منال لاشين تكتب: الثورة الاجتماعية المقبلة.. الزواج الأبيض يوحد بين الشيعة والسنة
أركانه الإشهار والوليمة ولا يعترف لا بالعقد ولا المهر
ارتفاع تكاليف الزواج والشبكة أهم أسباب انتشاره
الشيوخ والملالى يحرمونه وينتشر بسرعة فى الدول الإسلامية والعربية
هل يمهد الزواج الأبيض للزواج المدنى أم ينهزم أمام التقاليد؟
على الرغم من غرقى وولعى بالأرقام والاقتصاد، وعلى الرغم من عشرات القراءات والكتابات عن التضخم. رغم هذا وذاك اعترف بأننى لم أتصور أثر التضخم على الأسعار فى مصر. طوال الأسابيع الماضية وأنا أشترى بعض- أكرر- بعض مستلزمات البيت من أثاث وأجهزة كهربائية كنت أعيش صدمة ولا صدمة الممثل محمد هنيدى فى فيلمه «صعيدى فى الجامعة الأمريكية»، الارتفاعات الجنونية فى الأسعار، تشعرنى بأننى عجوز جاوزت المائة عام. أثرثر للبائعين والبائعات بأسعار المنتجات أيام زمان، فيفتحون أفواههم دهشة وهم يتساءلون: معقولة الأسعار زمان كانت كده.
وقصتى مع إعادة تأسيس المنزل تصلح كمدخل للظاهرة التى تنتشر عبر كل الدول العربية والإسلامية أو بالأحرى تنتشر تحت جلد هذه المجتمعات، فهى لاتزال فى أغلبها سرية، وإن كانت تكسب كل يوم مدافعين جدداً لأسباب اقتصادية، فضغط وقهر الظروف الاقتصادية يمهد لثورة اجتماعية توحد لأول مرة بين الشيعة والسنة، إنها ثورة الزواج الأبيض.
1- الزواج الأبيض
هذه الظاهرة تحمل أسماء مختلفة حسب كل دولة إسلامية، فى إيران اسمها الزواج الأبيض.، فى لبنان الزواج المدنى، فى مصر الزواج الحر.
وهذا الظاهرة لا ترتبط بالعولمة وسقوط الجدران والحواجز بين المجتمعات والثقافات. هذه الظاهرة ليست تغريبا أو اغترابيا أو تمسحاً بالمجتمعات الأوروبية والتقاليد الغربية. المثير أن هذه الظاهرة تعود إلى زمن السلف الصالح وصحيح الإسلام فى أيامه الأولى زمن الرسول والخلفاء الراشدين.هذه ظاهرة رجعية إذن وليست تقدمية، كما يصفها البعض. هى ظاهرة تتمسك بالأصول الإسلامية وترمى الشيوخ والملالى والمجتمعات بعدم الفهم الصحيح الدين.هذه الظاهرة على الرغم من انتشارها البطئ والسرى تقلق نوم ملالى إيران، فالملالى يرون فى هذه الظاهرة تمهيداً لثورة اجتماعية تقتلع زمانهم من إيران. وبالمثل فإن شيوخ السنة يرون فيها خروجا عن الإسلام.
الزواج الأبيض يأخذ من أركان الزواج الإشهار والوليمة، ويرفض العقد عند مأذون والمهر.
والأهم أنه يرفض كل تقاليد الزواج من شبكة وأثاث وأجهزة كهربائية وشقة تمليك أو إيجار. باختصار يرفض نظام الزواج السائد فى معظم الدول العربية والإسلامية.
2- قنطار وذهب والماس
لاشك أن المغالاة فى تكاليف الزواج هى من أهم أسباب انتشار الزواج الأبيض أو السرى أو المدنى، فقد تراجعت أسباب التحرر ورغبة الفتيات والشباب فى حرية العلاقات أمام الأزمات الاقتصادية التى تعصف بمستقبل الزواج.
