د. رشا سمير تكتب: زواج فى قفص الاتهام
طالما سقطت مجتمعات بسقوط دولة الأخلاق..وطالما انحدرت قيم بظهور قواعد مختلفة تحكم سلوك البشر.. طالما تباعدت المسافات وتلاقت الأفكار فاتسعت الدوائر أو ضاقت..
من يحكم الآخر؟ المجتمع أم العادات؟ الشرع أم القانون؟!..
ألف سؤال يبحث عن رد..ودائرة مفرغة تأخذنا الى نفس البداية وأول الحكاية..
أول الحكاية تعود للأمس حيث كانت العلاقة بين الرجل والمرأة هى علاقة حُب تؤدى الى الزواج، العلاقة الطبيعية التى شرعتها الأديان، علاقة سكن ومودة ورحمة..
رجل وامرأة وأطفال وبيت جدرانه مصنوعة من السعادة..ثم بدأت المرأة تلتقط أنفاسها وتبحث عن كيانها الذى توارى كثيرا خلف زوج كل إمكانياته فى كثير من الأحيان أن ظله يضاهى ظل الحيطة!.
وحين أصبحت المرأة تمتلك زمام حياتها، أصبح لها متطلبات واعتراضات ومحظورات..فاختلف الوضع..
تغير شكل العلاقة بين الرجل والمرأة.. الرجل مازال يريد المرأة حبيسة فى قمقمها الذهبى ليظل صاحب اليد العُليا عليها.. هو يسير وهى تتبع.. هو يأمر وهى تنفذ.. هو يختار متى يرحل ومتى يعود.. متى ينفصل ومتى ينسحب؟!..
وهى.. تبقى للأبد قليلة الحيلة.. سيدة فى انتظار أن يحنو عليها المجتمع، أن ترفق بها محكمة الأسرة، أن يرأف بها أولادها، وأن تقف أسرتها فى صفها حتى لو كانوا مضطرين!..
زادت نسبة الطلاق والانفصال داخل البيت الواحد.. وتغير شكل العلاقة الطبيعية التى عرفها البشر منذ خُلق آدم وحواء..فتوارت خلف الأبواب آلاف القصص منها ما تشابه ومنها من اختلف.. والنتيجة واحدة..
اثنان تحت سقف واحد، كل يعيش فى دنياه، دون سلام أو كلام..حتى يتقن الأبناء لغة الصمت من ذويهم!..
مع مرور الوقت ومع انتشار الحريات بشكل أكبر..زادت تطلعات النساء الباحثات عن حقوق أكثر..وعلت الأصوات النسائية تطالب بالاستقلال التام.. ومع استقلال المرأة ماديا وفى خضم زوجات تحصل على رواتب أكبر من رواتب الأزواج، بدأ الرجال يلقون بالمسئولية المالية والاجتماعية فى حجر زوجاتهم.. وتبدلت الأدوار!.
لم تعد المسألة مجرد نساء يبحثن عن المساواة بل أصبحن نساء يبحثن عن القوامة!..
فمن وجهة نظر الكثيرات، أن القوامة التى كان شرطها الأساسى الإنفاق سقطت يوم وضعن النساء أيديهن فى جيوبهن ودفعن حساب السفر والمدرسة واللابتوب وأحيانا فاتورة الكهرباء وايجار الشقة!..
هكذا تحولت المرأة الى نصف رجل..هى ربة البيت وهى قدوة الأولاد وهى المسئولة عن الإنفاق على الأولاد بحجة أنها تعمل وتستقطع من وقت البيت..
أما الأزواج فقد آثروا اعتلاء أبراج المراقبة!..متفرجين..
يراقبون من أعلى..يجلسون فى بروجهم العالية..يثرثرون ويشتكون ويتباكون ويغضون البصر عن تقاعسهم المادى والنفسى وبالمرة يتابعون مباريات كرة القدم!..
من هنا ظهرت للعلاقة أشكال ومسميات جديدة أربكت المجتمع..
الظاهر شىء، والمستتر شىء آخر..باتت العلاقة بين الرجل والمرأة فى خطر جسيم.
