تراجع النمو الاقتصادي في الأسواق الناشئة إلى أضعف مستوياته
سينخفض النمو الاقتصادي في الأسواق الناشئة إلى أضعف مستوى له منذ أوج الأزمة المالية العالمية في هذا العام، وفقا لـ"صندوق النقد الدولي"، في تراجع كبير عن توقعاته.
من المتوقع أن يصل معدل النمو في الأسواق الناشئة لعام كامل إلى 4.1 في المائة، وهو أدنى مستوى خلال العقد، وثاني أضعف رقم منذ انهيار الدوت كوم في عام 2002، بدلا من 4.4 في المائة التي توقعها صندوق النقد الدولي في نيسان "أبريل" الماضي.
هذه التوقعات القاتمة هي الأحدث من سلسلة من حالات انخفاضات هائلة لتقديرات الصندوق الذي يتخذ واشنطن مقرا له.
في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، توقع نمو في الأسواق الناشئة بنسبة 4.7 في المائة في عام 2019، بينما كانت توقعاته في (أبريل) من العام الماضي وردية للأشهر الـ12 الحالية عند 5.1 في المائة.
وتأتي وسط مخاوف متزايدة بشأن مستقبل سلاسل التوريد المعولمة وضعف نمو الإنتاجية في العالم النامي، الأمر الذي يشكك في منطق الاستثمار في الاقتصادات الناشئة.
تتركز التنقيحات التخفيضية في تحديث تقرير التوقعات الاقتصادية العالمية الفصلي الصادر عن "صندوق النقد الدولي" بشكل كلي في العالم النامي.
تم تعديل النمو بارتفاع نسبة ضئيلة في البلدان المتقدمة إلى 1.9 في المائة، بانخفاض قليل في العالم ككل، إلى 3.2 في المائة.
باستثناء أوروبا الناشئة، تم تخفيض توقعات النمو في كل منطقة من العالم النامي، وتقود التراجع الدراماتيكي أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، حيث من المتوقع الآن أن يتوسع الإنتاج فيها بنسبة 0.6 في المائة فقط هذا العام، أي أقل من نصف معدل الـ1.4 في المائة المتوقع قبل ثلاثة أشهر، وخمس معدل الـ2.8 في المائة المتوقع في نيسان (أبريل) 2018.
أشار صندوق النقد الدولي إلى "عدم اليقين" بشأن المعاشات التقاعدية والإصلاحات الهيكلية الأخرى في البرازيل، و"عدم اليقين في السياسة وضعف الثقة وارتفاع تكاليف الاقتراض" في المكسيك والانكماش الاقتصادي في الأرجنتين بسبب تشاؤمها المتزايد.
وبالمثل، يتوقع الصندوق أن تحقق المنطقة التي تشمل الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا وأفغانستان وباكستان نموا ضعيفا نسبته 1 في المائة فقط، بدلا من 1.5 في المائة وهي نسبة بعيدة كل البعد عن الـ3.7 في المائة المتوقعة في نيسان (أبريل) من العام الماضي.
إيران، من المتوقع أن تنكمش بوتيرة أسرع من توقعات الانخفاض البالغة 6 في المائة في نيسان (أبريل) الماضي وسط تشديد العقوبات الأمريكية.
كما تم تقليص التوقعات قليلا بالنسبة لرابطة الدول المستقلة في أعقاب انكماش الاقتصاد الروسي 0.4 في المائة في الربع الأول، وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حيث عانت جنوب إفريقيا انكماشا كارثيا سنويا بنسبة 3.2 في المائة مقارنة بالربع الماضي في الربع المنتهي في آذار (مارس) الماضي، إذ أصاب نشاط الإضراب وانقطاع التيار الكهربائي قطاع التعدين وانخفض الإنتاج الزراعي أيضا.
