أمير عزام يكتب: عذرا أبي
عذراً أبي
قبلته أم لأ فلا تسألني مرة ثانية أن أعتذر!
أنا لم أكن أنوي فعل ذلك أبدا ولم أتخيل يوماً إني أفعل، لكنك ارغمتني علي ذلك.
ما زرعته من بذور قد حصدته وإنتهي الأمر هل تريد أن تظل تحصد وتحصد وتحصد من نفس البذرة، لقد إنتهت وتناولها البشر وربما الحيوانات إنتهي الأمر يا رجل.
ماذا تريد مجدداً؟
ما حدث كان فعلاً مشيناً لكني راضي حين فعلت حتي أنني شعرت بصدري ينفرج وقلبي يخفق بارتياحية وشعرت أنني خرجت من خلف قضبان عفنة أكلها الصدأ.
ربما تلومنني علي عدم إهتمامي بك في اتوبيس الهيئة او المترو او شباك السجل المدني لإستخراج فيش جنائي، نعم أنا اقصد ذلك، ولم أكن أنوي أن ابادلك مقعدي الذي حفظ ملامحك ووزنك النحيف وملابسك التقليدية وشعرك الأبيض وكل هذه الصفات، ولم ابادلك دوري حتي تذهب إلي منزلك باكراً بعد أن أنهيت أوراقك وانا لذلت اتذلل لهذا الموظف تحت أشعة الشمس محترقاً من الداخل اكثر من الخارج فالشمس أهون بكثير من هؤلاء الزومبي داخل المكاتب،لم ابادلك مكاني ولن أفعل أيضاً.
هل أنت راضاً عن ذلك ؟
أعتقد أنك غير راضي! فأنت تريد كل شئ كما تظنه ولكن الأمر تغير كثيراً من وقت كنت تركب أتوبيس هيئة النقل وتجلس علي مقعدك وحيداً تنظر الي فتاتك دون أن تجد زحام من هم واقفون اكثر من الجالسين علي المقاعد.
اختلف الأمر حين كان عدد ركاب هذا الأتوبيس لا يتخطي عشرة أفراد وكانت الطرق خالية تماماً وممهدة للوصول إلي عملك في وقت قياسي.
هل تعتقد أني مثلك؟
أنا لا أعتقد أنك مثلي، فأنت حصلت علي وظيفة قبل إنهاء مدة تعليمك وقد وقعت عقد عمل مدي الحياة وحتي بعد المعاش ايضا، أنت لا تشبهني إلا في ملامحي فلقد ورثت منك لونك وصفاتك لكنك لم تورثني مصيرك، ولم تورثني حياتك الهادئة وعملك الذي يدوم ستة ساعات فقط، لم تترك لي اي شئ كنت تمتلكه جيداً.
هل تظن أنك أوفيت حقي؟
لا أظن ذلك يا أبي، انت لم تعمل جاهداً كي تترك لي مؤسسة ناجحة لا تعتمد علي الكسل والخمول والرشوي ولم تترك لي إلا المحسوبية في الوظائف، لقد تركت لي بلدي مهان ومدمر فأنت لم تؤدي دورك علي أكمل وجه بل تركت لي وطن مُسن وعاجز غير قادر علي النهوض، تركت لي وطن فقير واُمي تركت لي وطن تآكل بدنه من المرض، فدعني أحارب حتي يعود وطني كما كان .
أعتذر لك يا أبي ولكن !
أنا كنت مريض بمرضٍ مزمناً في شبابي حين أردت مني مكاني في الاتوبيس، وكنت في أمس الحاجة إلي الوقت لإنهاء اوراق عملي مندوب مبيعات في شركة ذات نطاق محدود أمام شباك السجل ولم أكن قادر علي مبادلتك مكاني وحقي .
لم اقدر أن اتنازل لك عما أريد كي تحقق ما تريد فأنا اركض في غابة كلها أسود وأنا مجرد فريسة انهكها الصيد.
عذراً أبي....