مي سمير تكتب: "البنتاجون" استخدم ميليشيات "الإخوان" لإسقاط دول ربيع العربي

مقالات الرأي



واشنطن أبلغت الجماعة بتجهيز نفسها لحكم مصر وسوريا وتونس عام 2007

المخابرات البريطانية طلبت من أمير قطر وضع "الجزيرةط تحت تصرف الجماعة

"بن لادن" خطط لاغتيال مبارك.. وبريطانيا دفعت له 100 ألف إسترلينى لقتل القذافى

زعيم القاعدة توفى عام 2001 والمخابرات البريطانية استخدمت شبيهين له لإيهام العالم بوجوده


لا يتوقف الصندوق الأسود لجماعة الإخوان عن الكشف عن أسرار جديد للجماعة الإرهابية التى جمعتها علاقات متشابكة مع مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية الغربية، والذى فضحه الكتاب الفرنسى الجديد «أمام أعيننا، حروب مزيفة وأكاذيب كبيرة»، للكاتب والباحث تيرى ميسان، الذى تضمن أسرارا جديدة من تاريخ الإخوان، منها دمج هذا التنظيم الإرهابى فى وزارة الدفاع الأمريكية «بنتاجون».



1

البنتاجون يسيطر على «الإخوان»

فى بداية تسعينيات القرن العشرين، قرر البنتاجون العمل مع الإسلاميين، الذين كانوا يعتمدون حتى ذلك الوقت على وكالة المخابرات المركزية فقط، فى عملية تمت تسميتها «جلاديو. ب»، فى إشارة إلى الأجهزة السرية لحلف الناتو التى استخدمت ميليشيات عسكرية فى أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، لضرب الأنظمة المعادية للحلف.

طوال 10 سنوات كان جميع قادة التنظيمات الإسلامية الإرهابية بمن فيهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى، زعيما تنظيم القاعدة الإرهابى يسافرون على متن طائرة تابعة للقوات الجوية الأمريكية.

وشاركت بريطانيا وتركيا وأذربيجان فى هذه العملية عبر مراحلها المختلفة، وكنتيجة مباشرة تم دمج الإسلاميين بشكل علنى فى قوات الناتو، وإذا كان البنتاجون يسيطر على جماعة الإخوان، فإن لندن كانت مركز العمليات، وأصبحت بشكل علنى المركز العصبى لـ«جلاديو. ب»، لدرجة تسمية العاصمة البريطانية بـ«لندنستان».

ولا توجد مسافة واضحة بين تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان وداعش فى العملية الجديدة إذ تعاونت هذه التنظيمات من خلال إدارة صارمة من جانب الناتو والمخابرات الأمريكية والبريطانية إذ إن من يسمى بـ«أبو مصعب السورى»، كان ضابط الاتصال بين بن لادن والجماعة الإسلامية فى الجزائر، وهو من وضع نظرية «الجهاد اللامركزى»، وروج مبدأ «استراتيجية التوتر» المعروفة التى تعتمد على استفزاز السلطات لإثارة قمع عنيف من شأنه دفع المواطنين إلى الثورة ضد الأنظمة، وهو تكتيك استخدمته المخابرات الأمريكية والناتو لإجهاض نمو اليسار الأوروبى المتطرف فى سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.

أبومصعب فر من فرنسا بعد هجمات شنتها القاعدة عام 1995، حيث استهدف التنظيم باريس بعمليات إرهابية أخرى مثل تفجير قنابل فى مترو باريس والتخطيط لهجوم إرهابى ضخم خلال كأس العالم لكرة القدم فى فرنسا عام 1998، وفى جميع الأحوال كان المشتبه بهم يتمكنون من الفرار إلى لندن.

ويستعرض الكتاب تفاصيل العمليات التى جمعت بين جماعة الإخوان والبنتاجون منها الحرب فى البوسنة والهرسك عام 1992، حيث أرسلت المخابرات الباكستانية بتعليمات من المخابرات الأمريكية 90 ألف إسلامى لقتال الصرب المدعومين من روسيا، وحصل أسامة بن لادن على جواز سفر دبلوماسى بوسنى، وعمل مستشارا عسكرياً للرئيس على عزت بيجوفيتش، بجانب الأمريكى ريتشارد بيرل، الذى كان المستشار الدبلوماسى لبيجوفيتش، والفرنسى برنارد هنرى ليفى، المستشار الصحفى، وشكل بن لادن جيشا عربيا يضم مقاتلين سابقين من أفغانستان بتمويل من رابطة العالم الإسلامى.

