رسومات الحج.. كيف يدون المصريون رحلة الحج المقدسة على جدران المنازل (صور)
في كل الأزقة والحارات والشوارع بالقرى والمدن، لا يخلو منها منزل، إلا ودون عليه "حج مبرور وذنب مغفور"، مقرونًا برسومات توثيقية لرحلة الحج بأرض الحجاز، ورسومات مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.
يمسك محمود عبدالهادي، معلم التربية الفنية، وأحد أبرز فناني الرسم في محافظة قنا، بفرشاته وأقلامه، ليبدأ في رسم تلك المناظر البديعة التي تحفظ لدى البعض ذكريات الرحلة المحببة إلى قلوبهم، وتثير الشغف لآخرين يتوقون لزيارة بيت الله الحرام.
50 عامًا، قضاها عبدالهادي، مع فن الرسم، يبرز على لوحاته شغفه وحبه لتلك الرسومات أو المناظر التي تقع عليها عينيه، وتبدأ رحلته المعتادة المحببة لنفسه، خصيصًا في موسم عودة الحجاج من رحلة الحج في كل عام، ليوثق عليه رسومات الحج الشهيرة من مناسك الحج أو بيت الله الحرام ومسجد النبي عليه السلام.
بدأت رحلة عبدالهادي، منذ سن الثامنة، الذى يعد أشهر رسامي البيوت فى شمال محافظة قنا، حيث يدون شغفه على الجدران، فتوجه تلقاء الرسم من أجل الفن، ولم يتركه حتى بعد أن عنفه والده ونهره طالبًا منه بترك هذا الأمر، إلا أنه بدأ في ثقل تلك المهارات بعد التحاقه بكلية التربية الفنية، بجامعة جنوب الوادي بقنا.
على الرغم من التحاق عبدالهادي بالعمل بالتدريس، إلا أنه لا يزال حريصًا على الصعود على السقالة لأجل روحه ولأجل الفن الذى وقع في غرامه منذ طفولته، مؤكدًا أنه لا يعمل من أجل المال، إلا أنه يقوم بالرسم من أجل حبه لذلك الفن ليس إلا.
- ارتباط نفسي وروحاني
يؤكد الفنان التشكيلي، أن الرسم على الجدران يمثل جانبا مهما في رحلة حج المصريين منذ القدم، لارتباطه النفسي والروحاني بمشعر الحج، كما أن لقب "حاج" ذو قيمة كبيرة عند البعض، ويعد الرسم على الجدران بمثابة تعبير أو إعلان عن قيام صاحب "المنزل" بتلك المناسك، كما أن له جانبا توثيقيا لمراحل الحج المختلفة.
يقول الفنان التشكيلي، ان هذا الفن له تاريخ كبير، حيث اعتاد الأهالي والحجاج على رسم رسومات جميله على واجهات منازلهم، والتي تظهر أهم مراسم الحج، من الطواف حول الكعبة وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وبخطوط جميلة منمقة، وأشكال ورسومات تسيل بانسيابية، وعبارات منها "حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور"، و" حج وزار بيت الله الحرام " وغيرها من العبارات، كل ذلك تتزين به واجهات منازل حجاج بيت الله الحرام، لاستقبالهم أثناء عودتهم من الأراضي المقدسة.
ويتابع، أنه أيضا يتم رسم وسيلة المواصلات التي استقلها الحاج للوصول إلى الكعبة المشرفة، من طيران أو باخرة أو النقل البري، ويتم رسم كل ذلك بصورة جميلة تظهر مدى وبراعة الرسام، لتضفي على المنزل لمحة فنية جميلة.
- تنتشر بالأماكن البسيطة والريفية:
ويضيف عبدالهادي، أن الطلب على رسوم الحج كان قديما كبيرا، حيث يطلب أحد أهالي الحاج الخطاط أو الرسام لينقش الرسومات الخاصة بالحج على جدار المنزل؛ مشيرا إلى أن تلك الرسوم انتشرت بالأماكن البسيطة، ولم تنتشر بالأحياء الراقية، التي أصبحت أبراج خرسانية ليس لها طعم ولا روح ولا يعرف الجار جاره في الشقة التي أمامه.
- توثيق رسومات الحج
بينما صدرت ترجمة لكتاب “رسومات الحج، فن التعبير الشعبي عن الرحلة المقدسة ” عن المركز القومي للترجمة، والكتاب من تحرير أفون نيل، وتصوير آن بارك، وترجمة وتعليق حسن عبد ربه المصري، ويضم مجموعة من الصور والنصوص المرتبطة برسوم الحج في مصر.
ويركز الكتاب علي فنون التعبير الشعبي عن رحلة الحج المقدسة في مصر، ويقرن فيها المعطيات الاجتماعية وبالبيئية والإنثروبولوجية، وفي مقدمة الطبعة الإنجليزية للكتاب يكتب روبرت ايه فيرنا الأستاذ بجامعة تكساس الأمريكية ” أن الحج بالإضافة إلى كونه فريضة دينية فهو أيضا أحد علامات التعبير عن ” المكانة ” الاجتماعية في مصر.
- جداريات تتسم بالحيوية
بينما يشير أوفو نيل محرر الكتاب إلى أن جدران البيوت تتحول الى جداريات تتسم بالحيوية وتؤسس لظاهرة يتسم بها الريف المصري، وعلى الرغم من وجود رسوم للحج في عدد من البلدان الاسلامية إلا انها وكما يقول ” تقع في مرتبة متأخرة عند مقارنتها بنظيراتها في مصر ”.
- فنانين متجولين
ويكشف نيل معاني ودلالات وأماكن الحج في الاسلام، وتقدم المؤلفة في كتابها لقاءات ميدانية مع رسامي رسوم الحج في الريف المصري، كاشفة عن السمات الفنية المميزة لعملهم، كما تشير إلى مكانتهم “المبجلة وكيف أنهم على دراية واسعة بموضوع الرسوم، فهم ليسوا ” فنانين متجولين “.
وتشير النصوص المصاحبة للصور التي تضمنها الكتاب إلى أمور مهمة منها: كيف أن الرسوم غالبًا تسجل رحلة الحج ومشاهدها، وقلة منها تخلو من الآيات القرآنية، وتفسر ذلك بأمية بعض الفنانين وجهلهم بالقراءة والكتابة بطريقة تجعلهم يتجنبون فيها اللجوء إلى النص القرآني، وتكشف باركر عن معرفة عميقة بدوافع الفنان الشعبي وآليات عمله.
ويدعو محرر الكتاب في مقدمته إلى تسجيل هذه الجداريات بوسائط حديثة وبالصور الإلكترونية التي تجمعها في كيان مرئي يحميها من الاندثار؛ لأنها في مجملها تشكل سجلًا آسرًا لفن شعبي شديد الخصوصية، يمثل حركة فنية اعترف بها العالم ووجهًا مشرقًا من أوجه ميراث الأمة المصرية.