بطرس دانيال يكتب: أَعطوا ... تُعطَوا
ذات يوم اعترض أحد قطّاع الطرق بوذا الحكيم، فقال له بوذا: «أرجوك، كُنّ مسالماً هذه المرة واستجب لرغبتى الأخيرة، ألا وهى أن تقطع فرعاً من هذه الشجرة»، وبضربةٍ واحدة بالسيف فعل ذلك، ثم قال لبوذا: «لقد حققت أمنيتك، فماذا تريد منى أن أفعل بهذا الفرع؟» أَمَرَه بوذا بأن يُعيده مكانه، فَرَدّ عليه المجرم قائلاً: «أنت مجنون حقاً إذا فكرت فى مثل هذا الشىء»، فكانت إجابة بوذا القاطعة والحاسمة: «أنت وحدك المجنون لأنك تعتقد ذاتك قوياً ومسيطراً عندما تصنع الشر وتهدم كل ما يعترض طريقك، إنها أفعال صبيانية، لأن القوة الحقيقية تكمن فى البنيان والإصلاح». هنا نتساءل: «ماهى رسالتنا فى هذه الحياة؟ وما هدف وجودنا على هذه الأرض؟ وما هو دورنا تجاه الآخرين؟» إذاً يجب علينا أن نتخذ هدفاً لحياتنا، ثم نسعى لتحقيقه بكل عزمٍ وحزمٍ، ولا نخف أى عراقيل أو صعاب. نستطيع أن نبحث عن مُثل عليا جديرة بالتأثير على شخصيتنا إيجابياً، ومبدأ شريف نتمسك به، وقضية إنسانية نبذل حياتنا من أجلها، وأعمال خالدة نكرّس لها مواهبنا، ونفكر فى الوطن الذى نعيش فيه ساعين لإعلاء شأنه، ونساهم فى مشاريع عمرانية تحتاج إلى مجهودنا ونشاطنا، ونبحث عن قريبٍ محتاجٍ وفقير نساعده بدلاً من تبذيرنا، وقبل كل هذا نضع أمامنا الله الذى خلقنا لنُحبّه ونسعى إلى تحقيق إرادته فى هذه الحياة. لقد أعطى الله كلًّ منّا نصيبه من الذكاء والمواهب والوزنات، إذاً يستطيع كل واحدٍ منّا أن يتعهد فى قرارة نفسه قوةً جبّارة للعمل الخلاّق، وتأتى هذه القوة من الفكرة التى يتبناها وتختمر فى داخله، ثم يبدأ فى تحقيقها فى عالم الواقع، وكما يقول الفيلسوف روسكين: «ازرع فكرة تحصد عملاً؛ ازرع عملاً تحصد عادةً؛ ازرع عادةً تحصد خُلقاً؛ ازرع خُلقاً تقرر مصيراً». لأن الإنسان الذى يتعهد فكرة فى داخله من أجل الخير، تدفعه يوماً إلى تحقيقها وتنفيذها عملياً، وعندما يتكرر العمل يصبح عنده عادة، كما أن العادة تصير مع الزمن طبعاً فيه يقرر مصيره فى الحياة، ناجحاً كان أو فاشلاً، خيراً كان أو شراً. لأن كل شخصٍ فى هذه الحياة له رسالة سواء كانت دينية أو فنية أو اجتماعية، وعليه أن يسعى للقيام بها دون أن يتأثر بما يدور حوله من انتقاد أو سخرية، لأن هدف هؤلاء تثبيط همّته وتفتيت عزيمته، لأن قافلة أعمال الخير والبنيان يجب أن تواصل سيرها مهما كانت المعوقات والصعوبات التى تأتيها من أجناد الشر. مما لا شك فيه أن كل واحدٍ منَّا يريد الإصلاح، سيواجه فى حياته أعداء النجاح والخير، إذاً يجب علينا ألا نضيع جهدنا ووقتنا فى سماع ثرثرتهم أو الوقوف عند ما يبثونه من سموم الفشل والحقد؛ بل يجب أن نستمر فى مسيرتنا دون أن نعيرهم اهتماماً. فما أشقى الإنسان الذى يعيش هذه الحياة دون هدف، فيكون كالمسافر الذى يسير على غير هدى، ولا عجب إذ تاه عن الطريق وأصبح تعبه باطلاً، لأننا على الأرض أشبه بالمسافرين، لذا يجب علينا أن نضع هدفاً واضحاً أمامنا ونحمل رسالة إنسانية نفيد بها البشرية. كما أننا نكتشف فى هذه الحياة أشخاصاً يعملون للحصول على الرزق فقط، وهدفهم الأول والأخير هو الربح، حتى يتمكنوا من الاستقلال والرفاهية والحياة الكريمة كل يوم؛ وآخرون يعملون لا طمعاً فى الربح ولا سعياً إلى الرفاهية أو المناصب، بل تلبية لنداء داخلى يدعوهم إلى تقديم خدمة من أجل الآخرين، وهؤلاء يعملون لا لشىء إلا لشعورهم بأنهم مؤتمنون على توفير السعادة للآخرين، وكلهم يقين بأنهم لن يجدوا سعادتهم الحقيقية إلا بقدر ما يوفرونها للغير، كما أنهم لا يشكون من تعبٍ، أو يتهرّبون من تضحية أو ينتظرون مكافأةً، لأن تعزيتهم الحقيقية هى القيام بعملٍ إنسانى، ويجدون أجرهم العظيم فى قُبلةٍ من يتيم أو بسمة رضى من مريضٍ يائس، أو نظرة حُب من فقير، لأن هذه العلامات البسيطة تمنح السعادة لمن يقوم بعمل الخير، وكما يقول فيهم داود النبى: «فيكون كالشجرة المغروس على مجرى المياه، الذى يُؤتى ثمره فى أوانه وورَقَه لا يَذبُل وينجحُ ما يصنعُه»(مزمور3:1). فالإنسان الذى يتقى الله، يتغذّى بكلامه المقدس، ويُخلص له العبادة، ويمارس أعمال الرحمة مع الغير. ونختم بالقول المأثور: «نبحثُ فى جيوبنا عن أقل فئات النقود لنتصدّق بها، ثم نسأل الله أن يمنحنا الفردوس الأعلى. ما أقل ما نُعطى وأعظم ما نطلب!».