وبعد 3 سنوات من الهدوء، بدأت الحرب بين المسلمين والمسيحيين الأرثوذكس مرة أخرى فى يوغوسلافيا السابقة، وهذه المرة فى كوسوفو، وتم تكوين جيش تحرير كوسوفو من مجموعات على غرار المافيا تدربت على القتال على أيدى القوات الألمانية الخاصة فى قاعدة إنجرليك التركية تحت إشراف الناتو حيث قاد أحد أشقاء أيمن الظواهرى إحدى وحدات هذا الجيش.

وفى عام 1995، حاول بن لادن اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وبعد عام حاول اغتيال الرئيس الليبى الراحل، معمر القذافى، وهى العملية التى مولتها أجهزة المخابرات البريطانية بـ100 ألف جنيه إسترلينى لمعاقبة ليبيا لدعمها الجيش الجهورى الأيرلندى الذى كان يعمل على تحرير أيرلندا من السيطرة البريطانية حيث قدمت ليبيا أدلة تورط بن لادن إلى الإنتربول الذى أصدر أول مذكرة توقيف دولية بحقه.

ويشير المؤرخ الفرنسى إلى أن الولايات المتحدة وفرت حماية قانونية لجماعة الإخوان، من خلال اللجنة العربية لحقوق الإنسان فى باريس، التى تأسست عام 1998، بتمويل من مؤسسة المنحة القومية للديمقراطية الأمريكية، وكان رئيسها التونسى منصف المرزوقى، والناطق باسمها السورى هيثم مناع، إذ كان هدف المنظمة الدفاع عن أعضاء الجماعة المقبوض عليهم بسبب نشاطهم الإرهابى فى مختلف الدول العربية.

وكان المرزوقى طبيبا يساريا يعمل مع الإخوان لفترة طويلة، أما مناع فكان يدير الاستثمارات المالية لحسن الترابى وجماعة الإخوان السودانية فى أوروبا كما كان محامى عباسى مدنى وجماعة الإخوان الجزائرية.

وخلال الفترة من 1996 إلى 2004 نسبت ثلاث هجمات إرهابية مهمة إلى تنظيم القاعدة، رغم أنه كان بالإضافة لجماعة الإخوان جزءاً من الناتو، وهذه العمليات هى الانفجار الذى وقع فى مدينة الخبر السعودية والذى أسفر عن مقتل 19 جندياً أمريكياً، وتفجير قنبلتين أمام سفارتى أمريكا فى كينيا وتنزانيا عام 1998، ما أسفر عن مقتل 298 أفريقياً وإصابة أكثر من 4500، بالإضافة للتفجير الذى استهدف المدمرة الأمريكية «يو إس إس كول» أمام سواحل اليمن ورغم إعلان تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية، مسئوليته عن الهجوم، إلا أن محكمة أمريكية وجهت اللوم على السودان.

وحدثت هذه الهجمات بينما كان التعاون بين واشنطن والإسلاميين مستمراً، لذلك ظل بن لادن فى مكتبه فى لندن حتى عام 1999، وكان يتم التغطية على الأنشطة اللوجيستية لمنظمته الإرهابية، وحصل بعض المتعاونين معه على حق اللجوء السياسى لبريطانيا مثل السعودى خالد الفواز والمصريين عادل عبدالبارى، والد المشتبه فى أنه الجهادى جون، وإبراهيم عيداروس، الصادر بحقهما قرارات اعتقال دولية.

ونشر مكتب بن لادن فى لندن فى فبراير عام 1998 نداءه الشهير للجهاد ضد اليهود والصليبيين، وحسب الكتاب كان بن لادن يعانى من متاعب فى الكلى نقل على أثرها للعلاج إلى أحد المستشفيات بدولة عربية فى أغسطس 2001 حيث زاره زعيم دولة عربية أخرى بتنسيق من المخابرات المركزية الأمريكية.

