عادل حمود يكتب: باتريوت وتاد وتريومف نجوم العام.. حرب الصواريخ والصواريخ المضادة فى الشرق الأوسط
تركيا مهددة بالطرد من الناتو بعد أن اشترت من روسيا منظومة الدفاعات الجوية S400
أمريكا تمتلك 13 منظومة متعددة للدفاعات الجوية.. وروسيا تمتلك 18 منظومة متشابهة
تغيرت عقيدة الشرق الأوسط من الإيمان بالقصيدة إلى الثقة فى الرصاصة.
أصبح الحوار فى تلك المنطقة التى تثير التوتر والقلق مفخخا بالبارود بعد أن كان متفتحا بالشعر.
وما أن انتهى تفاخرها بمبدعيها حتى راحت تشيد بما تملك من صواريخ عابرة للحدود ويورانيوم قابل للتخصيب الثقيل وجواسيس يرصدون «الجنين فى بطن أمه» وميديا ليلية لاتكف عن تبادل الصخب.
إن شخصية هذا العام لن تكون مغنية رائعة مثل بونيسيه جيزيل كارتر أو نجومية سينمائية مبدعة فى حجم توم هانكس أو موهبة سياسية مباغتة على طريقة جاريد كوشنر ولكن شخصية العام ستكون منظومة الدفاعات الجوية الروسية «إس ــ 400» التى حصلت عليها تركيا لتصبح حديث العالم وأكثر الكلمات ترددا على الفضائيات الإخبارية.
إن تركيا دولة لها طبيعتها غير المتكررة جعلتها تعانى من تناقضات حادة ومزمنة فرضتها عليها خريطة الجغرافيا وضاعفت من شدتها أحداث التاريخ التى عاشتها بجانب رغبات مجنونة تعترى قادتها وهم يبحثون عن حاضر مختلف ومستقبل مجهول.
تناقض تفرضه الأرض التى تقع مساحتها الرئيسة فى قارة آسيا بما تحمل من تواضع فى التقدم وتقع مساحة صغرى منها تكاد لا تقاس فى قارة أوروبا بما تحمل من جنوح نحو التطور ويربط بينهما جسر معلق يسمى «جولدن بريدج» ينقل إلى أوروبا أفكارا ظلامية متخلفة أكثر من الأفكار المتفتحة التى يأتى بها من الجانب الآخر.
وربما لهذا السبب تعانى أنقرة من علاقات سيئة بغالبية العواصم الأوروبية وفى الوقت نفسه لفظ الاتحاد الأوروبى تركيا واعتبرها جسما غريبا عنه يصعب الاندماج فيه.
تناقض تفرضه الهوية الضائعة بين خلافة إسلامية انقرضت وسقطت وتناثرت بفعل التجمد وبين علمانية إجبارية فرضت عليها منذ حكم كمال أتاتورك ألغت العمامة وفرضت القبعة وحرمت الحجاب وسمحت بالإلحاد وغيرت حروف اللغة وأجهزت على نفوذ رجال الدين وبالدستور اعتبرت الجيش والقضاء حاميين للعلمانية.
ويسعى أردوجان جاهدا لإعادة مجد الباب العالى فى إسطنبول ليكون السلطان العثمانى الجديد وهو ما يثير صراعا حادا بين أنصاره ومعارضيه جعل منه ديكتاتورا يفرض سياسته بالعنف والقسوة.
تناقض تفرضه المصلحة بين علاقات عسكرية عريقة ومتينة بين تركيا وإسرائيل (أولى دول المنطقة اعترافا بها) يصعب إنكارها وبين سعيها إلى ركوب القضية الفلسطينية لتراهن بها على زعامة العالم السنى وتفكك العالم العربى.
تناقض تفرضه السياسة بين تبعية تركية عريقة للولايات المتحدة جعلت من أرضها قواعد أمريكية وسهلت لها عضوية حلف الناتو وبين رغبتها فى التحرر منها والتعامل بندية معها.
ويفسر التناقض الأخير لجوء أنقرة إلى موسكو لشراء منظومة «إس ــ 400» بعد أن رفضت واشنطن إمدادها بمنظومة «باتريوت» أو منظومة «تاد» أو غيرهما من المنظومات المصممة لحماية الجيوش والمناطق المأهولة والبنية التحتية ضد الصواريخ البالستية بصواريخ مضادة أرض ــ جو.