من المرجح أن تصمد آسيا الناشئة وهي مركز القوة في العالم النامي بشكل أفضل، على الرغم من أن الصين غارقة في حرب تجارية عميقة مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن صندوق النقد الدولي قد قلص توقعاته للنمو في الصين والهند وجنوب شرقي آسيا، إلا أن آسيا الناشئة ككل ما زالت تشهد توسعا بنسبة 6.2 في المائة هذا العام، أي عشر نقطة أقل من توقعات نيسان (أبريل) الماضي.
قال صندوق النقد الدولي إن المنطقة تصدر آلامها إلى حد ما، مع زيادة الإنتاج الصيني من الواردات الناعمة، التي تراجعت بنحو 8 في المائة على أساس سنوي في الأشهر الأخيرة.
في المقابل، تم تنقيح توقعات النمو لأوروبا الناشئة بارتفاع 0.2 نقطة مئوية ليصل إلى 1 في المائة، بعد عودة غير متوقعة للنمو في تركيا في الربع الأول.
حتى هنا، على الرغم من ذلك، فإن الحالة سوداوية: حتى النمو 1 في المائة سيمثل تباطؤا حادا من 3.6 في المائة في عام 2018 و6.1 في المائة في عام 2017.
علاوة على ذلك وعلى الرغم من أن صندوق النقد الدولي يرى انتعاشا يصل إلى 2.3 في المائة في العام المقبل، إلا أن هذا لا يزال دون نصف نقطة مما كان متوقعا في نيسان (أبريل) الماضي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى المخاوف المستمرة بشأن صحة تركيا.
في جميع الأسواق الناشئة ككل، من المتوقع أن ينتعش النمو إلى 4.7 في المائة في عام 2020، أي عشر نقطة أقل من توقعات نيسان (أبريل) الماضي.
دعا صندوق النقد الدولي البنوك المركزية في العالم الناشئ وكذلك تلك الموجودة في الأسواق المتقدمة إلى تخفيف السياسة النقدية لدعم الانتعاش.
وقال: "في جميع الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية يتيح التخفيف الأخير للتضخم للبنوك المركزية خيار أن تصبح متكيفة، خاصة عندما يكون الإنتاج أقل من الإمكانية وتوقعات التضخم متركزة".
في هذا الشهر وحده خفضت جنوب إفريقيا وأوكرانيا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية أسعار الفائدة، إذ انضمت إلى دول مثل شيلي ومصر والهند وماليزيا والفلبين وروسيا التي سهلت بالفعل سياستها في وقت سابق من العام. إن تشخيص صندوق النقد الدولي الكئيب يجعله أكثر انسجاما مع متنبئي القطاع الخاص.
حددت "أوكسفورد إيكونوميكس" توقعات لنمو الأسواق الناشئة تراوح بين 4.1 و4.2 في المائة هذا العام، في حين أن "كابيتال إيكونوميكس" تقدر أن النمو سوف يتباطأ إلى 3.8 في المائة فقط، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنها تعتقد أن الاقتصاد الصيني سوف يتوسع في الواقع 5 في المائة فقط بدلا من الـ6 في المائة الإضافية التي تروجها بكين باستمرار.
قال ويليام جاكسون، كبير الاقتصاديين في الأسواق الناشئة في "كابيتال إيكونوميكس": "ستكون سنة مخيبة للآمال للغاية. لم نر خارج الأزمة المالية العالمية إلا هذا النمو الضعيف خلال تباطؤ 2015 -16 وبعد انهيار الدوت كوم".
وقال نافذ زوك، كبير خبراء اقتصاد الأسواق الناشئة في "أكسفورد إيكونوميكس": "بالنظر إلى الأسواق الناشئة الكبيرة والسائلة، لا يبدو أن أحدا قادر على أن يعمل جيدا"، حتى مع بدء تباطؤ نقاط إيجابية سابقة مثل الصين وأوروبا الشرقية، لارتباط ثروات أوروبا الشرقية بمنطقة اليورو المتذبذبة.
