عادل حمودة يكتب: القضية الفلسطينية على رف فى سوبر ماركت
صندوق استثمار دولى بمبلغ 50 مليار دولار لدعم الاقتصاد الفلسطينى ودول مجاورة
من الأرض مقابل السلام إلى الأرض مقابل الكهرباء
إسرائيل تستغل الفرصة وتطالب بتعويضات عن ممتلكات 865 ألف يهودى هاجروا من البلاد العربية تصل إلى 250 مليار دولار
ما أن أصبح ترامب رئيسا حتى وصف الصراع الفلسطينى الإسرائيلى بأنه: حرب لا تنتهى.. وبوصفه صانع صفقات اعتبر حل الصراع الصفقة الأهم.. ولكنه فى الحقيقة لم يستخدم تعبير: صفقة القرن الذى هبط بالقضية من سمو الحقوق السياسية إلى مساومات الأسواق التجارية.
ولن يكون من السهل على ورشة المنامة التى تستضيفها البحرين شطب المصطلح أو إسقاطه أو تغييره فما ستناقشه من مشروعات اقتصادية تسبق التسوية السياسية سيؤكده ولن ينفيه.
وما يزيد الموقف تعقيدا أن الفلسطينيين أصحاب المشكلة قاطعوا الورشة وتجنبوا الحضور والمشاركة.. لنجد أنفسنا أمام مشهد مثير لم نره إلا فى سينما الأبيض والأسود.. حفل زفاف مكتمل التفاصيل: كوشة وشهود وضيوف ومأذون وطعام وشراب وموسيقى.. ولكن.. العريس غائب غاضب ورافض.
على أن الظاهر كما يبدو لنا.. أن القبائل التى ينتمى إليها العريس ويستجير بها وقت الشدة ستجبره على الزواج المفروض عليه.. والمهر الذى عليه دفعه.. وعدد الأطفال المحدد له إنجابهم.
مهندسا ورشة المنامة يهوديان يذوبان عشقا فى إسرائيل:
جاريد كوشنر صهر ترامب وزوج ابنته إيفانكا.. ابن عائلة لا تكف عن دعم المستوطنات فى الضفة الغربية.. وفى القدس مؤسسات طبية خيرية باسم أبيه.
وجيسون جرينبلات المنتمى إلى عائلة مجرية هربت من ملاحقة النازية إلى نيويورك.. وقد درس الحقوق قبل أن يختاره ترامب مستشارا قانونيا فى مجموعة شركاته ومستشارا سياسيا فيما يخص إسرائيل وما أن أصبح ترامب رئيسا حتى اختاره مبعوثه الرسمى إلى الشرق الأوسط ليكون غطاء رسميا للدور الذى يلعبه كوشنر فى المنطقة.
ويكتمل المثلث بالسفير الأمريكى فى إسرائيل ديفيد فريدمان الذى شجع ترامب على إعلان القدس عاصمة للدولة العبرية وما أن أعلن ترامب ضم الجولان المحتلة إلى إسرائيل حتى أقر فريدمان من جانبه حق إسرائيل فى ضم جزء لم يحدده من الضفة الغربية إلى إسرائيل مما شجع نتانياهو على القول: إنه لن يتنازل عن شبر واحد من الضفة الغربية المحتلة دون أن يعبأ بوصف صائب عريقات (كبير المفاوضين الفلسطينيين) بأن ما سمع جريمة حرب وفقا للقانون الدولى.
وبإسقاط ترامب قضية اللاجئين من مائدة المفاوضات يسقط حق ما يزيد على خمسة ملايين فلسطينى فى العودة بجانب إفقار لاجئى المخيمات فى سوريا والأردن ولبنان وغزة والضفة بعد أن كفت واشنطن عن دفع حصتها للأونروا.
ورغم ما حدث للقدس والجولان والضفة الغربية واللاجئين فإن الشق السياسى لصفقة القرن لم يكشف بعد وما نسمعه عن الصفقة من أطرافها المباشرة لا يزيد عن كلمات إنشائية فضفاضة.
يعتبرها فريدمان: تفكير خارج الصندوق.
ويصفها جرينبلات بأنها رؤية واقعية ستحقق السلام.
أما جريد كوشنر المنافس لحميه فى المضاربة على العقارات فيبدأ بالجانب الاقتصادى لعله يقنع الفلسطينيين بتحسن معيشتهم فينسون قضيتهم.
تعتمد نظرية كوشنر على فلسفة شهيرة يفسر بها علماء الاجتماع ظاهرة التمرد الإنسانى: إن المعاناة الاقتصادية تولد التطرف والتطرف يسبب العنف والعنف يؤدى إلى الإرهاب والإرهاب نوع من التمرد المصحوب بالعنف ولو وجد المتمرد طعاما شهيا ومسكنا صحيا وعملا مناسبا وجنسا ممتعا لكف عن التمرد ولوجد فى الحياة ما يدعوه للحفاظ عليها.
ترى هذه النظرية أن الحرمان يسبب الغضب والرفاهية تجهز عليه ولكنها لا تفرق بين الغضب بسبب سوء أحوال المعيشة والغضب بسبب وجود محتل يجب استرداد الأرض منه.
لا تفرق هذه النظرية بين الوطن والسوبر ماركت.
وربما لغياب تلك التفرقة فإن اللعبة تنتقل من السياسيين إلى رجال الأعمال والسماسرة والتجار ولكنهم لم يظهروا على السطح ليفرضوا خطتهم إلا بعد أن تأكدوا من تمزق البيت الفلسطينى وتشتت أهله وقتالهم بعضهم البعض بقسوة لم يحاربوا بها إسرائيل.
