنه مِثَالٌ لزملائه فى الأخلاق الحسنة، وأنا واثقٌ بأنه على الرغم من رسوبه هذا العام فى جميع المواد، فإنه سوف يتفوق فى العام القادم، لأنه قادرٌ على أن يتغلّب على الفشل وتحويله إلى نجاحٍ. وبناءً على هذا الحديث وقف جميع التلاميذ والآباء والأمهات يصفقون إعجاباً باهتمام الناظر أيضاً بالتلاميذ الفاشلين ورفع قدرهم ليشجّعهم على النجاح، وبهذه النظرة الإيجابية ساهم الناظر فى أن يتحول الطالب الراسب والفاشل فى نظر الجميع، إلى واحدٍ من أعظم علماء القرن الثامن عشر وصاحب قانون الجاذبية العام وقوانين الحركة. إذاً من أراد أن يبنى أجيالاً ممتازة ومتفوقة، عليه أن يتحلّى بالتفاؤل والنظرة الإيجابية، إذاً لا داعى للتشاؤم أو إلقاء اللوم على الدُنيا لأننا حُرمنا من أشياءٍ كثيرة وخاصة المال والمناصب وبعض الامتيازات، لأن مَنْ يفتح عينيه وينظر من حوله جيداً، سيكتشف أن الله منحه نِعَماً وعطايا وقدرات لا مثيل لها، لذلك لا نحزن بسبب عدم امتلاكنا بعض الأشياء؛ بل لنقدّر قيمة ما لدينا ونستمتع بما منحنا الله سواء الصحة أو الطبيعة أو الأسرة والأصدقاء. فالحياة تتعثر ولكنها لا تتوقف، والأمل يضمحل ولكنه لا يموت. فالمتفائل يتطلّع إلى الناحية الجميلة فى الدُنيا، فإذا أظلمت تأمل فى جمال القمر، وإذا ما اختفى القمر تغزّل فى سحر النجوم وهدوء الليل، وإذا أحرقته أشعة الشمس فى اليوم التالى حمد الله أنها بددت الظلام، وإذا غربت الشمس حمد الله على أن نسيم الليل العليل فى طريقه إليه.. لنتأمل شجرة الخريف فإذا نظرنا إليها، سنجد أنها بلا أوراق ولا ثمار، وهذا المشهد يوحى بالموت، ومع ذلك، فالشجرة حيّة وبداخلها سر الحياة، وسنرى بعد بضعة أشهر نمو البراعم الصغيرة ونضج الثمار حتى أن الحياة تزدهر فيها من جديد. إذاً لماذا يعيش الغالبية العظمى فى حالة تشاؤم دائم؟ إذا سألنا أى شخص: «هل تتخيل أن الأمطار لا تتوقف أبداً؟»، سيجيب: «مما لاشك فيه أنها تتوقف دوماً مهما كانت شدّتها». وكذلك الأحداث الصعبة القاسية التى نمر بها، نراها فى أول الأمر وكأنها أبدية لا نهاية لها، ولكن يجب ألا يغرب عن بالنا أنه ما من شىء على هذه الأرض يدوم أبداً، وليس من صعوبات وضيقات إلا ونستطيع التغلّب عليها بالإيمان والصبر والأعمال الصالحة. فالتفاؤل هو الحالة الصحية لكل إنسانٍ ناضج وحكيم، وثقةً منه برحمة الله، لكن عندما يفقد الإنسان الثقة فى أبوّة الله التى تساعده على النهوض من المشاكل، فتعتبر إهانة لله وجَودِه وصلاحه. ويجب على الإنسان المتفائل أن يشعر بالسعادة لأنه وُلد فى عصرٍ وفترةٍ تحتاج إلى الكثير منه والتضحية فى سبيل الآخرين. إذاً يجب علينا ألا نتشاءم مع المتشائمين، بل نشمّرعن ساعدنا للعمل مع أصحاب الخير والفضيلة، ونتحلّى بالثقة والتفاؤل والاستعداد لعمل أى شىء كان، بشرط أن يكون خيراً. ونختم بالقول المأثور: «لا داعى للتشاؤم.. أليس اليوم هو الغد الذى قلقنا من أجله الأمس؟!».