مينا صلاح يكتب: العلم والنور في جامعة دمنهور
توجهت إلى جامعة دمنهور، منذ أشهر قليلة، تلبية لدعوة كريمة، تلقيتها من الدكتور عبيد صالح، رئيس الجامعة، والدكتور الفاضل محمد محمود، المسئول الإعلامي؛ للمشاركة في مؤتمر يعقبه جلسة نقاشية، بعنوان "إعلام وطني هادف"؛ لبحث سبل توظيف الإعلام لخطة التنمية المستدامة، التي تمضي فيها مصرنا الأبية قدمًا، نحو مستقبل محدد الهوية، مخطط ومدروس له، للأجيال القادمة.
ولن أنكر عليكم الصورة التي كونتها عن الجامعة، فرسمت في فكري المتواضع، أنني ذاهب إلى جامعة إقليمية ناشئة، لم يمض على تأسيسها 10 سنوات، تفتقر إلى العديد من الإمكانيات، والخدمات، المقدمة للطلاب، وظننت أيضًا أن المؤتمر الذي يتبع كلية التربية، لم يكن على مستوى المؤتمرات التي تنظمها كبرى كليات الإعلام في مصر، الرائدة، والمتمتعة بتاريخ وخبرات واسعة.
ولكني فوجئت، بواقع لا يجيز لي التعبير عنه بغير أنه "ناسف" لما كونته مسبقًا، عن دمنهور، مدينة وجامعة، وذلك بعد لقائي الإنسان المستنير، الأستاذ الدكتور عبيد صالح، رئيس الجامعة، الذي يمثل شعلة نشاط لا يغيب نورها، ولا يجف عطائها، واستعراضه أمام وفد الصحفيين، ما أنجزته الجامعة، وما تمضي في تحقيقه، بأسلوب احترافي، تتبعه الجامعة من خلال 12 كلية، مجهزة بأحدث المعامل، ومزودة بأعلى نظم تعليمية، وأفضل مناهج، قادرة أن تنافس من خلالها بشراسة أفضل الجامعات، في الشرق الأوسط وليس في مصر؛ لتوقيع الجامعة شراكات وبروتوكولات تعاون وتفاهم وتبادل خبرات مع كبرى الجامعات والمؤسسات العلمية الدولية، للارتقاء بمستوى أعضاء هيئة التدريس، والطلاب معًا.
ودار في ذهني سؤال، ما علاقة الدكتور عبيد صالح، وهو أستاذ بكلية الطب البيطري، بأن يدير مؤتمرًا متخصصا عن الإعلام؟ وقررت الصمت حتى يبدأ الرجل حديثه، فوجدت نفسي في حضرة أحد عمداء الإعلام، وليس الطب فحسب، وحين أخذ الحوار طابعا سياسيا ثم اقتصاديا، ثم اجتماعيا، وفلسفيا أيضا، وجدته الدارس والمدرس والمختص فيما يدور حوله، موسوعة متنقلة، لا يقتصر علمه على حقبة ولا تخصص، متسع متشعب متطلع الأفق، يبحث دومًا عن كل ما هو جديد، ولا يترك بابا ينفع به طلابه إلى ويطرقه، وخرجنا من المؤتمر بتوصيات جادة لا تقل عن التوصيات التي تخرج بها كبريات المؤتمرات.
وخلال جولة، اصطحبنا فيها "صالح"، لتفقد أبنية وكليات الجامعة، ومشروعاتها، لفت نظري انحناء رئيس الجامعة، لالتقاط زجاجة مياه غازية فارغة ملقاة على الأرض، ووضعها في سلة المهملات، أمام الطلاب، ليبرهن أن القدوة ليست في النداء على عامل النظافة، ولكن في الحرص على المكان نظيفًا من أكبر قمة بالجامعة، أمام الطلاب ليسيروا خلفه على نفس النهج، ولعل البعض يظن أنه يفعل ذلك من باب "الشو"، ولكن الحقيقة أن زيارة وفد الصحفيين لم تكن لتغطية أو لتصوير حدث، وإنما كانت مقتصرة على المناقشات البحثية فقط.
ومنذ زيارتي للجامعة، وأنا أتابع عن كثب، ما يدور هناك، من مشاركات علمية، وإنجازات ملموسة، وتطوير مستمر، ومبادرات، تدعونا للفخر أن هناك صرح علمي ضخم، ولد بأنياب حادة، لا يتراجع، وبذكاء نابع من عقول إدارته، وبتعاون بين كافة الأجيال، للخروج بكل ما هو مفيد للفرد والجامعة والوطن ككل.
رأيت النور في جامعة دمنهور، وفيما يقدمه طلابها، وفيما يبذله أساتذتها، المتمثل في مستوى علمي رفيع، ومتطور، ومستوى أخلاقي نبيل وحميد، يجمع الأصالة والرقي في طياته، ويتيح للطلاب مناخًا للإبداع، في ظل توافر الإمكانيات، ورأيت أيضًا إنكارًا للذات وابتعاد عن أعين الميديا، والعمل الدؤوب في صمت.
وإن قُدر لي ان أختار إحدي الجامعات، لأكمل بها دراسات عليا وتكميلية، فلا يسعني فخرًا سوى الالتحاق كباحث ودارس في جامعة دمنهور، التي أتمنى تطبيق رؤيتها وخططتها في كل جامعات وأكاديميات مصر والوطن العربي.