"ميريام" عالمة الآثار الإسبانية لـ"الفجر": أنا عاشقة لمصر أصل كل العلوم والحضارات.. وإسبانيا لديها 8 بعثات أثرية

عربي ودولي

عالمة الآثار الإسبانية
عالمة الآثار الإسبانية ميريام سيكو


"ستظل مصر منبع المعرفة الإنسانية.. وأنا من عشاقها".. هكذا اعترفت عالمة  الأثار الإسبانية، ومدير مشروع التنقيب والترميم بمعبد تحتمس الثالث، بحبها وولعها بالحضارة المصرية وشعبها "الكريم".

كما أكدت فى حوار خاص لـ"الفجر" أنّ المصريين يجب أن يفخروا بماضيهم وحضارتهم، وكشفت سر إعجابها بالمصرى القديم، ومدى اهتمام الدولة الإسبانية والقطاع الخاص الإسبانى لدعم خبراء علوم المصريات.
 
والبروفيسور د. ميريام سيكو ألباريث، من مواليد مدينة إشبيلية عام 1967، وهى عالمة آثار، أستاذ مساعد في قسم ما قبل التاريخ والآثار بجامعة إشبيلية، ومدير مشروع الحفر والترميم لمعبد تحتمس الثالث "ملايين السنين"  في الأقصر،  وأستاذ زائر في جامعة غرناطة وعضو أكاديمية الفنون الجميلة سانتا إيزابيل المجرية في إشبيلية.

كما عملت بين عامي 2000 و 2015 عمل في معبد المليون سنة لأمنوفيس الثالث، وقامت أيضًا بتنسيق معرض "120 عامًا من الآثار الإسبانية في مصر" ، الذي تم افتتاحه في عام 2009 في المتحف المصري بالقاهرة ، وقامت بتنظيم معرض "بعد خطوات الفرعون"، الذي نظمته مؤسسة كاجاسول في إشبيلية عام 2018.

وكان هذا نص الحوار:

-لماذا درست علوم المصريات؟ وما سر إعجابك بالحضارة المصرية؟



ميريام: منذ أن كنت طفلة صغيرة، كان لدي شغف عميق وإعجاب خاص بتاريخ حضارات الشرق الأوسط بشكل عام، وكنت أحلم بأن أصبح عالمة آثار لكي أعرف كل شئ عن تاريخ هذه الحضارات وأكشف أسراراً جديدة عن الماضي، وفي سن صغيرة جدًا، قرأت كتاب "الآلهة والمقابر والعلماء" للعالم الألماني سيرام، وهو ما ألهمني أن أصبح متخصصة في علوم الآثار المصرية، علي وجه التحديد. 

وعندما بدأت دراسة التاريخ في جامعة إشبيلية، كنت مفتونة تمامًا بتاريخ مصر القديمة، وكنت متعطشة للغاية لدراسة المزيد عن تاريخ مصر، ولهذا قررت السفر لألمانيا و الإلتحاق بمعهد علم المصريات
 بجامعة توبينجن في ألمانيا.



-ما هو آخر اكتشاف البعثة الأثرية الإسبانية التي تعمل في "معبد ملايين السنين لتحتمس الثالث" في منطقة القرنة  بالأقصر؟



ميريام: بدأنا العمل منذ عام ٢٠٠٨، بالتعاون مع وزارة الآثار المصرية في معبد ملايين السنين الخاص بالفرعون المصري تحتمس الثالث في الأقصر، لفك طلاسم سر تصميم المعبد وفهم وظيفة هذا المبنى الهام جداً بشكل أفضل.
 والحقيقة إن هذا التعاون بين الخبراء المصريين والإسبان كان مثريًا ومفيد للغاية، فمن ضمن المفارقات المثيرة، ففي ٢٠١٣ اثناء عمليات الحفر والتنقيب، قد عثرنا داخل المعبد على منطقة بها بقايا ومحتويات من عصر الرعامسة، وهو ما يشير إلى أن خلال فترة الملك رمسيس الثاني، كانت المراسم الجنائزية لمومياء الملك العظيم قد تمت تحت مسؤولية الكاهن خونسو (إله القمر في الديانة المصرية القديمة)، كذلك، وجدنا مقبرة مثيرة غاية في الأهمية، تعود لأوائل المملكة الوسطى، وهي لعدد من كبار موظفي الدولة وعائلتهم، تحت معبد تحتمس الثالث، أيضاً، قبر الفترة الوسيطة الثالثة ، الذي تم وضعه خارج الجدار الجنوبي، حيث تم العثور على كارتوناج ملون لمومياء غاية في الجمال خاص لمسؤول يدعى آمون رينف "خادم البيت الملكي"، وأخيراً، عثرنا علي بعض المقابر من العصر المتأخر، إحداهما بها بقايا لعدد ضخم من المومياوات.



-ما هي أهم الجهود التي بذلها فريق التنقيب عن معبد تحتمس الثالث؟



ميريام: العامل الأساسي في كل الجهود المبذولة هو الاعتماد علي التكنولوجيا الحديثة والتقنيات الجديدة، لترميم أمثل للأثر وإستعادة قيمة المعبد لما كانت عليه، فقد تطور علم الآثار كثيرًا منذ القرن الماضي، والآن مع تطبيق التقنيات الجديدة، يمكننا الحصول على معلومات أكثر دقة عن ما كنا نحصل عليه من قبل. وقد تطورت كثيراً أيضًا أنظمة التوثيق والتخزين الآلي لكل القطع المكتشفة في موقع الحفر، بإستخدام أجهزة الكمبيوتر، مما يسهل علينا إجراء مزيد من البحث والتحليل لكل البيانات التي يتم تسجيلها. 

