تقرير "حالة الفقر والأمن الغذائي في مصر" يكشف إهدار حق 13.7 مليون مواطن مصري في الغذاء
تلقتّ المبادرة المصرية للحقوق الشخصية نتائج تقرير حالة الفقر والأمن الغذائي في مصر ، الصادر عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بقلق بالغ، إذ يشير التقرير، الصادر في مايو الماضي، إلى تراجع حالة الأمن الغذائي في مصر بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية.
ومع الوضع في الاعتبار أن بيانات التقرير تغطي فقط الفترة حتى نهاية عام 2011، يمكننا أن نتوقع أن الأوضاع التي يصفها قد ساءت خلال العام ونصف المنصرمين. إذ تعمّقت الأزمة الاقتصادية خلال تلك الفترة، وزادت معدلات الفقر والبطالة والتهميش وفق كل المؤشرات الأولية المتاحة.
حالة الفقر
يلقي التقرير الضوء على تزايد معدلات الفقر وسوء التغذية في مصر بين عاميّ 2009 و2011. إذ يذكر أن نسبة المصريين الذين يعانون من نقص الأمن الغذائي قد زادت خلال تلك الفترة من حوالي 14% إلى 17% من السكان (13.7 مليون مصري)، بينما انضم 15.2% إلى شريحة الفقراء، في مقابل خروج 7.7% فقط من الشريحة نفسها.
ويبيّن التقرير أن قسوة الفقر آخذة في التزايد في المناطق الحضرية. فرغم أن الفقر في المناطق الريفية ما زال يبلغ ضعف مستواه في المناطق الحضرية إلا أن الفجوة آخذة في التقلص إلى حد كبير . وهكذا، يقول التقرير، زادت نسبة الفقر في الحضر من 11% عام 2009 إلى أكثر من 15% عام 2011، حيث تضم القاهرة الكبرى وحدها حوالي 3.5 فقير من فاقدي الأمن الغذائي.
ورغم ذلك، يؤكد التقرير أن صعيد مصر، بحضره وريفه، ما زال هو أكثر مناطق الجمهورية فقرًا وتهميشًا.
على هذه الخلفية، يمكن فهم تزايد نسب سوء التغذية وما ينتج عنها من تقزّم لدى الأطفال. إذ يشير التقرير إلى أن نسبة التقزم لدى الأطفال دون الخامسة قد تزايدت خلال العقد الماضي حتى بلغت 31% في عام 2011، وهو معدل مرتفع طبقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية.
ويوضح التقرير أن السبب وراء تراجع الأمن الغذائي في أوساط الفقراء هو تأثرهم البالغ بتقلبات أسعار المواد الغذائية، وذلك بالرغم من اعتمادهم على مكونات غذائية قليلة التكلفة / قليلة القيمة الغذائية. فالفقراء ينفقون ما يزيد عن 50% من دخلهم على الغذاء، وبالتالي لا تتوفر لهم مرونة كافية لمواجهة آثار زيادة أسعار المواد الغذائية من خلال زيادة ميزانية الغذاء على حساب بنود إنفاق أخرى، وهو ما ينعكس – عادة – على تدهور التغذية كمًا وكيفًا.
ويعترف التقرير أن نظام الدعم الغذائي لعب دورًا هامًا في حماية الفقراء من آثار ارتفاع أسعار المواد الغذائية، إلا أنه يضيف أن هذا النظام غير مصمم لحل جميع التحديات المرتبطة بالفقر. فهو يغطي حوالى 68% من السكان، ولكنه – رغم ذلك – لا يشمل 19% من الأسر الأكثر احتياجًا.
حالة الحُكم
ورغم وضوح مؤشرات التدهور الاقتصادي في العام الأخير، تصرّ السلطة القائمة على الإدلاء بتصريحات وردية في شأن أوضاع الأمن الغذائي في البلاد.
إذ تزامن صدور تقرير حالة الفقر والأمن الغذائي في مصر مع تصريحات لوزير التموين، الدكتور باسم عودة، يطمئن بها المواطنين أن احتياطي ستة من بين السلع العشرة الأساسية يكفي الاستهلاك المحلي، وأن من بين هذه السلع الستة القمح، هذا رغم أن عودة نفسه قد عاد وصرّح أن المزارعين قد ورّدوا ما لا يزيد عن 3.5 مليون طن قمح إلى الوزارة، في حين أن المطلوب توريده لتحقيق الكفاية من القمح حتى نهاية العام الجاري هو 4.5 مليون طن.