كما أن الفصائل الفلسطينية كثيرا ما استخدمت فى الصراعات العربية العربية ما أفقد قضيتها الإيمان الإقليمى بها والتوافق عليها والثقة فى حلها.
لكن فى الوقت نفسه نجد الغالبية العظمى من فلسطينى غزة والضفة يعانون من نقص حاد فى الخدمات الأساسية (الكهرباء والمياه والمدارس والمستشفيات والطرق والنوادى والمخابز) كما تصل نسبة البطالة بينهم إلى أرقام قياسية تزيد على 25 % فلا مصانع تفتح ولا مشروعات تحتاج عمالة.
حسب الخطة الاقتصادية للسلام فى الشرق الأوسط فإنه سينشأ صندوق استثمار دولى لدعم معيشة الفلسطينيين والدول المجاورة برأسمال يبدأ بخمسين مليار دولار وتموله دول عربية وأوروبية بجانب شركات متعددة الجنسيات أبدت استعدادها فى تنفيذ المشروعات المقترحة بتكلفتها دون أرباح.
والمؤكد أن المبلغ المرصود لا يكفى بالقطع لتنفيذ 179 مشروعا للبنية الأساسية بجانب بناء ممر يربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة يتكلف 5 مليارات دولار خاصة أن نصيب الفلسطينيين من أموال الصندوق لن يزيد على 25 مليار دولار أما الباقى فسيكون من نصيب دول مجاورة منها الأردن ولبنان.
ولكن الحكومة الإسرائيلية تؤكد: أنها سوف تسمح للفلسطينيين بإنتاج وتصدير الغاز الطبيعى المحبوس فى حقول بحرية قريبة من غزة بعد أن يتقبلوا الصفقة ويستمروا فى تنفيذها متجنبين العمليات العسكرية ضدها مما يدعم اقتصادهم.
وفى الوقت نفسه رفضت إسرائيل منح الفلسطينيين ميناء بحريا حتى لا يستخدم فى تهريب الأسلحة واقترحت أن يكون ميناء العريش بديلا ولكن مصر تحفظت على ذلك.
وتقترح الخطة تخصيص مليارى دولار لبناء قطاع السياحة الفلسطينى ويبدو الاقتراح خياليا فى وقت لا تكف فيه المواجهات بين إسرائيل وحماس فى غزة وضعف الأمن الفلسطينى فى الضفة الغربية.
ولكن الأهم فى تصور كوشنر: المشروعات الإنتاجية والخدمية والزراعية التى سينفذها القطاع الخاص بدعم من الصندوق.
يصر كوشنر على أن خطته ستغير قواعد اللعبة فى الشرق الأوسط وأن الفلسطينيين الرافضين لها سيحرمون أنفسهم من فرصة القرن حسب ما نشرت جريدة العرب اللندنية التى نسبت إلى خبراء سياسيين: إن تحديد الأولويات الاقتصادية وتهميش الجوانب السياسية هو تجاهل صارخ لحقائق الصراع.
وحسب أرون ديفيد ميلر وهو مفاوض سابق فى ملف الشرق الأوسط تحت إدارات أمريكية جمهورية وديمقراطية: هذا خارج عن السياق تماما لأن جوهر القضية يكمن فى جروح تاريخية ومطالبات متناقضة بالسيادة على الأرض وعلى مواقع مقدسة.
وهنا يضيف كوشنر: نعم.. من غير الممكن أن تدفع بخطة اقتصادية قدما دون حل القضايا السياسية أيضا على أننا سنناقش ذلك فى وقت لاحق فى إشارة إلى المرحلة الثانية من الكشف عن خطة السلام فى نوفمبر القادم دون أن يعرف أحد ما بها.
ويستطرد كوشنر: إننا نهدف إلى عرض الحوافز الاقتصادية ليرى الفلسطينيون مستقبلاً مزدهرًا يغريهم بالعودة إلى مائدة المفاوضات.
ولكن الفلسطينيين يرون أنهم سيشترون «سمك فى ميه».
والثمن الذى عليهم دفعه غالبا ما سيكون أقل من البضاعة التى سيحصلون عليها.
وحسب عريقات فإن القدس أصبحت عاصمة لدولة إسرائيل ومساحات كبيرة من الضفة الغربية مهددة بالضياع دون أن نحصل على شىء فى المقابل فما هو الثمن الذى سندفعه فى مقابل ما يعرض علينا من مشروعات فى البنية الأساسية؟.
لقد تغير مبدأ الأرض مقابل السلام إلى الازدهار مقابل السلام فالسياسة يجب أن تسبق التجارة وإلا وجدنا القضية الفلسطينية مجرد شركة مساهمة فى بورصة التداول فى نيويورك حسب وصف كثير من المعلقين الأمريكيين أو ستكون رشوة حسب وصف كثير من المعلقين الفرنسيين.
وفى الوقت نفسه نجد النغمة الإسرائيلية المطالبة بتعويضات عن ممتلكات اليهود فى الدول العربية ترتفع بمناسبة ورشة المنامة فما دام الحديث قد سيطرت عليه قواعد الاقتصاد فليست هناك مناسبة أخرى للبدء بمطالبات لن تقل عن 250 مليار دولار تركها 865 ألف يهودى فى سبع دول عربية بالإضافة إلى إيران وذلك استباقا لمحادثات السلام التى سيقودها ترامب للتسوية النهائية.
وتعتمد إسرائيل فى مطالبتها على ترامب شخصيا وقد تعهدت بدعمه فى الانتخابات الرئاسية القادمة بالرغم من أنه ليس فى حاجة إلى دعمها هذه المرة فما أنجز فى الداخل الأمريكى يمنحه فرصة هائلة للبقاء فى البيت الأبيض.