وتمتلك الولايات المتحدة 13 منظومة متعددة المستويات للدفاعات الجوية على رأسها منظومة تاد بينما تملك روسيا 18 منظومة متعددة ومشابهة على رأسها « إس ــ 500» الجيل الأكثر تطورا من المنظومة التى حصلت عليها تركيا.
توصف منظومة «إس ــ 400» باسم تريومف طورها فى التسعينيات مكتب «الماز» للأبحاث العسكرية وانضمت للقوات الروسية عام 2007 وتستخدم أربعة صواريخ مختلفة المدى لتغطية عملياتها بجانب رادارات متطورة تلتقط الصواريخ المعادية وتتعامل معها فى فترة قياسية وبنسبة عالية لم تصل إليها منظومة باتريوت.
وحسب ما نشرت الصحف التركية فإن المنظومة تمتد إلى نحو 600 كيلومتر وحسب ما ذكر أردوجان لرؤساء تحريرها ــ يوم وصول أجزاء منها ــ فإنه مشغول بما يحدث فى منطقة شرق البحر المتوسط التى اكتشف فيها الغاز الطبيعى ويثير تفاهم دولها (مصر واليونان وقبرص وإسرائيل) معا أعصابه بل إنه يخشاها.
ولكن لابد من التحفظ على ما ينشر علنا من المعلومات المباحة عن أسلحة ما فالحقيقة لا يعرف أسرارها سوى منتجها ومستعملها وجواسيس الدول المعادية لو نجحت فى اختراق الحواجز الصلبة المفروضة عليها.
وهناك حقيقة أخرى يصعب تجاهلها: إن أسواق السلاح ليست بازارات تجارية يسهل شراء ما تعرض من بضاعة وإنما هى أسواق محكومة باعتبارات سياسية صارمة تفرض نفسها على البائع والمشترى والوسيط السمسار إن وجد.
إن الشرط الأهم فى هذه الصفقات أن السلاح الذى تشريه دولة ما لا يمكنها استعماله ضد الدولة التى باعته والأفضل أن تستخدمه ضد دولة معادية للدولة البائعة.
والمعنى المقصود: إن تركيا بشرائها منظومة تريومف أصبحت حليفة لروسيا يستحيل عليها إعلان الحرب ضدها وفى الوقت نفسه اختلت علاقتها العسكرية مع الولايات المتحدة مما يهدد بقاءها فى حلف الناتو ومما يعرضها لمزيد من العقوبات الأمريكية فى وقت تعانى فيه الليرة بضعف يصل إلى الهزال وترتفع معدلات البطالة بما يهدد بقاء أردوجان فى السلطة وكان فشل حزبه فى انتخابات بلدية إسطنبول مؤشرًا لم يحتمله.
ولكن الأهم: إن الدب الروسى بعد أن وضع قدما فى سوريا بالدعم العسكرى لنظامها القائم وضع القدم الأخرى فى تركيا وأصبح فاعلا ومؤثرا ولا يمكن تجاهله فى المنطقة بأسرها.
يتكون نظام تريومف من أربعة أقسام:
رادار بعيد المدى يلاحق الأهداف وينقل المعلومات إلى مركز القيادة.
مركز لتحديد الأهداف وعربات متحركة تعطى الأوامر بإطلاق الصواريخ.
عربات لإطلاق الصواريخ تحمل كل منها أربعة صواريخ.
رادار مهمته توجيه الصواريخ نحو الهدف بعد إطلاقه.
والمؤكد أن هذا النظام وغيره من النظم المشابهة والمنافسة يعكس حقيقة لا مفر من قبولها فى الحروب الحديثة وهى أنها حرب صواريخ متعددة المدى ستكون ميادينها السماوات أما أهدافها فالمدن والبشر والبنية التحتية ومراكز الدفاع ومناطق الخدمات.