وكان الهدف الرئيسي من تدوين وحفظ جميع المعلومات التي تم الحصول عليها طوال سنوات عملنا بالمعبد، هو مشاركتها مع الزوار والسائحين في المستقبل. وبدون التقنيات الحديثة كان هذا الأمر شبه مستحيل.



-ما هو حجم التعاون بين مصر وإسبانيا في هذا الصدد؟



ميريام: إسبانيا لديها حالياً حوالي ثمانية بعثات أثرية في مصر، خمسة فى الأقصر واثنان في مصر الوسطى وأخيراً، بعثة واحدة في أسوان، هناك العديد من الشركات الإسبانية التي تعمل في مصر ولا تتردد في الاستثمار في التراث الغني الذي لا يقدر بثمن لهذا البلد العريق.

وفي الواقع، فإن ٨٠٪ من تمويل البعثات الأثرية الإسبانية في مصر تُتيحه لنا شركات القطاع الخاص الإسبانية سواء إن كانت شركات تعمل في مصر أو آخري تؤمن بقيمة أهمية دعم خبراء علوم المصريات، بالإضافة إلى شركات إسبانية أخرى تعمل في مشاريع كبيرة في مجال الآثار في مصر كمشروع المتحف المصرى الكبير والتي تشارك فيه إحدى أكبر الشركات الإسبانية في مجال الهندسة والمعمار، وكذلك، مشروع تأمين وتطوير نظم إضاءة معابد ومقابر وادي الملوك والملكات بالأقصر وتطوير منطقة أهرامات الجيزة بتكلفة ٣٠ مليون يورو بتمويل من الحكومة الإسبانية لمصر.

 والمواطن الإسباني مولع بمصر وتاريخها والسياحة الإسبانية الثقافية لمصر في زيادة مستمرة.



-دائماً ما يهتم الزائر الأسباني بالسياحة الثقافية والأثرية في مصر ، فما سر الإعجاب الإسباني بالحضارة المصرية القديمة؟



ميريام: مصر هي مهد الحضارة، وهنا أصل العديد من المعتقدات والعادات التي بقيت حتى يومنا هذا، أي زائر يأتي إلى مصر، يجذبه سحر مصر الفرعونية والسائح الإسباني يأتي لقضاء أكثر وقت ممكن لزيارة الأماكن الأثرية والإستمتاع بها، بالإضافة إلى ذلك، إن إسبانيا ومصر تجمعهما صلات وعلاقات تاريخية  قديمة بحكم الجيرة والثقافات المشتركة بدول البحر الأبيض المتوسط، وحين تزور مصر أو تعيش فيها تدرك أن لدينا العديد من الأشياء المشتركة.



-نحن نحب إسبانيا وشعبها والطبيعة والروابط الثقافية والرابطة والفلامنكو وبعض التقاليد الشعبية والفولكلور.. كيف ترين المصريين والعرب بشكل عام؟



ميريام: الحقيقة وبكل الصدق من واقع خبرتي في مصر أقول أن المصريون طيبون، كريمون، مضيافون جداً.. مصر بلد هادئ ومكان جميل جداً للعيش فيه.



-ماذا ترين في أسرار الحضارة المصرية القديمة؟ وكيف يؤثر هذا على وحدة وتماسك المصريين حتى الآن؟



ميريام: أعتقد أن التراث الغني للمصريين القدماء هو هدية لا تقدر بثمن يجب أن تكونوا فخورين بها كمصريين، وعليكم إستغلالها لتكون نقطة إتحاد وتماسك للمصريين الحاليين، فهناك محاولات لمسح الهوية المصرية العريقة الأصيلة، لابد أن يتوحد المصريين في مسؤولية الحفاظ على هذا الكنز العظيم.



-في مصر هناك اكتشافات أثرية كل يوم، ما هي الأماكن التي تلهمك أكثر في مصر وحضارتها؟

ميريام: هناك العديد من الأماكن التي تلهمني فى مصر، أنا من عاشقي هذا البلد، جئت عام 1996، عملت في الإسكندرية وفي البحر الأحمر وفي مصر الوسطى وفي دهشور وفي الأقصر وما زلت هنا، لكنني أعتقد أن هناك سحر خاص جداً في مكانين أثريين: الأقصر وسقارة. رغم أنني أحب البحر الأحمر
 وسيناء والصحراء البيضاء.



-قال المؤرخون إن "مصر هبة النيل، مصر مهد الحضارات والأنبياء: مصر يمكن أن تمرض، لكنها لا تموت".. ماذا تقولي عن مصر وحضارتها القديمة؟ 



ميريام: ستظل مصر هي منبع المعرفة للإنسانية، فلم تحكي لنا مصر إلا عناوين مقتضبة عن مئات الألاف من قصص وأسرار المصري القديم، مبدع الحياة وأصل كل العلوم والحضارات.