لم يعد الزواج والطلاق أو الانفصال هما الشكل الوحيد لتلك العلاقة..بل ظهرت أشكال جديدة بمفاهيم جديدة..علاقات جعلت المجتمع ينزلق وينقسم ويختلف..
انقسم المجتمع الى نصفين..نصف متحفظ متدين يلفظ كل المسميات الجديدة، يعترض على شكلها ومضمونها..والنصف الآخر يؤيد ويبارك ويرى أن المدنية والتحضر والحريات هم التطور الطبيعى لمرحلة سى السيد التى يجب أن تختفى..
مجموعة تعارض وصموها بالرجعية، ومجموعة تبارك وصموها بالتحرر..والحرب مازالت دائرة بين الطرفين..
وعلى أعتاب تلك الحرب المستترة مازال المجتمع يخرج علينا كل يوم بمسميات جديدة وابتكارات عديدة..
اليوم نطرق باب تلك العلاقات..ونطرح بعض المحظورات بكل حيادية وبلا تردد حتى لو كان هذا الباب الذى نفتحه هو عش الدبابير!.
زواج بلا ورقة:
هو رجل تزوج وتعثر فى زواجه، أو بالأحرى خنقته القيود وتبعيات الزواج، بعد ثلاثة أبناء وزوجة ضحت بشبابها لكى يبنى هو نفسه ويصل الى أعلى السلم..بعد زواج مستقر لم يشوبه شائبة لمدة عشرين عاما، استيقظ وفى قلبه غصة، يشعر باختناق أو هكذا قال لزوجته!.
« أريد مساحة لأتنفس، سئمت دور الأب ومتطلبات وظيفة الزوج..أريد أن أعيش بمفردى بلا قيود»..
انكسرت الزوجة، بكت قصة عشقها وسنوات عمرها التى راحت سُدى.. ارتبك الأبناء..وانشرخت جدران البيت، ثم ووقع الطلاق..
لم تتصور الزوجة أبدا أن وراء تلك المسرحية السخيفة امرأة أخرى!..كيف؟ وهى لم تقصر يوما تجاهه!.
فى الحقيقة القصة لم تكن وراءها امرأة واحدة، بل نساء عدة..واحدة واثنان وثلاثة..العصفور الطليق مازال يبحث عن عُش يغفو إليه.. ولكن هذه المرة بلا ورقة! ولا مأذون! ولا مسئولية تنغص عليه حياته.
هذه القصة ليست فريدة من نوعها ولا من وحى خيال المؤلف، بل هى قصة تحدث كل يوم..
سيدة مُطلقة ورجل فشل فى الزواج، يلتقيان على مبدأ واحد: الوقت اللطيف لا تتبعه مسئوليات!.
وماذا عن كلام الناس وورقة المأذون؟!..
الرد هو: لقد كان البشر فى البدايات يتزوجون بمجرد الإشهار.. بلا ورقة ولا دفوف ولا فستان أبيض.. فقط الإشهار..وهو ذات الشىء.. فلماذا نكيل بمكيالين؟!.
أصدقاؤهم يعرفون ومعارفهم يباركون وهم يظهرون فى العلن متلازمين.. إذن فهم أمام الأصدقاء زوجان.. ما الفرق؟
الفرق هو سؤال يحتاج الى إجابة.. من يحمى حقوق الأبناء من تلك العلاقة؟ والى أين تأخذ المجتمع علاقة كتلك؟ هل هم حقا أحرار أم أن للمجتمع أيضا حقاً عليهم؟.
زواج نصف وقت:
هى فى الأغلب ليست الزيجة الأولى له أو لها.. بل هى الثانية وربما الثالثة وأحيانا الرابعة!..
المنطق يقول إن هذا الشكل من العلاقات لا يمكن أن نُطلق عليه كلمة (زواج) على الرغم من أنه يتم بعقد زواج..والواقع يقول، انها الزيجة الأكثر نجاحا فى المجتمع المصرى حتى الآن!.
زواج تحت بند..أعطنى مساحتى وأعطيك مساحتك!..
