بطرس دانيال تكتب: توكلتُ على الله
يعترف داود النبى قائلاً: «معونتى باسم الرب صانع السماء والأرض» (مزمور 2:120). يُحكى أن رجلاً كان يحلم بأنه عندما كان فى سعادةٍ لا مثيل لها بفضل الغنى والصحة والنجاح، كان يشاهد على شاطئ البحر آثار أربع أقدام على الرمال وعرف بأن اثنتين لله الذى يسير بجواره واثنتين له، فكان مطمئن البال لوجود الله بقربه، ومع مرور الأيام ضاقت به الدنيا حتى أنه فقد ما يملك وبدأ المرض يسيطر عليه حتى أنه فشل فى حياته، وعندما ذهب مرةً أخرى لشاطئ البحر وجد قدمين فقط، فعاتب الله على ما حدث له قائلاً: «كنتُ أرى قدميك بجوارى وأنا فى حالةٍ سعيدة وميسور الحال وناجحاً فى أعمالى؛ ولكن عندما بدأت العواصف تثور ضدى تركتنى وحدى لمواجهتها!» فأجابه الله: «عندما كنتَ فى حالةٍ جيدة، كنتُ أسير بجوارك؛ ولكن عندما بدأت الصعوبات والمشاكل تُحيط بك، حملتكُ على ذراعى!». هذه الأمثولة درسٌ لكل واحدٍ منّا، حتى يثق بأن الله لن يتركه أبداً عندما تواجهه مشاكل الحياة، ومما لا شك فيه أن الله قد يسمح لنا بأن نمر بظروفٍ صعبة، ومن المحتمل أن نرى كل شىء حولنا قاتم اللون، حتى يصل البعض منّا إلى حالة من اليأس؛ ولكن يجب أن نثق فى أبوّة الله وحنانه، لأنه يستطيع بلمسةٍ من يده تغيير كل شيء للأفضل، لذلك يجب علينا أن نطمئن وإن كنّا فى وسط العواصف والزوابع والأمواج العاتية. فقوتنا تكمل مع الله، لذا يجب علينا أن نلتجئ إليه طالبين معونته غير المحدودة والمجانية، فالله فى أتم الاستعداد للتعاون معنا فى كل لحظة حتى نتخطى العقبات التى لا نستطيع التغلب عليها وحدنا. مما لا شك فيه أن الله لا يخيّب آمالنا ولا يتأخر لحظةً واحدة عن كل ما يعود علينا بالخير. فالتجاؤنا إلى الله لا يكلفنا أى شيء، ولكنه يعود علينا بالخير الكثير، لأن الله يغمرنا ببركاته وعطاياه التى لا تنتهى أبداً، وإذا وضعنا ثقتنا فى معونته وتوسلنا إليه ليساعدنا، سنشعر فى التوِّ بالطمأنينة والسكون مهما كانت الظروف التى تُحيط بنا، وكما يعدنا الله بذلك: «مَنْ يدعونى، استجيبُ له، أنا معهُ فى الضيق أُخلِّصُه وأَمنحهُ مجداً» (مزمور 90: 15). أمام وعود الله لنا، هل نحبّه حُبّاً حقيقياً؟ ومَنْ هو الله فى اعتبارنا: ديان نعبده عن خوف وطمع، أم أب حنون يُحبنا ونحبّه ونتحاشى أى سوء يسبب له حزناً ومرارةً؟ وكما نقرأ فى القول المأثور: «أنا أخاف الله، ليس لأنه شديد العقاب؛ بل لأنه رحيم ورحمته تخجلنى». إذاً يجب أن نؤمن بالله وأبوّته اللامتناهية، وأنه قادر على تدبير أمورنا أفضل منّا بكثير إذا التجأنا إليه بثقةٍ بنوية، لأنه يعلم تماماً ما نحتاج إليه وما هو الأفضل فى حياتنا، وإن كانت لنا نظرةً أخرى فى هذا. فالله لا يطلب منّا ما هو فائق قدراتنا، كل ما يحتاجه من كل شخص أن يعبده ويعطيه قلبه ويتوكل عليه واثقين فيما يقوم به نحونا جميعاً. كم هو عجيب عندما نكتب على بعض المحلات أو السيارات أو غيرها: «توكلتُ على الله»، ولكن الواقع يدل على عدم ثقة البعض فى معونة الله وقدرته لتدبير أمورهم! كما أن البعض يعيش تناقضاً عجيباً عندما يدعو الله المعلّم ولا يطيعه، ويسميه الحياة ولا يذهب إليه، ويدعوه الحق ولا يثق فيه، ويسميه «الكلى الغنى» ولا يطلب معونته، ويدعوه الطريق ولا يتبعه. يجب أن نضع فى الاعتبار أنه من المستحيل أن يكون الله كما يتخيّله البعض دياناً ينتظر أخطاءنا ليحاكمنا ويعاقبنا على كل كبيرةٍ وصغيرة نقوم بها؛ لكنه أبٌ حنون يهتم بنا ويسهر علينا من أجل راحتنا، ويعلم ما نحتاج إليه دون أن نسأله، ويغمرنا ببركاته فى كل حين. إذا كان الله رب السماء والأرض هو الأب الحنون الذى يعطف على البشرية كلها؛ فماذا يخيفنا أو يُعكّر صفو حياتنا؟ لذلك ما أشقى الإنسان الذى يعيش بدون طلب معونة الله، لأنه لن يعرف الطمأنينة ولا السعادة ولن ينال السلام الداخلى؛ ولكن مَنْ يضع الله نُصْب عينيه نهاراً وليلاً أينما ذهب، لن يخافَ شيئاً فى هذه الحياة، لأن الله موجود دائماً أبداً. ونختم بالقول المأثور: «كل ما أعرفه من أمر الغد، هو أن عناية الله لى، سوف تستيقظ قبل الفجر لتهيئ لى نهارى».