وفى سرية تامة طورت الولايات المتحدة وروسيا أنواعا من الصواريخ بعيدة المدى وقادرة على عبور الغلاف الجوى وتدمير الأقمار الصناعية وعبور القارات حاملا ما يقرب من عشرين رأسا نووية بسرعة تتجاوز 21 ضعف سرعة الصوت.
ولخوف الولايات المتحدة وإسرائيل من وجود صواريخ إيرانية متطورة يمكن أن تصل إلى مدن قريبة ومدن بعيدة فى المنطقة تراجعت تهديدات واشنطن لطهران رغم وجود حاملة الطائرات الأمريكية العملاقة: «إبراهام لينكولن» فى منطقة الخليج ولكنها لم تأمر بإقلاع طائرة واحدة أو أمر بتحميل صواريخ فى بطنها وربما لتلك الأسباب وصفها الحرس الثورى الإيرانى بأنها مجرد ديكور.
وكلما طورت دولة صاروخا طورت دولة منافسة نظامًا دفاعيًا مضادًا وهكذا توصلت روسيا إلى نظام تريومف وباعته إلى تركيا بل منحت تركيا أسراره التكنولوجية وسمحت لها بتصنيعه بنفسها فيما بعد وهو أمر بدا غريبا ولكن لو عرفنا بأنه سيصبح نظاما أقل تطورا بعد شهور قليلة حين تدخل منظومة إس ــ 500 الخدمة فى القوات الروسية فإن الغرابة سرعان ما تزول.
كما أن نظام تاد الأمريكى أكثر فاعلية من نظام تريومف وصممت نظام تاد شركة لوكهيد مارتن للأنظمة الفضائية عام 1987 ليبدأ تصنيعه بعد نحو عشر سنوات ويتكون النظام من أجهزة قذف صواريخ والقذائف الاعتراضية مزودة بأجهزة استشعار عن بعد قادرة على التمييز بين الأهداف الحقيقية والأهداف الوهمية بالإضافة إلى محطة رادار كشف وتتبع ومركز قيادة متحرك مما يعطى النظام خفة حركة عالية والقاذف مجهز على عربة مناسبة وتضم البطارية الواحدة 9 عربات تحمل كل منها من 6 إلى 8 صواريخ إضافة لمركزين للعمليات ومحطة لتصحيح وتحديث المعلومات وإرسال الأوامر الفورية للصواريخ كى تستفيد منها.
ولكن تركيا لم تستطع الحصول على نظام تاد فلم يكن أمامها سوى نظام تريومف الذى وصلت أجزاء منه جوا إلى قاعدة أكينجى التى تغير اسمها إلى قاعدة مرتد بعد محاولة انقلاب عام 2016 ضد أردوجان.
كانت أكينجى من أكبر وأهم القواعد العسكرية الجوية فى البلاد ولكنها ما أن استخدمت مركزا لقيادة الانقلاب وأقلعت منها الطائرات العسكرية التى ضربت البرلمان ومقر الرئاسة حتى خفضت إلى مجرد مطار حربى.
كانت القاعدة قد أنشأت فى عام 1960 فى سهل قريب من أنقرة يسمى مرتد ومرتد كلمة تعود إلى عام 1402 عندما هزم الجيش العثمانى أمام جيش تيمور المغولى وأسر السلطان «يلدريم بيازيد» الذى طلب من جيشه أن يرتد.
فى عام 1995 تغير الاسم إلى أكينجى ولكن بعد الانقلاب وجد أردوجان أن اسم مرتد مناسب أكثر.
ولا شك أن حصول تركيا على تريومف سيضع الولايات المتحدة أمام احتمالات متعددة لن تختار منها ما يناسبها إلا بعد حسابات استراتيجية دقيقة:
أن تبيع نظام تاد الأكثر تطورا إلى حلف الناتو كى يظل أكثر قوة من تركيا إذا ما قرر بقاءها فى الحلف.
أن تبيع نظام تاد إلى السعودية كى لا تكمل صفقتها مع روسيا لشراء تريومف الأكثر فاعلية من باتريوت ولكنه أكثر فاعلية من تريومف.
أن تسعى الدول المتحالفة فى شرق المتوسط فى مفاوضاتها معها للحصول على نظام تاد كى تتراجع عن المضى فى مفاوضات الحصول على تريومف.