تاريخ السينما المصرية فى صناديق القمامة وباعة الروبابيكيا
عقود أفلام فاتن حمامة ومعركتها مع مريم فخر الدين على ترتيب الأسماء
بمجرد أن تطأ قدماك منزل مكرم سلامة (70 عاما) فى مدينة الإسكندرية، الذى يعتبر أحد أشهر جامعى الوثائق والارشيفات فى مصر والعالم العربى، تدخل عالم الأساطير، بين جدران منزله، الأشبه بـ «آلة الزمن»، بما تحمله جنباته من وثائق وصور نادرة، لا تقدر بثمن، خاصة فيما يتعلق بكل ما يخص صناعة السينما منذ بدء الإرهاصات الأولى لصناعة الفن السابع فى مصر، حتى منتصف حقبة الستينيات.
خلاف ذلك، تلمح مئات عقود الأفلام لأهم نجوم الشاشة ومخرجى السينما المصرية، على رأسهم سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، التى كان يلحق باسمها فى عقود الأفلام لقب «هانم»، وعمر الشريف وأحمد رمزى وفريد شوقى وهند رستم، والمخرجون صلاح أبوسيف وحسن الامام، والمنتج السينمائى عبده نصر وغيره، إضافة لمئات النيجاتيف النادر الذى يحوى «making» خلف الكواليس لتصوير تلك الأفلام، فى مشاهدات نادرة.
رحلة امتدت نحو 45 عاما، قضاها «العم مكرم» فى توثيق «سينماتيك مصر» بالوثائق والارشيفات، حفاظا عليها من الفقد من الذاكرة والتاريخ، حفاظا على هوية وتاريخ وطن، كانت يوما صناعة السينما ثانى مصدر لدخله القومى، بعد «القطن».
وعن ذلك يقول: «ذهبت إلى معظم دور العرض وشركات الإنتاج والتوزيع السينمائى من الإسكندرية إلى أسوان، التى كانت تستعد للإغلاق أو الهدم، واشتريت كل ما أستطيع من أفلام ومراسلات وملصقات، خشية ضياع هذا الكنز، إضافة لتواصلى مع باعة «الروبابكيا»، المصدر الرئيسى لمخلفات المنازل، نتيجة جهل الورثة احيانا، وعدم وعيهم بالتاريخ، كذلك أصحاب صالات المزادات على مستوى مصر، للحصول على كل ما يخص السينما المصرية، وأنفقت كل ما جمعته طوال حياتى من عملى على السفن التجارية، خلال 30 عاماً على هذه الهواية التى أصبحت عشقى الوحيد».
وتابع: عثرت مصادفة، لدى أحد باعة الخردة بالقاهرة، منتصف التسعينيات، على كنز لايقدر بثمن، لأرشيف المخرج المصرى -الإيطالى اليهودى الاصل- توجو مزراحى، مخرج فيلم «سلامة» لكوكب الغناء العربى أم كلثوم، وجميع أفلام الفنان الكوميدى على الكسار.
ويكشف «مكرم» عن كنز ثمين آخر لديه، وهو مجموعة نيجاتيف كاملة لأرشيف الفنان الراحل متعدد المواهب أنور وجدى، تحتوى على صور نادرة له منذ شبابه وحتى وفاته، بينها صور عائلية له مع والدته، وزوجته المطربة الراحلة ليلى مراد، فى حفلة ليلة رأس عام 1951، وصور أخرى لهما فى كافيتريا فندق «البوريفاج» فى الإسكندرية، أواخر الأربعينيات وحفلات بمنزلهما، يضم النيجاتيف نحو 750 صورة نادرة، وماكينج تصوير أفلامه، الذى قام بإنتاجها، وتعتبر الاشهر فى تاريخ السينما المصرية، وتحوى تلك الكواليس لقطات نادرة خلف الكاميرا مع غالبية نجوم السينما المصرية وقتها.
يرى «مكرم» أن عقود الأفلام خلال أى حقبة زمنية، تعد جانباً مهمًا فى توثيق تاريخ صناعة السينما، حيث تنشأ الازمات عادة بين الفنانين بسبب مخالفة التعاقد مع المنتج، وغالبيتها تدور حول ترتيب الاسماء على الأفيش، أو تأخر سداد أقساط أجورهم، ويؤكد ذلك أن فيلم «لا أنام» عن قصة الأديب الراحل، إحسان عبد القدوس، كان السبب الرئيس فى حالة العداء بين الفنانة القديرة مريم فخر الدين وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة.
