2 تريليون دولار خسائر الاقتصاد العالمى بسبب غسيل الأموال
تتيح التطورات السريعة في مجال المعلومات المالية والتكنولوجيا والاتصالات، للأموال التحرك في أي مكان في العالم بسرعة وسهولة، وبقدر ما أسهم ذلك في دعم النمو والتنمية في عديد من الاقتصادات، وتحويلها من اقتصادات متخلفة إلى اقتصادات ناشئة، فإن الانتقال السهل لرؤوس الأموال ترافق مع ما بات يعرف بغسل الأموال.
وأسهمت تلك الظاهرة - بحسب مراقبين - في تآكل كثير من ثمار النمو الاقتصادي، وهو ما جعل مكافحتها أكثر الحاحا من أي وقت مضى
وإذا كان الطابع السري لعمليات غسل الأموال يعيق عملية مكافحتها ووضع حد نهائي لها، فإن الأمر الأكثر صعوبة وتعقيدا هو عدم القدرة على معرفة القيمة الإجمالية لرؤوس الأموال التي تمر عبر دورة غسل الأموال.
وتقدر أغلب الدراسات الدولية الموثوق بها الأموال التي يتم غسلها حول العالم سنويا بين 2 و 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أو ما يراوح بين 800 مليار دولار إلى تريليوني دولار، وعلى الرغم من أن الهامش بين الرقمين كبير، إلا أن الرقم الأدنى يؤكد خطورة المشكلة، التي تحظى بإجماع دولي لمواجهتها.
أحد الأسئلة الرئيسة في مجال مكافحة غسل الأموال، ترتبط بالأسباب التي سمحت بتنامي الظاهرة المتنامية، بحيث باتت تمثل عبئا ملحوظا على الاقتصاد العالمي.
ويقول لـ"الاقتصادية"، الدكتور دانيال هوبكنز أستاذ الاقتصاد الدولي، وأحد الخبراء البريطانيين في مجال مكافحة غسل الأموال، "إن عددا من التطورات في النظام المالي الدولي في العقود الأخيرة جعل من مصادرة الدخل والأصول المتأتية من الإجرام أكثر صعوبة، كما أن استخدام الدولار بكثافة في تعاملات السوق السوداء محليا ودوليا، والاتجاه العام نحو إلغاء القيود المالية، والتقدم الذي حققته بعض الأسواق الإقليمية مثل منطقة اليورو، وانتشار الملاذات الآمنة، وتطورات البنية التحتية المالية، كل ذلك أسهم في تفشي تلك الظاهرة في معظم بلدان العالم بغض النظر عن تطورها الاقتصادي أو المالي".
ويشير الخبراء إلى صعوبة حصر مكافحة عمليات غسل الأموال على المستوى المحلي أو الوطني فقط، بل إن الأمر في حاجة إلى تعاون إقليمي ودولي في كثير من الأحيان.
فالتدفقات المالية الفاسدة تمثل تهديدا أمنيا خطيرا من خلال تآكل النزاهة المالية والسمعة الدولية، وهو ما تقوم به إيران على سبيل المثال وتحديدا الحرس الثوري الإيراني الذي يلجأ لعمليات غسل الأموال للتغلب على العقوبات المفروضة على إيران.
كولن جارسون الباحث الاقتصادي يرى أن إحراز تقدم في مجال غسل الأموال على المستوى الدولي يتطلب ثلاث خطوات رئيسة.
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أنه يجب الاتفاق على معيار عالمي للشفافية فيما يتعلق بالملكية المعززة بالبيانات الموثقة، وأن تكون السجلات موحدة ومترابطة لتسهيل التعاون، ويجب فرض عقوبات شديدة على الوسطاء مثل البنوك والشركات والكيانات المتورطة في عمليات غسل الأموال، مضيفا أنه يجب أن يتبنى هؤلاء الوسطاء العقلية السائدة ذاتها في صناعة النفط مثلا، فالشركات النفطية الكبرى تقود عملية تحسين الصناعة، وعلى البنوك على سبيل المثال أن تتولى عملية تحسين مجال الخدمات المالية من خلال التصدي لغسل الأموال، إضافة إلى رصد مزيد من الموارد من أجل التطبيق الفعال للقوانين.
إلا أن بعض الخبراء في مجال مكافحة غسل الأموال يبدون تشاؤما واضحا من قدرة المجتمع الدولي على التصدي الجذري لتلك الظاهرة، من منطلق تطور الاقتصادات الرأسمالية الكبرى وتحقيقها منافع مالية ضخمة من تلك الظاهرة.
ففي عام 2018 كشفت التحقيقات عن تورط "دانسك بنك" - أكبر بنك في الدنمارك - "بمعالجة" 230 مليار دولار من المعاملات المشبوهة، كما أن ما يعرف بفضيحة أوراق بنما عام 2016 كشفت عن عمليات احتيال بمليارات الدولارات وتهرب ضريبي عبر استغلال الملاذات الآمنة.
ووفقا لتقرير أوروبي رسمي صادر عام 2017، فإن غسل الأموال يصل إلى 1.2 في المائة من اجمالي الناتج المحلي السنوي للاتحاد الأوروبي أو نحو 225.2 مليار دولار.