ألقى جاكسون جزءا كبيرا من اللوم على جنوب إفريقيا والبرازيل وروسيا والمكسيك التي مرت جميعها بـ"بداية سيئة للغاية لهذا العام" بسبب عوامل مثل انهيار سد كارثي في منجم حديد برازيلي، أدى إلى مقتل 240 شخصا، وتضرر نتاج التعدين بشدة، وزيادة في ضريبة القيمة المضافة في روسيا التي تقيد النشاط.
على الرغم من أن هذه العوامل غير اعتيادية، إلا أن جاكسون قال إن هناك خصلة مشتركة تتمثل في أن هذه البلدان جميعها مصدرة للسلع، "وتكافح للتكيف مع انخفاض أسعار السلع الأساسية. وقد كانت تتعثر فلن يستغرق الأمر كثيرا لإخراجها عن مسارها" حسب التقرير.
مع مرور الأرجنتين وتركيا بـ"فترات ركود عميقة"، قال جاكسون إنه "من غير المعتاد أن يكون عدد كبير من الاقتصادات ضعيفا للغاية".
ومع ذلك، نظرا لوجود كثير من التباطؤ بسبب "عوامل مؤقتة من غير المحتمل أن تتكرر"، أشار إلى أن أسوأ جزء في التباطؤ قد يكون مر الآن، إذ تشهد الأسواق الناشئة ككل زيادة متواضعة في النمو إلى 4 في المائة في عام 2020.
قال جاكسون: "ربما كان الربع الأول أدنى مستوى من التباطؤ. يجب أن يكون النمو أقل قليلا من 4 في المائة في النصف الثاني، وربما يرتفع قليلا في عام 2020".
يتوقع زوك ارتدادا في العام المقبل إلى 4.5 في المائة، على الرغم من أن هذا سيظل مخيبا للآمال بالمعايير التاريخية.
وأشار إلى استمرار الرياح المعاكسة حتى بعد الانكماش الدوري في أمثال انعكاس الأرجنتين وتركيا، مثل الأدلة على انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى العالم النامي.
ومع ذلك، قال زوك إن هناك بعض علامات الأمل، مثل تحرك البرازيل نحو إصلاح نظام التقاعد الذي تحتاج إليه بشدة، وبدء جنوب إفريقيا في معالجة الفساد على نطاق واسع.
وأضاف حتى التهديد المتمثل في زيادة الحمائية التجارية في الولايات المتحدة والصين قد يحقق بعض الفوائد، إذ تسعى البلدان الناشئة إلى فرص أكبر للتجارة مع بعضها بعضا، وتنمية كتل تجارية إقليمية في أمثال أمريكا اللاتينية وإفريقيا.
على الرغم من تباطؤ النمو، جادل زوك بأن الأساس المنطقي للاستثمار في الأسواق الناشئة ظل سليما، خاصة في عصر أسعار الفائدة المنخفضة على ما يبدو لفترة أطول في العالم المتقدم.
قال "تدفقات رأس المال التي سيتم توليدها عن طريق التسهيل النقدي الفائق يجب أن تكون، بالنسبة لبعض الأسواق الناشئة لحظة الفرصة" طالما أن الإيرادات تستخدم بشكل جيد.
وجادل جاكسون أيضا بأنه لا تزال هناك فرص استثمارية إيجابية في العالم النامي، مشيرا إلى بعض التطورات الإيجابية التي يتم إغفالها في كثير من الأحيان، مثل أنظمة السياسة النقدية المحسنة في البرازيل وروسيا.
قال جاكسون: "منذ خمسة أو ستة أعوام كان التضخم مشكلة ولم تتمتع مصارفها المركزية بمصداقية كبيرة، لكنها تحسنت بشكل ملحوظ. ليست تركيا فحسب، هناك البرازيل أيضا".
"إنها بالتأكيد بيئة أكثر تحديا تستثمر في الأسواق الناشئة، لكن هذا لا يعني القول إنه لا توجد أسباب لفعل ذلك. لا تزال هناك حالات إيجابية يتعين رصدها في الأسواق الناشئة. إنها تنمو بسرعة أكبر من الأسواق المتقدمة".