بعض البلاد العربية والإسلامية تمثل الشبكة وليست المهر عقبة خرافية أمام الشباب الراغب فى الزواج، فالشبكة التقليدية فى هذه المجتمعات لا يقل وزنها عن نصف كيلو ذهب ما بين حزام من الذهب الخاص إلى الأساور الكثيرة فى كلا اليدين، مرورا بالكردانات التى تملأ الرقبة حتى الوسط بالطبع لا يجب أن ننسى الحلق والخواتم. بعض الأسر تصر على الجمع بين الشبكة التقليدية والحديثة معا، وهناك أسر تصر على الشبكة الألماظ «الماسية» والتى تبدأ من خاتم ومحبس ولا تنتهى بطقم ماسى واحد. شاهدت حفل زفاف فى اليمن منذ أكثر من عشر سنوات، وهالنى حجم الذهب الذى تريديه العروس، بل إننى أشفقت عليها من حمل هذه الكمية الكبيرة من الذهب. حين نقلت دهشتى إلى مرافقى ضحك قائلا: لسه فى طلعة تانية للعروس بالذهب الحديث لأن الشبكة تجمع ما بين الاثنين، فى مصر أو بالأحرى فى ريف بحرى وقبلى يتم طلب الشبكة من الذهب عيار 21، وتقدر قيمة الشبكة بالجرامات، فيشترط العرف شبكة بـ200 جرام ذهب أو 150 جراماً أو 300 جرام، وهكذا تبدأ الزيجة الآن بنحو 100 ألف جنيه دون الدخول فى تفاصيل الزواج، أما الشبكة الماسية فمع التعويم تصل إلى 100 ألف جنيه للخاتم ثلاثة أربعة قراريط والمحبس والدبلة، وهذه أقل شبكة ماسية.
أما تكاليف الزواج فحدث ولا حرج. رغم الاختلافات الضخمة بين المجتمعات العربية والإسلامية، فإن كل هذه المجتمعات تتفق فقط على شروط تعجيزية للزواج.بيت تمليك ومهر ضخم ليكفى شراء أثاث ومستلزمات بيت الزوجية.
وهناك نقطة شرعية متعلقة بالمهر، فبحسب الآية القرآنية المهر يجب أن يكون مشرفا ودسما لقوله تعالى (واتوهن قنطارا)، وقد حدث أن طلب الخليفة العادل عمر بن الخطاب فى إحدى خطبه المسلمين ألا يغالوا فى المهور، فردت عليه امرأة برفض الطلب استنادا للآية الكريمة، فقال عمر قولته الشهيرة «أخطأ عمر وأصابت امرأة» ولذلك تستند الكثير من العائلات فى المجتمعات المسلمة والعربية إلى هذه الآية لتبرير المغالاة فى المهور، وكلما زادت الاسعار زاد المهر، وذلك لكى يغطى تثيث أربع غرف أو ثلاث على الأقل وكل الأجهزة الكهرئابية التى اخترعها العالم المتحضر ويستخدمها العالم العربى والإسلامى فقط. ولذلك بعد حلم الزواج لدى ملايين الشباب العربى والمسلم.
