رامي المتولي يكتب: يوسف شريف رزق الله "سيتفيل" بدرجة فارس
لم يستسلم فى حياته للعقبات ودائمًا ما قدم حلولًا لأصعب المشكلات
عدة أوجه يعكسها الاسم الثلاثى يوسف شريف رزق الله كما كان صاحبه الناقد السينمائى ينطقه، يعكس الطفل الذى حلم بالسينما والإخراج فى خمسينيات القرن العشرين، والمراهق الذى منعه تفوقه فى الثانوية العامة وحلوله الخامس فى ترتيب أوائل الثانوية العامة فى الستينيات من دخوله معهد السينما كما رغب وذهب إلى «الاقتصاد والعلوم السياسية»،
والشاب الذى قاده طريقه المهنى لمبنى ماسبيرو بعد أن كان بعيدًا عنه بمصادفة فى أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، والرجل الذى أطل علينا صغارًا ومراهقين وشباب فى منتصف السبعينيات وكان نافذتهم الوحيدة فى البداية بشكل مباشر وغير مباشر إلى السينما العالمية، والخبير صاحب العين الثاقبة فى وزن المواهب والأفلام، يختار ويوجه ويدعم، والراحل الذى تجمع فى عزائه أجيال من كل العاملين والمهتمين بالسينما كفن ليقدموا العزاء لأسرته ولبعضهم البعض فليوسف شريف رزق الله يد بيضاء على كثير منهم.
الاسم الثلاثى الذى أصبح مرادفًا بشكل وثيق للسينما الغربية وغير السائدة منها والصعبة المنال تحديدًا، والتى يستطيع هذا الرجل النحيف ذو الرأس الكبير أن يحضرها ويفككها بمنتهى السهولة للراغبين وبسهولة على اختلاف مستويات ثقافتهم، حتى بعد انتشار الإنترنت وثورة المعلومات فى العالم بأكمله، ظل رزق الله يقوم بدوره سواء فى التليفزيون فى الفترة الأخيرة من حياته المهنية كمقدم للبرامج أو من خلال اختياراته للأفلام المعروضة فى مهرجان القاهرة السينمائى وهو النشاط الذى لم يتخل عنه إلا نادرًا، فتعاونه مع المهرجان يغطى فترة زمنية وصلت لأربعين عاما تخللها فترات انقطاع بسيطة وفى مواقع متعددة.
التفانى وبذل أقصى جهد والحماس هم الملامح الرئيسية لشخص يوسف شريف رزق الله، على عكس حركته الهادئة إلا أن طوفانا من الأفكار والتحليل يدور فى رأسه، ربما يكون صامتا بالشكل الذى قد يوحى أيضًا بأن ذهنه فى مكان آخر لكنه على العكس يكون مستمعا وربما توصل لقرار وحل أثناء الحديث، بمعنى آخر: إن هذا الرجل لم يكن يومًا بالشكل الذى توحيه ملامحه الخارجية، الحماس للسينما كان المحرك الأساسى فى حياته، طفل انبهر بالصورة المتحركة وبحث حتى اكتشف المجلات والدوريات النقدية والتحليلية، وعدم وضوح مصير خريجى معهد السينما - المفتتح حديثًا - وهل سيجرى تعيينهم من قبل القوى العاملة وقتها أم لا؟ دفع والده إلى تفضيل التحاقه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لتدفع به القوى العاملة إلى هيئة الاستعلامات، خلال هذه السنوات هل قل حماسه وشغفه بالسينما؟ بالتأكيد لا، على العكس أصبح أحد أهم نشطاء نشر الثقافة السينمائية فى مصر، يكتب مقالات ويحلل ويشارك فى فعاليات نادى القاهرة للسينما وجمعية الفيلم.
يمكن القول إن حياته تسير فى خطين يتفانى فى كل منهما الوصول إلى سقف غير محدد أظن أنه هو شخصيًا لم يكن يعرف حده، فقد كان هذا السقف يرتفع بتحدٍ جديد كلما اقترب منه، الدراسة - على الرغم من العثرة التى شهدتها دراسته الجامعية - الخط الذى قاده إلى هيئة الاستعلامات والثانى هو السينما أو الشغف الذى قاده مع التدريب على الحوار والتقديم وتحليل عناصر الأفلام من خلال فعاليات نادى القاهرة وجمعية الفيلم إلى النقد السينمائى كمحترف فى الجرائد والمجلات، الصدفة التى حولته من هيئة الاستعلامات لمبنى ماسبيرو قربت المسافة بين الخطين، فمع دراسته فى معهد الإعداد الداخلى الخاص بالمعينين فى وزارة الإرشاد القومى (الإعلام) تلاقت رغبته فى النقل إلى ماسبيرو مع رغبة زميلة له بالنقل إلى هيئة الاستعلامات، ويكلف رزق الله بالعمل فى قطاع الأخبار ويعمل بتفان كعادته حتى يصل إلى رئيس تحرير.
بعد انتصار أكتوبر أصبحت الحاجة للبرنامج التعبوى «السينما والحرب» معدومة وتطوير البرنامج أصبح ضرورة ملحة، ولم يجد المسئولون أفضل من الشاب صاحب الصيت الذائع فى الأوساط السينمائية والذى يعمل فى التليفزيون ليكون هو المسئول عن تطوير البرنامج، فى السنوات ما بين 1973 و1975 –بداية عرض برنامج «نادى السينما»- التقى الخطان وصب تفانى وحماس وشغف الأستاذ يوسف شريف رزق الله فى خط واحد ظل يخدمه طوال حياته، على الرغم من العراقيل التى كانت توضع أمامه، ومحاولات فرملته المستميتة من بعض القيادات وقرارات توقيف البرامج وقتلها التى شهدها فى حياته كمقدم ومعد برامج ومن جانب آخر لم تتوقف محاربته فى عمله بمهرجان القاهرة لكنه فى الجانبين لم يتوقف إطلاقًا أمام مشكلة أو صراع، كان يبحث عن جديد وخطوة أخرى لهذا ربما نرى الكثير من البرامج واسم أكثر لمعانًا ممن حاولوا إزاحته واستقروا بأريحية تحت مظلة منصب أو برنامج.
ظل الأستاذ يعمل حتى قبل أزمته الصحية الأخيرة، المرض فقط هو ما كان يمنعه عن الالتقاء بشغفه، فقط المرض والوفاة هما السقف الذى اصطدم بهما الأستاذ ولم يستطع تخطيهما، والعزاء أنه ترك وراءه ثروة ضخمة ليست فقط برامجه وكتاباته، بل منهج وطريقة فى برمجة الأفلام للمهرجانات وتلاميذ أحبوا المجال حبًا فيه وجمهور تطورت معرفتهم بالسينما من خلاله، هذا التفانى والجهد الفريد منحه لقب من فرنسا بعد حصوله على وسام الدولة فى الفنون والآداب بدرجة فارس.