حكاية درب "الحاج المصري" عبر 1000 عام من القاهرة إلى مكة
الحج من أقدس العبادات لدى المسلمين، وهي فريضة قديمة قدم الأزل عرفتها حضارات سابقة، وكذلك الأديان السماوية، ويبقى الحج المصري مميزًا بطقوسه عبر العصور، وأحد هذه المميزات هي درب الحاج المصري.
يقول الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء، إن الدرب هو الطريق الذي يسلكه الحجاج، والذي قامت الدولة عبر العصور بالعناية به، عن طريق تجهيزه بمحطات بها أماكن للراحة والعناية بالمسافرين قاصدين بيت الله الحرام.
وأضاف ريحان أن درب الحاج المصري بدأ منذ دخول الإسلام إلى مصر واستمر حتو عام 1885م أي ما يقرب من 1000 عام، حيث تطور عبر العصور المختلفة ولكنه بلغ قمة تطوره في العصر المملوكي، حيث تزايدت أهمية الدرب مع قيام دولة سلاطين المماليك، مع الأهمية الكبرى لدرب الحاج المصرى كمعبر لقوافل الحجاج، وخدم هذا الدرب إلى جانب المسالك البحرية من خلال السفن المستخدمة لموانئ مصر على خليج السويس وهى ميناء القلزم (السويس) وميناء الطور بشهرته الواسعة خاصة أيام سلاطين المماليك والعثمانيين وميناء عيذاب المواجه للأراضي المقدسة.
وأضاف ريحان أن أهمية درب الحاج المصري تمثلت في أنه أقصر الطرق الواصلة بين العاصمة "القاهرة"، ومدينة أيلة "ميناء العقبة حاليًا" كما أنه يرتبط بمجموعة طرق أخرى تزيد من أهميته ومنها مجموعة الطرق التي تصب في بدايته.
وأشار إلى أن مدينة نِخِل قلب سيناء النابض والتي تقع على بعد 156كم جنوب العريش، وهى نقطة تاريخية هامة، ومجمع لتلاقي عدة طرق تاريخية منها طريق الأنباط التجاري بين أيلة (العقبة) والقلزم (السويس) وطريق الحج المسيحي إلى القدس عبر سيناء من غزة إلى دير سانت كاترين، والعودة (الطريق الغربي) كما كانت على طريق صدر وأيلة (الطريق الحربي لصلاح الدين بسيناء) وتوجد بها قلعة للحماية.
وكان درب الحاج السبب الرئيسي فى إحياء نِخِل والذي أهّلها لأن تكون المركز الإداري لكل سيناء والذي انتقل إلى العريش بعد هجر درب الحاج وتشييد سكة حديد مصر – فلسطين عام 1916.
وتابع ريحان أن الأمير الحاج آل ملك الجوكندار أنشأ ثلاث برك مياه فى نِخِل (حاليًا في شمال سيناء) بعهد الناصر محمد بن قلاوون (693- 649هـ / 1293- 1294م) ضمن مشروع إعمار درب الحاج المصري، حيث قام ببناء خان "فندق" بقلعة عجرود (20 كم من السويس).
كما تضم قلعة نِخِل حاليًا ثلاث برك منها بركة شيدها الأمير سلار فى عهد الناصر محمد بن قلاوون قبل تولية آل ملك الجوكندار عندما توجه إلى الحج عام 703هـ / 1303م، كما أنشأ السلطان الغوري خان قام بتنفيذه خاير بك عام (915هـ / 1509م).
كما قام الأمير حسام الدين طرنطاى نائب السلطنة أيام المنصور سيف الدين قلاوون (678- 689هـ / 1279- 1290م) بحفر بئر نخل وقلعة نخل مسجلة ضمن الآثار الإسلامية بالقرار رقم 388 لسنة 1997.
وأوضح ريحان أن نِخِل كانت بمثابة سوقًا عامرًا ينصب بها فى زمن الحج سوق وأفران لعمل الخبز وترد لهذا السوق الجماعات البدوية من سيناء وبذلك يتوفر للحجاج جملة خدمات بها من حيث الإقامة فى خان "فندق" فى ظل حماية الحراس وتوفير الماء العذب الكافي من الآبار وفي الفساقي ويقوم بحراسة ركب الحجيج حتى عقبة أيلة وفد من قبيلة العائد من قبائل سيناء.
وأشار أن هناك محطة هامة من محطات الحجاج ما بين نِخِل والنقب يطلق عليها دبة البغلة أو مقعد الباشا قامت منطقة جنوب سيناء للآثار الإسلامية والقبطية بترميمها منذ سنين وأحاطتها بسور بشكل إسلامي لدرجة أن الحجاج والمعتمرين المارين بهذا الطريق فى الطريق البري الحديث إلى ميناء نويبع ومنها إلى العقبة وهو نفس الطريق البري القديم يعتقدون أنه مقام ولي من أولياء الله الصالحين وينزلون إليها ليقرأوا اللوحة الخاصة بالآثار ويعرفون حقيقة هذه العلامة الهامة فى طريق الحج القديم المستخدم حتى الآن.
وأشار الدكتور ريحان إلى أن دبة البغلة من المناطق التى تتسم بالصعوبة عند اجتياز الحجاج لها وقد قام السلطان قانصوه الغورى بتمهيدها ووضع علامة هامة تحدد معالم الطريق يطلق عليها صخرة الغوري وعليها نقوش صخرية تتضمن الآيات "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا"
وألقى ريحان الضوء على النص الخاص بتمهيد الطريق (رسم بقطع هذا الجبل المسمى عراقيب البغلة ومهد طريق المسلمين الحجاج لبيت الله تعالى وعمار مكة المكرمة والمدينة الشريفة والمناهل عجرود ونِخِل وقطع الجبل عقبة ايلا وعمار القلعة والآبار وقلعة الأزلم والموشحة ومغارب ونبط الفساقي وطرق الحاج الشريفة مولانا المقام الشريف والإمام الأعظم سلطان الإسلام والمسلمين الملك الأشرف أبو النصر قنصوه الغورى نصره الله تعالى نصرًا عزيزًا).
وختم ريحان كلماته قائلًا إن على الصخرة رنك للسلطان الغوري نصه (لمولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر قانصوه الغوري عز نصره)، ومن عقبة أيلة تسير قافلة الحجاج بمحاذاة البحر الأحمر إلى الجنوب إلى حقل، مدين، ينبع، بدر، رابغ، بطن مر، مكة المكرمة ، وظل درب الحاج المصرى مستخدمًا حتى أبطل سيره وتحول إلى الطريق البحري عام (1303هـ / 1885م).