يؤكد هذا الخطاب الذى وجهته مريم فخر الدين، ويحمل توقيعها- ويحتفظ به مكرم ضمن وثائقه- إلى المنتج السينمائى الشهير عبده نصر صاحب شركة «اتحاد الفنيين» ومديرها، ويعود تاريخه إلى 18 سبتمبر 1956. جاء فيه: «ساءنى جداً الإعلان المنشور فى العدد الأخير من مجلة الفن عن فيلم لا أنام، من إنتاجكم، وفيه لاحظت أنكم خالفتم نص العقد بخصوص وضع اسمى فى المكان والحجم المتفق عليه فى العقد، أرجو مراعاة هذا مستقبلاً ضماناً لعدم وجود سوء تفاهم مما يؤثر فى صلاتنا الودية التى أعتز بها».
وكان يفترض بحسب العقد أن تتم كتابة اسم مريم فخر الدين، تاليا لاسم فاتن حمامة فى الافيش والدعاية، وهو ما يبدو أن المنتج خالفه وقتها، المفارقة أن بعدها بنحو عام، فى 1 أكتوبر 1957 وجه المنتج المعروف آنذاك عدلى المولد، نيابةً عن موكلته مريم فخر الدين، إنذاراً إلى الشركة المنتجة يطالبها بتعديل ترتيب الأسماء فى نسخة الفيلم المعروضة فى سينما ميامى، والإعلانات أيضاً خلال ثلاثة أيام، وإلا سيلجأ إلى القضاء المستعجل لوقف عرض الفيلم والمطالبة بتعويض مبدئى قدره 20 ألف جنيه.
ومن بين الوثائق التى يحتفظ بها «مكرم» أيضا، قيام وحش الشاشة الراحل، الفنان فريد شوقى، بالتوقيع على عدد من «الكمبيالات» لشراء سيارة، باعتباره ضامنا لزوجته وقتها الفنانة الراحلة هدى سلطان، من أحد معارض السيارات بالقاهرة، وكانا مقيمين فى 36 شارع شريف بوسط البلد، ويعود تاريخ الكمبيالات لعام 1964.
كذلك مجموعة خطابات خاصة للمخرج الراحل حسن الإمام، تحمل اسم شركة إنتاجه الخاصة- بنفس الاسم- ومقرها 21 شارع عماد الدين بالقاهرة، لعدد من شركات التوزيع، بخصوص توزيع أفلامه، بينها «شركة بهنا فيلم»، بخصوص عرض فيلمه «الحب العظيم»، وطلبه تحديد موعد عرض للفيلم بكل من سينما «فريال والكورسال» بالاسكندرية، لتفاؤله بهما وأنهما يجلبان له الحظ السعيد.
ضمن أهم الوثائق التى يقتنيها «العم مكرم» أيضا، الخطابات الخاصة بغرفة صناعة السينما المصرية، والتى لايعرف أحد كيف تم التفريط بها وكيف وصلت فى الاساس لتجار الورق القديم والمخلفات بالقاهرة، بينها خطاب صادر عن إدارة الرقابة على الأفلام والمصنفات الفنية فى مصلحة الفنون، وكانت تتبع وقتها وزارة الإرشاد القومى، يرجع تاريخه إلى 28 فبراير 1959، موجه إلى رئيس غرفة صناعة السينما المصرية، بضرورة التنبيه على المنتجين والموزعين لطمس أو حذف صور الملك السابق فاروق من الأفلام المصرية السابقة على 23 يوليو 1952، وأرسلته غرفة صناعة السينما المصرية إلى منتجى الأفلام وموزعيها.
كذلك قرار مجلس نقابة المهن السينمائية، فى جلسته المنعقدة فى 23 نوفمبر 1956، عقب «العدوان الثلاثي» على مصر نفس العام، باستبعاد رعايا الدول المعادية (فرنسا وبريطانيا وإسرائيل) من جداول النقابة، وهو القرار الذى رفعته نقابة المهن السينمائية إلى غرفة صناعة السينما، ووزعته على شركات الإنتاج وقتها وطالبتهم بعدم التعاون مع هؤلاء الفنانين.