2

عملية «جلاديو» وتأسيس داعش

وفقاً لنفس المنطق، ألقت إدارة الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش باللوم على الإسلاميين فى هجمات 11 سبتمبر 2001 فى أمريكا وسادت الرواية الرسمية الأمريكية، رغم احتوائها على عدد لا يحصى من الثغرات حيث أكد وزير العدل الأمريكى أن الطائرات التى ضربت برجى التجارة العالمى، اختطفها عناصر من القاعدة رغم أنهم وفقاً لشركات الطيران نفسها، لم يكونوا على متنها.

ونشرت وزارة الدفاع «بنتاجون» شريط فيديو أعلن فيه بن لادن مسئوليته عن الهجمات، رغم أنه نفى ذلك علانية، وأكد خبراء فى التعرف على الوجه والصوت: الرجل الذى ظهر فى الفيديو المتداول لم يكن بن لادن، ولكن كانت هذه الأحداث بمثابة حجة لواشنطن ولندن لشن «حرب لا نهاية لها» على الإرهاب ومهاجمة حلفائهم السابقين، طالبان فى أفغانستان وصدام حسين فى العراق.

المثير للدهشة أن الكتاب يؤكد أنه فى 11 سبتمبر 2001، لم يكن بن لادن فى وضع يسمح له بتوجيه أصغر عملية إرهابية، لأنه كان على وشك الموت إذ كان يخضع لغسيل الكلى فى المستشفى العسكرى فى روالبندى فى باكستان. ويؤكد المؤرخ الفرنسى أن بن لادن كان يعانى من مرض مزمن فى الكلى، وتوفى فى 15 ديسمبر 2001 من عواقب متلازمة مارفان، وحضر ممثل المخابرات البريطانية «إم أى 6» جنازته فى أفغانستان، ولفترة من الوقت، تم الإبقاء على شخصين يشبهان بن لادن، حيث تم اغتيال أحدهما عام 2005 على يد عمر شيخ، وفقاً لرئيسة الوزراء الباكستانية بناظير بوتو.

وفى أغسطس 2002، نظمت المخابرات البريطانية مؤتمراً فى لندن لجماعة الإخوان حول موضوع «سوريا للجميع»، وطور المتحدثون فكرة أن سوريا كانت مضطهدة من قبل الطائفة العلوية، وأن جماعة الإخوان وحدها يمكنها تقدم المساواة الحقيقية.

وبعد سيد قطب وأبو مصعب «السورى»، وجد الإسلاميون استراتيجياً جديداً، هو أبو بكر ناجى، وفى عام 2004، ونشر الأخير الذى يبدو أنه مجرد شخصية خيالية، كتاباً على شبكة الإنترنت بعنوان «إدارة التوحش، نظرية الفوضى». ورغم اعتقاد بعض المؤلفين أنهم قادرون على التعرف على أسلوب الكاتب المصرى، إلا أنه يبدو أن الكتاب تمت كتابته باللغة الإنجليزية، ثم ترجم إلى العربية.

ولم يشر مصطلح «الوحشية» فى عنوان الكتاب إلى اللجوء إلى الإرهاب، وتم شرح استراتيجية الفوضى فى 3 مراحل: أولاً، إحباط الدولة وإجهادها عن طريق مهاجمة الأطراف الأقل حماية، واختيار الأهداف الثانوية لتحقيق انتصار يتم استثماره إعلامياً وعندما تنسحب الدولة من هذه الأطراف يتم غزو مناطق معينة وإدارتها، وفق الشريعة للإشارة إلى الانتقال لشكل جديد من أشكال الدولة، وخلال هذه الفترة، من المهم التحالف مع جميع معارضى السلطة وتسليحهم، والانتقال لحرب هدفها تحرير مساحات أوسع من الأرض بهدف إعلان الدولة الإسلامية.

ويؤكد المؤرخ الفرنسى أن هذه الاستراتيجية تعتمد على العلوم العسكرية المعاصرة، إذ إنها تعلق أهمية كبيرة على العمليات النفسية، خصوصاً استخدام العنف المذهل.

وفى الممارسة العملية، فإن هذه الاستراتيجية لا علاقة لها بالثورة، ولكن بغزو بلد بواسطة قوى خارجية، لأنها تفترض استثمارًا هائلًا، وكما هو الحال دائماً فى الأدبيات الهدامة، فإن الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام هى تلك التى لم يتم ذكرها بوضوح، أو نقلها بشكل عرضى فقط.