وإذا ما ابتلعنا تصريحات عودة المتعلقة بتوفّر السلع الأساسية، فإنه يصعب علينا تصديق تصريحاته الخاصة بتثبيت أسعار السلع التموينية. فوفقًا لمؤشرات أسعار السلع الغذائية التي يصدرها بشكل دوري الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، زادت أسعار عينة من خمس سلع غذائية مختارة (الدجاج، اللحوم، السمك، زيت عباد الشمس، الفاصوليا الجافة) بين شهري مارس وأبريل الماضيين بين 6.1% و22.7%. ويؤكد الجهاز نفسه أيضًا أن أسعار السلع الغذائية كانت الأكثر تعرضًا للارتفاع بين يناير 2010 وأبريل 2013، وذلك إذا ما استثنينا أسعار المشروبات الكحولية والدخان.
الحق في الغذاء
يظهر تقرير حالة الفقر والأمن الغذائي في مصر ، وكذلك الوضع المتدهور الراهن، حقيقة لا مفر من مواجهتها، وهي إهدار حق على الأقل 13.7 مليون مواطن مصري في الغذاء، وارتباط تراجع الأمن الغذائي بعدم شمول الدعم الغذائي لـ19% من الأسر الأكثر احتياجًا وبالسياسات الزراعية المنحازة ضد كل من الفلاحين والمستهلكين الفقراء.
في ضوء هذا الوضع، يتوجب علينا التذكير بمعنى ومضمون الحق في الغذاء الذي كفله العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي يلزم الحكومات باتخاذ الإجراءات الممكنة في حدود الموارد المتوفرة لديها للوصول تدريجيًا إلى توفير الحق في الغذاء لكافة المواطنين.
يهمنا هنا أن نذّكر القارئ بالالتزامات الثلاثة الأساسية الواردة في العهد الدولي المذكور، وهي الاحترام والحماية والتنفيذ، وبيانها كما يلي:
الاحترام: يعني امتناع الدولة عن حرمان الأفراد من الحصول على الغذاء تحت أي ظرف من الظروف.
الحماية: تعني التزام الدولة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الشركات والتجار من حرمان الأفراد من الحصول على الغذاء المناسب.
التنفيذ: يعني التزام الدولة بالمشاركة في أنشطة تهدف إلى دعم الأفراد في الوصول إلى الموارد والسبل التي تضمن لهم حياة كريمة، وهو ما يشمل الغذاء في حالة عدم قدرة الأفراد أو المجموعات على تلبية حقهم فيه لأسباب قهرية خارجة عن سيطرتهم، مثلما يحدث في أوقات الحروب أو بعد وقوع الكوارث الطبيعية، إذ تلتزم الدولة في تلك الحالات بتلبية الحق مباشرةً.
وقد حددت منظمة الأغذية والزراعة ضمانات تلبية هذا الحق في الغذاء، ومنها: تخصيص موارد مالية وطنية تكفي للقضاء على الجوع والفقر، وتبني استراتيجيات وسياسات مناسبة مثل التطوير المتنوع والدائم للاقتصاد بهدف تأمين الغذاء، وتبني نهج قانوني يستند على حقوق الإنسان أو وضع وتطبيق إطار قانوني يلبي الحق في الغذاء ويوفي بالالتزامات الثلاثة السابقة.
وبمحاكمة أداء الدولة المصرية على أساس هذا المنظور، فإنه سيكون من السهل ملاحظة أنه بعيد كل البعد عن كفالة الحق في الغذاء. إذ ما زالت حكومات ما بعد الثورة تعيش حبيسة استراتيجيات لا تؤدي إلى الوفاء باحتياجات المواطن الغذائية الأساسية، وذلك بسبب اتباعها لسياسة زراعية /غذائية تقوم على تحرير الأسواق ودعم المنتِج الكبير وإعطاء الأولوية للتصدير على حساب توفير الاحتياجات المحلية.
وهكذا نجد أن الأولوية تُعطى لمحاصيل التصدير علي حساب إنتاج المحاصيل الأساسية من الحبوب والبقول. وفي الوقت نفسه نجد أن الشركات الكبرى تسيطر على سوق المنتجات الزراعية التصديرية التي تتحدد أسعارها، وأسعار كافة السلع الزراعية، وفق قوى العرض والطلب الحر التي لا تراعي الفروق الضرورية بين سلعة زراعية استراتيجية وسلعة زراعية ترفية.
وهكذا أصبحت مصر على قمة قائمة الدول المستوردة للقمح في العالم، في حين أنها – وبمفارقة توضح المُشكل – رابع أكبر منتج للفراولة في العالم وفيها أكبر تركيز لزراعة الرمّان في أسيوط. وسيظل هذا الاختلال قائما طالما ظلت استراتيجية الدولة هي إعطاء الأولوية لزيادة إنتاج المحاصيل التصديرية .....