دافع عن بلده بفنه.. مغامرة مصور عراقي منذ حرب الخليج الأولى حتى الانتصار على الأمريكان بعقر دارهم (حوار)

تقارير وحوارات

المصور العراقي إحسان
المصور العراقي إحسان الجيزاني


ترك بلاده عنوةً بعد حرب الخليج الأولى، التي نشبت بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب نشاطه الثوري خلال مشاركته في الانتفاضة الشعبية عام 1991، والتي تسببت في اعتقاله لمدة عامين، لكنه لم يَغفل عن واجباته تجاه بلاد الرافدين وحضارتها التي ظلت حاضرةُ في ذِهنه طيلة 26عامًا بالغربة، مُواصِلاً سلّفه عن موطنه الذي انهلك في الحروب وسرقت آثاره إِبانَ الغزو الأمريكي، حتى نجح المصور العراقي إحسان الجيزاني، في تحويل هموم وطنه لمادة مرئية بمعارضه الفوتوغرافية، وانتصاره على الولايات المتحدة بالفوز في مسابقة نيويورك العالمية للفن الفوتوغرافي وحصوله على الميدالية الفضية العالمية "انتصرنا في عقر دارهم.. لنثبت لهم بأن العراق حضارة مستمرة بفنانيها".







أوْطن بألمانيا صاحب الـ(52 عامًا)، بعدما مر برحلة معاناة عقب خروجه من بغداد قاصدًا بالبداية عمان، وعمل بها 18 شهرًا بدون مقابل مادي، نظير العيش بها، وإلا رحل للعراق، هو ما جعله يسافر للبنان ودامَ بها ما يقرب من عامين ومن ثم لرومانيا، محاولاً السفر إلى بلغاريا ماشيًا على الأقدام بعدما سرقت أمواله، ولكن الحظ لم يساعده، وأوقفته قوات حرس الحدود، واعتقل برومانيا، أعقبها إعادة الرحلة متوجهًا صوب سلوفاكيا ومنها إلى التشيك ماشيًا على الأقدام أكثر من شهر، لم تنتهي رحلته إلى هذا الحد، بل واصل السير لبرلين وسلم نفسه للقوات الألمانية "طاقتي هدرت وما كان عندي فلوس.. معاناة ماكو شخص عشها".






اقتضَى على المصور الثوري، إرسال بعض الأموال لعائلته، بعد استقراره وعمله بألمانيا عامين، لكن ظروف الحصار على بلاده لم تمكنه من ذلك، فحاول دراسة اللغة الألمانية على حسابه الخاص، حتى مواصلة حلم عمره في تعليم التصوير بشكل أكاديمي، الفرصة التي لم تسنح له بوطنه- بعدما قدم في أكاديمية الفنون الجميلة ولم يقبل-، ليأتي رد الألمان عليه مخيب لآماله "خائب لعملي"، إيماءةٌ أنه فنان والفن لا يدرس بالإضافة إلى ذلك أنه لا يوجد له عمل في حين دراسته لهذا التخصص فدرس "الميكانيك" وعمل بها واستمر في هوايته- التي حفرت في ذهنه منذ أن كان طفلاً لا يتجاوز عمره الخمس سنوات، عندما كان ذاهبًا برفقة أسرته لزيارة لخالته في منطقة العمارة جنوب العراق، وكان يشاهد صور التقطها ابن خالته في الجامعة الذي يعمل بها مدرسًا، لقباب المساجد، والبائعين بالشوار، والنسوة المتشحات بالسواد، لينجذب لهذا العالم الواسع-، باحثًا عن نادي للتصوير حتى اشترك في أحدهم وطور نفسه في هذا المجال وشارك بمسابقات عالمية، وحصد العديد من الجوائز العالمية منها في"ألمانيا، التشيك، فرنسا، أمريكا، بلغاريا، بيروت، البحرين".






أَخذ المصور الذي لقب بـ"سفير الأهوار"، على عاتقه هموم بلده، وركز بفنه في تسليط الضوء على معاناة العراقيين المهمشين في زمن الحصار والحروب والاحتلال، فكل معارضه تنادي بإسم العراق من أجل الدفاع عن المرأة العراقية والأطفال في القرى المنسية، بالإضافة إلى توثيق ما تعرضت له البيئة في العراق من دمار وإهمال من قبل الحكومة، وكل هذا على حسابه الخاص، لذا لقب بـ "المصور الثوري"، لأن معارضه تنصر المظلومين في شتى بقاع الأرض، ولقب أيضًا بـ"سفير الأهوار" بالخارج لإيمانه بقضية الأهوار المجففة بسبب السياسات المائية- تلك الحضارة التي يرجع تاريخها لسبعة آلاف عامًا لما تتفرد به من ثروات طبيعية- بعدما دمرت، مستمرًا في توثيق ما حدث في بلده من خلال معارضه، كي تستعيد حضارتها؛ لكسر هذا الصمت المتعمد من قبل الحكومة، ليس هذا فقط بل سمي نجلته "أهوار"، ليكون الاسم الوحيد بالمجتمع العراقي على مر السنوات "اريد تعيش الاهوار داخل بيتي".






"أثارنا المسروقة"، من أشهر المعارض للمصور العراقي، قدم خلاله 60 لوحة مقاسها 70 في 100سم إلى المتحف الوطني، ليشارك في عملية إحياء المتحف الذي سرق خلال الغزو الأمريكي، ليؤكد أن العراقيين حتى في الخارج داعمين لقضية بلادهم. كما شارك في عام 2010، في معرض فوتوغراف مع المصور الإيطالي "أنطونيو سانتورو" ممثلاً فينسيا، لكشف أوجه التشابه والمقارنة فيما بين البلدين، التي فاقت عليه العراق، لكن للأسف برغم جمال الطبيعة في بلاده انتكست بسبب إهمال الحكومة، عكس الحكومة الإيطالية "عانيت ما عانيت من أجل العراق من أجل أن يعيد عافيته.. وسأستمر لأخر نفس بداخلي".






وَركَ الجيزاني، في تسليط الضوء أيضًا على الصورة السياسية، كي يدرك العالم حجم المعاناة الذي يعيشها شعوب خط النار، فالحياة من العدسة الذكية ومن اختيارِ زاوية الالتقاط، تصل بسرعة فائقة، حيث تعطي بعدًا للواقع وتمنح الزمن فسحة ليواصل أحداثه، وهذه رسالتي، بالإضافة إلى التركيز على سد إليسو، الذي أقيم على نهر دجلة بالقرب من قرية إليسو وعلى طول الحدود من محافظة ماردين وشرناق في تركيا، إذ أخذ العُدة لمواجهة مخاطره بعدسته، "راح يدمر ويقضي علي أقدم حضارة وادي الرافدين"، فهو يعمل على تنشيف نهر الرادفين، موضحًا من خلال معارضه محاولة تركيا في عام 1983 حصولها على تمويل من صندوق النقد الدولي، لكن الطلب رفض، بسبب عدم موافقة العراق. 






ويقيم المصور العراقي، معارضه سنويا بشكل دوري حتي عرفه العالم، ولمع اسمه في صفوف المصورين العالميين، لاسيما عقب تصويره وإخراج بعض الأفلام الوثائقية كـ"جزيرة النبيه صالح" عام 2007، كما انصب اهتمامه بتصوير فيلم "أرواح النخيل"، عام 2009، يحكي عن موت النخيل واقفًا، وبعضه مسجيًا على تراب الوطن، ليجسد تاريخ المجزرة، حتى انتخب نائب لرئيس النادي الألماني للتصوير.