ويرصد تيرى ميسان هذه النقاط التى تتضمن: إعداد السكان لاستقبال الإسلاميين بكل سرور وهو الأمر الذى يفترض البناء السابق لشبكة من المساجد والأعمال الاجتماعية، كما حدث فى الجزائر قبل الحرب الأهلية. وتتطلب العمليات العسكرية الأساسية أسلحة يجب استيرادها مسبقاً، لأنه بعد الحرب لن يكون لدى الإسلاميين أى إمكانية للحصول على أسلحة، أو ذخيرة، وبالتالى سيحتاجون لتوفيرها من الخارج، وتفترض إدارة المناطق المحتلة مشاركة كبار المسئولين التنفيذيين الذين تم تدريبهم مقدماً، مثل الجيوش النظامية المكلفة بـ«إعادة بناء الدول»، وأخيراً، تفترض حرب الاستحواذ إنشاء بنى تحتية هائلة تتطلب كثيرا من المعدات والمواد والمهندسين المعماريين.

بهذه الرسالة، كشف الإسلاميون عن عزمهم على مواصلة لعب دور عسكرى لصالح قوى خارجية، لكن هذه المرة على نطاق واسع.

فى عام 2006، طلب البريطانيون من الأمير حمد بن خليفة أمير قطر أن يضع قناة الجزيرة، فى خدمة جماعة الإخوان وتم تكليف الليبى محمود جبريل، بإدخال الإخوان فى القناة بعناية، وإنشاء قنوات تابعة ناطقة بالإنجليزية، ثم لاحقا البوسنية والتركية، بالإضافة إلى قناة موجهة للأطفال، أصبح الداعية يوسف القرضاوى «المستشار الدينى» للقناة.

وخلال نفس الفترة، واجهت القوات الأمريكية فى العراق انتفاضة متنامية، وبعد أن تم إحباط معنوياتهم تماماً بسبب وحشية الغزو الذى تم بأسلوب الصدمة والرعب، بدأ العراقيون فى تنظيم مقاومتهم.

واقترح جون نيجروبونتى، السفير الأمريكى فى بغداد، ثم مدير الاستخبارات الوطنية، طريقة للتغلب على المقاومة العراقية بتحويلها إلى حرب أهلية اعتماداً على خبرته فى العمليات السرية، حيث شارك فى عملية فينيكس فى فيتنام، ونظم حرباً أهلية فى السلفادور ونيكاراجوا، والمكسيك.

ولذلك قام نيجروبونتى، باستدعاء العقيد جيمس ستيل، أحد الرجال الذين عمل معهم فى سلفادور، لمعاونته فى تنفيذ مخططه، حيث أسند له مهمة تأسيس ميليشيات شيعية عراقية ضد السنة، وميليشيات سنية ضد الشيعة، وبالنسبة للميليشيات السنية، استخدم ستيل عناصر القاعدة فى العراق، وقام بتسليح تحالف من القبائل، كما قام بتأسيس الدولة الإسلامية فى العراق التى تحولت فيما بعد لـ«داعش»، حيث درب الكيان الجديد على التعذيب لترويع الضحايا وعائلاتهم.

فى غضون أشهر ارتفعت موجة الإرهاب الجديد ضد العراقيين الذين انقسموا حسب طوائفهم، وبعد ذلك، عندما تولى الجنرال ديفيد بترايوس قيادة القوات الأمريكية فى البلاد، قام بتعيين العقيد جيمس أتش كوفمان، للعمل مع ستيل وتزويده بتقارير عن العملية، وتم تجنيد القادة الرئيسيين للدولة الإسلامية فى العراق بأحد مراكز الاحتجاز وتدريبهم فى سجن أبو غريب، باستخدام «غسل الأدمغة» تحت إشراف وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، الذى كان بمثابة الرئيس المباشر لستيل.

فى عام 2007، أبلغت واشنطن جماعة الإخوان، بعزمها إسقاط الأنظمة الحاكمة فى الشرق الأوسط الكبير، وأنها يجب أن تستعد للحكم ونظمت المخابرات المركزية التحالفات بين الإخوان والأحزاب العلمانية أو الشخصيات من جميع دول المنطقة، وفى الوقت نفسه، ربطت بين فرعى «جلاديو» من خلال تعزيز العلاقات بين الجماعات النازية الغربية والتنظيمات الإسلامية فى الشرق الأوسط.