زواج يتم على يد مأذون اذن هو دون شك حلال..الزوج لديه أطفال ومسئوليات وربما حياة لا يريد لأحد أن يقتحمها حتى لو كانت زوجته، والزوجة لديها أطفال أو ربما ليست لديها أطفال ولكنها لا تريد لرجل أن يخنقها لتعيد تجربة زيجات فاشلة خاضتها من قبل..كل منهما يريد أن يكون لحياته مفتاحا واحدا فقط لا يعطى نسخا منه لأحد غيره أو غيرها!.
النتيجة واحدة..هما زوجان لمدة ثلاثة أيام وباقى الأسبوع إجازة!..
تلك الزيجة هى الزيجة التى أصبحت مطمح كل الرجال بل والنساء فى مصر، أصدقاء وسهر وسفر وعشق.. بلا مسئوليات أبوية أو اجتماعية أو مادية وأحيانا ولا حتى طبيخية!..
سألناه فقال: «النساء خانقات ومطالبهن لا تنتهى، قادرات لو طالت المدة أن يحولن حياتك الى جحيم»
سألناها فقالت: « لا أريد لأبنائى أن يعشيوا مع رجل غريب، قد يحبونه وقد يكرهونه وفى الحالتين، المشاكل آتية لا محالة..أريد مساحتى لأتحرر وأعيش».
ويبقى السؤال..هل من حق المجتمع أن يحاكمهم؟ هل من حقنا أن ننتقدهم طالما لم يسيئوا لغيرهم؟ والى أين تأخذ الأبناء تلك العلاقة؟
زواج الصمت:
وتأتى الصورة المؤسفة لأغلب الزيجات،علاقة طرفاها لا يلتقيان، بل كلما حاولا الاقتراب ازدادا بُعدا..هل حقا يقتل الزواج الحُب أم تقتله التبعيات؟..النتيجة واحدة..
رجل وامرأة يعيشان تحت سقف بيت واحد..كل فى حاله، بلا حوار ولا جدال ولا حتى وصال..
فقط حالة من الصمت..
أحيانا يحاولان الفرار من تلك الحالة الى الطلاق أو الوئام، بلا أمل..فالطرق تقاطعت فى مرحلة ثم تفرقت..ويبقى الأبناء هم الخيط الوحيد الذى يجبرهما على البقاء..وتبقى مصلحة الأطفال هى المصلحة العُليا التى تُبدى فوق كل الشعارات الأخرى..
تلك هى الصورة المشروخة لأغلب البيوت لكنها مازالت صورة لها تأثير سلبى على مجتمع يتأرجح بين الخطأ والصواب وأبناء لا يجدون فيها صورة لعلاقة مثالية..
Single وأفتخر:
كل تلك العلاقات المُعقدة، ذات الوجوه القبيحة فى بعض الأحيان أخذت الشباب الى نتيجة واحدة..
فقد وصلت معدلات الطلاق فى مصر الى أعلى مؤشراتها، بعد طلاق يقع لحديثى الزواج كل يوم، وطلاق يقع فى بيوت تخطى عُمر الزواج فيها العشرين عاما..
دق جرس الانذار ليعلن أن الطلاق لم يعد له شكل ولا عمر ولا حتى سبب واحد..
مما جعل الشباب يتقهقرون للخلف، فلا الرجال يريدون الزواج ولا الفتيات يسعين اليه..
أصبحت العزوبية هى مأرب الجميع ولم تعد كلمة (عانس) كلمة اجبارية على من يفوتها قطر الزواج، بل استبدلوها بكلمة Single، ليصبح هذا الاختيار سمة جيل لا يهمه نظرة المجتمع ولا انتقادات الأهل والجيران..
تنتهى الحكاية وتبقى المعضلة الوحيدة..ما تأثير تلك العلاقات أو الأطوار المستحدثة على الأجيال الجديدة؟.
هل الأبناء الذين يعيشون فى ظل علاقة بلا اسم أو علاقة مبتورة الملامح هم أطفال أصحاء أم أنهم ضحايا لأوضاع لم يختاروها ولآباء لم يتعودوا أن يتحملوا مسئولية الزواج الصحيح وتبعياته؟..
مما لاشك فيه ان الارتباك الذى أصاب العلاقات الزوجية هو ارتباك مجتمعى سوف يصيب ما هو قادم..حرية الاختيار مكفولة للجميع..ولكن..هل سقط المجتمع فى الفخ؟..
سؤال أترك اجابته لكم...