"من رحم المعاناة ولدّ حلمهم".. حكاية أول فريق لكرة القدم لقِصار القامة في مصر
يقف وسط أرضية أحد ملاعب مركز شباب الجزيرة الخضراء ممسكًا بصافرة الحكم، يُحمّس فريقه الذي جمعه من أنحاء الجمهورية كافة، يرى حلمهم المشترك يتحقق خطوة تلو الأخرى، "العب يا وليد، شد حيلك يا شيريا.. عاش يا شباب" بتلك الكلمات يشد علي شعبان مؤسس فريق نجوم الخير لقصار القامة، آزر لاعبيه الذين يصفهم بأنهم إخوته.
أسس "شعبان" والذي يرأس جمعية النجوم الخيرية، أول فريق لكرة القدم من فئة قِصار القامة منذ قرابة عام، على الرغم أن الفكرة ظلت تداعب رأس شعبان وإبراهيم مراد مدرب الفريق من عام 2016، استلهمها من طاقة هؤلاء الشباب الذين أثبتوا أنفسهم في رياضات أخرى مثل ألعاب القوى ما بين رمي الجُلة والرمح، ورفع الأثقال، وكان أول ظهور رسمي لهم في المهرجان العالمي الثاني لتنشيط السياحة لقصار القامة بشرم الشيخ، والذي عُقد في الفترة من 27 مارس وحتى 1 إبريل من العام الجاري.
لا تخضع كرة القدم هنا لقوانين العمر البشري "إحنا بادئين من سن 18، ولكن أصغر لاعب في الفريق عنده 12 سنة لحد 31"، هكذا بدأ "شعبان" مؤسس الفريق حديثه، مؤكدًا أنهم لا يقبلون تبرعات من أي جهة أو منظمة سواء حكومية أو مجتمع مدني، والفريق قائم على التمويل الذاتي "كنا بنلم من بعضنا إيجار الملعب وبنحب نعمل كده على طول ومبناخدش حاجة من حد".
على الرغم من أنه لا يوجد مقابل مادي نظير عنائهم إلا أن أعضاء الفريق يأتون خصيصًا مرتين أسبوعيًا ليمارسوا هوايتهم المفضلة من محافظات بعيدة، ويقطعون مسافات طويلة فقط ليشعروا بالدفء والحب والمرح والأمل أيضًا الذي يحدو الفريق.
وبرغم من عناءه الشديد الذي وجده طيلة حياته في مسقط رأسه بمحافظة الإسماعيلية، إلا أن محمد شريف – شيريا كما يطلق عليه أصدقائه- يأتي أسبوعيًا لكي ينضم للفريق، ويُعرف عنه أنه بطل لعبتي رمي الجُلة والرمح، لكنه بمجرد أن سمع عن الفريق لم يتردد لحظة "أنا انضميت للفريق لما شوفتهم على الفيس بوك وبقيت فرحان إن فيه حاجة اسمها كرة قدم لقصار القامة".
ويقف "شيريا" داخل أرضية الملعب ليساعد صديقه على لبس الحذاء الرياضي حتى يتسنى لهم بدء المباراة "الجميل أن لا أحد من هؤلاء يشعر بالحرج أو الضيق وسط الفريق، بل كما يؤكدون جميعهم أن الروح الإيجابية فيما بينهم هي أحد الأسباب الرئيسة التي تجمعهم وتنسيهم طول المسافات، وأيًا كانت الظروف التي يمرون بها، فهم دائمًا على الموعد". بحزن شديد يُحاول أن يستكمل حديثه "أنا بكون سايب ظروف في البيت رغم كده لازم أجي وأتدرب معاهم.
اعتاد أصحاب القامات القصيرة على المشاركة في الألعاب البارالمبية من رفع أثقال لرمي القرص والجُلة، وأيضًا الرمح، ورياضات أخرى مختلفة تدور في هذا الإطار، ولكن المشاركة في ألعاب مثل كرة القدم، هذا هو الجديد واللافت في الموضوع "كلمنا أستاذ علي شعبان وقالنا عايزين نعمل فريق للأقزام يلعب رياضة مختلف غير ألعاب القوى" يقول أحمد بدوي أحد أعضاء الفريق، الذي جاء من السيدة زينب لمشاركة أصدقائه.
لقد شرعت النظرة السلبية والأحكام المسبقة التي ظل يصدرها المجتمع لقصار القامة في التبدد، وبفضل هذه المجموعة أصبح لفئات كانت مهمشة لسنوات عدة صدا مسموع، ويقول "شريف" بنبرة صوت حادة "كان زمان مافيش فيه حاجة اسمها قصار القامة ولا حد يعرف يعني إيه قصار القامة، دلوقتي أنا بقيت زيهم وبلعب كرة قدم"
"نظرة الناس اختلفت" هكذا يصف أحمد بدوي التغير الواضح الذي أحدثه تكوين الفريق على هذه الفئة، لقد عانى الكثير من التعليقات الساخرة من المجتمع، لكن هذه الممارسات لم تعد تعيقه فهو يعرف جيدًا كيف يتعامل معها، كما أنه لديه حلم يكاد أن يصبح حقيقة بين ليلة وضحاها.
يضم فريق نجوم الخير بين أعضائه ذوي الاحتياجات الخاصة أيضًا، وليس قاصرًا على أصحاب القامات القصيرة فقط، فمحمد سعودي رغم بنيته الهزيلة إلا أنه يعشق كرة القدم ولأجلها جاء على أحرّ من الجمر من محافظة المنوفية، فهنا لا مكان للحرج.
شبابٌ طَموح كل غايته أن يمثل منتخب بلاده في المحافل الدولية، شاركوا في المهرجان العالمي بمدينة شرم الشيخ، الذي دُعيت إليه المملكة المغربية والتي تحركت بخطى سريعة والتحقت بكأس كوبا أمريكا في بوينس آيرس الأرجنتين لقصار القامة كضيف شرف البطولة من خارج القارة، العام الماضي.
على أرضية أحد الملاعب بمركز شباب الجزيرة يجتمع فريق نجوم الخير مرة أسبوعيًا، ومرة أخرى بمركز شباب الساحل بمدينة القاهرة، يلعبون ويمارسون لعبتهم المفضلة، يضحكون ويمرحون سويًا غير مُبَالين بظروفهم الصحية أو الاجتماعية، جُل ما يدور بأذهانهم أن يأتي اليوم الذي يشاركون في بطولة "كوبا أمريكا لقصار القامة 2020" على غرار ما فعلته المغرب ورفع علم مصر عاليًا.