3- شروط إسلامية
وقد أدت كل هذه الظروف إلى انفجار غضب وثورة الشباب بدون اتفاق مسبق فى العديد من المجتمعات الإسلامية والعربية، وبدأت الظاهرة تربط بين جميع المجتمعات العربية والإسلامية. تأخذ هذه الظاهرة مسميات مختلفة، وأخذت من الإسلام فكرتى أو مبدأ الإشهار والرضا، فالطرفان يتوافق لديهما الرضا فى العيش المشترك أما الإشهار فيتوافر من خلال إعلام كل من له صلة بالزيجة. الأهل الاصدقاء الجيران. بل إن بعضهم يتمسك بالحديث النبوى الشريف (أولموا ولو بشاة)، ولذلك يتم الاحتفال بالارتباط فى أحد المطاعم على غداء أو تتولى إحدى الصديقات ترتيب حفل عشاء أو غداء فى المنزل، وهكذا يتم الزواج الأبيض مستندا إلى قاعدتين فى الإسلام وهما القبول والإشهار، ويرى الشباب ممن خاضوا هذه التجربة أنهم لم يخرجوا عن الشريعة، ولكنهم يرفضون تقاليد المجتمع فى تقييد الزواج وتكبيله بالتكاليف الباهظة، ولذلك يرفضون العقد لأنه لم يكن موجودا أيام الرسول، ويرون أن المهر يعطل الارتباط، وأن الزواج تجربة مشتركة بين فردين يجب أن يتشاركا بحسب قدرة كل منهما، وقد قابلت أصحاب تجربتين تزوجا بهذه الطريقة، وفى الحالة الأولى أصر الشاب على كتابة عقد عرفى وتم تسجيله فى الشهر العقارى، وذلك لضمان حقوق الأبناء فى حالة موته، وقد رفضت عدة مكاتب شهر عقارى التسجيل، ولكنه تمكن فى النهاية بمساعدة أحد أصدقائه من تسجيل الزواج العرفى، وكان هذا الشاب يتمنى أن تسمح مصر بالزواج المدنى الذى يحفظ حقوق الزوجين والأولاد، ويرى أن الزواج المدنى لا يخالف الشريعة الإسلامية لأنه يحقق الإشهار والقبول.
وفى التجربة الأخرى أصرت الشابة على الارتباط بحبيبها بعيدا عن تعقيدات الزواج التقليدى، وقالت لأهلها إن الزواج الإسلامى سهل.. شهود وإشهار وزوجتك نفسى، وهو يرد وأنا قبلت زواجك، وبالفعل تزوجا بهذه الطريقة وظلا لعامين يبنيان حياتهما خطوه خطوة دون ضغوط وبحسب أحلامهما وإمكانياتهما، وبعد هذه الفترة قررا توثيق الزواج لدى المأذون. تضيف الفتاة أنها كنت ترفض منذ فترة المراهقة ربط الزواج بالمال لأنه يشير بشكل غير مباشر لعبودية الزوجة، فالزوج يشتريها بمهر ويطلقها بمؤخر صداق ويوزنها بالذهب، وكلما دفع أكثر زادت قيمتها مثلها مثل الثلاجة والغسالة أو أى سلعه أخرى، ولذلك فى تجربتها رفضت الدخول فى هذه المنظومة منذ البداية، وخاصة أن إمكانيات زوج المستقبل الذى اختارته بقلبها وعقلها معا كانت معقولة وتكفى لعيشة لطيفة، ولكن أهلها كانوا يريدون مطالب باهظة وشبكة بـ150 ألف جنيه، والشبكة غير موجودة فى هذا النظام، ولكن ممكن دبلتين من الفضة أو أى معدن آخر. سهولة هذا الارتباط سوف تسمح بانتشاره، بل ربما تمهد لاعتماد الزواج المدنى فى الدول الإسلامية والعربية، ولكن التقاليد تقف حاجزا والشيوخ والملالى يطاردونه، وما بين التقاليد والشيوخ يواجهه هذا النوع من الارتباط ضغوطا هائلة، فمن نظر الشباب أن هناك أصحاب مصالح لعدم تجديد فكرة الزواج فى الإسلام، وأن الشيوخ والملالى على حد سواء لا يشعرون بمعاناة الشباب والشابات وحاجتهم لاختيار شريك الحياة دون قيود وتقاليد، والشيوخ والملالى يحاربون هذا الارتباط ويعتبرونه زنى وعلاقة محرمة، وما بين الطرفين ثمة قيم جديدة تنمو ببطء فى حدائق المجتمعات العربية والإسلامية على حد سواء، وهذه المرة قيم تربط نفسها بالإسلام وتطالب بتجديد النظرة الفقيهة والمجتمعية للزواج، ونقله من خانة الشراء والبيع والمظاهر إلى خانة الارتباط غير المقيد بتكاليف باهظة. هذه معركة مجتمعية قد تنجح فى تحويل كامل فى قيم الأسرة فى العالم العربى والإسلامى.