سامى جعفر يكتب: مصر تدعم السوريين.. ودمشق فى قلب القاهرة
يعرف بعض الكارهين لوجود السوريين فى مصر، عبارة «مصر أم الدنيا» لكنهم لا يدركون ما تحمله هذه الحقيقة، ولا يعرفون قيمة وطنهم الحقيقية فى العالم، والتى جعلته فى الماضى مهد الحضارة وملجأ الأنبياء وكل من تعرض للظلم فى بلده، أو بحث عن أرض يستكمل فيها حياته آمناً مطمئناً على نفسه وماله وولده من بعده.
لا يعرف أحد متى ولماذا ظهر تعبير «مصر أم الدنيا»، ولكن أى مراجعة بسيطة للتاريخ تكشف أن مصر لم تغلق بابها فى وجه غريب أو ضعيف منذ عرفتها الدنيا قبل آلاف السنين، إذ استضافت مئات الآلاف من الأرمن من الذين استطاعوا الهرب من الأتراك الذين كانوا يريدون إبادتهم تماماً بمذابح مقصودة، ولم يتعامل مصرى واحد مع الأرمن باعتبارهم أغرابًا أو ضعفاء، وفى فترة قصيرة للغاية تحول الأرمن إلى «أهل بيت» وأصبح منهم فنانون وكتّاب ساهموا فى الثقافة المصرية وأصبحوا جزءاً منها وأصبح منهم رجال تولوا مناصب عليا فيها مثل نوبار باشا أحد رؤساء وزراء مصر.
وكانت القاهرة هى الوطن الاختيارى لعلماء ومفكرين أسهموا فى حركة الفكر الإسلامى منهم الإمام محمد بن إرديس الشافعى، والعلّامة عبد الرحمن بن خلدون، وغيرهما، وحديثاً حضر إلى مصر اللبنانى جورج زيدان وأسس دار الهلال التى كانت منبراً ثقافياً مهماً فى نهاية القرن الـ19، كما أسس الشقيقان بشارة وسليم تقلا صحيفة الأهرام، وأسس غيرهم المسرح، ضمن هجرة عربية وسورية على وجه التحديد جذبت فنانيهم ومثقفيهم إلى الارتماء فى أحضان مصر والتحول لجزء من تكوينها الثقافى.
ورغم أن مصر كانت بلداً محتلاً لفترات طويلة فى تاريخها، إلا أنها لم تكره أى أجنبى، أو صاحب دين مختلف وعاش المسيحى والمسلم واليهودى والبهائى يمارسون حياتهم وعقائدهم دون تفرقة، ولم يحدث أن فكر رئيس لمصر فى طرد أبناء بلد حتى لو قامت حكومته بمحاولة اغتياله، ولم تظهر فى مصر حركات معادية للأجانب على غرار ما ظهر فى أوروبا وأمريكا المتقدمين.
لهذا وغيره انفجر استنكار شعبى عارم للمحاولات الخبيثة لترويج شائعات عن كراهية المصريين لوجود السوريين فى مصر، والتى لم تتعد سوى تعليقات فى الفضاء الإلكترونى الذى لا يمكن الوثوق فى دافعها أو مصدرها، بجانب بلاغات قدمها بعض هواة الشهرة بزعم التخوف من مصدر ثروات السوريين الذين يعيشون فى مصر حالياً.
ما يكشف طبيعة هذه الحرب الافتراضية ضد وجود السوريين فى مصر، أنها ظهرت رغم أنهم توافدوا على مصر منذ سنوات، ولو كان لهذه الحرب أساس حقيقى فى الواقع لظهرت فى البداية وليس الآن.
وليس من المتوقع أن يكون لهذا الضجيج غير الصادر عن طحن فى الواقع أى تأثير باستثناء أن الأمر فرصة ليكشف المصريون عن معدنهم الحقيقى وطبيعتهم الإنسانية كبشر لا مثيل لهم فى العالم، يمكن للبعض مثل نبيل نعيم أو بعض المحامين هواة الشهرة محاولة زرع الكراهية بين المصريين والسوريين، ولكن المؤكد أنه لا يمكن لهذه العملية أن تسفر عن حصاد، خصوصاً أن السوريين ليسوا غرباء ولن يكونوا فى يوم من الأيام كما لم يعتبر أى عربى المصرى غريباً.
«مصر أم الدنيا»، حقيقة يثبتها الواقع وليس مجرد تعبير، وإذا نسى البعض هذا الأمر فإنهم ينزعون مصريتهم عن أنفسهم فى اللحظة نفسها، إذ استقبلت مصر سودانيين من الشمال والجنوب قبل انفصالهما وعاش الطرفان الذين سال منهما الدم فى وطنهما الأم آمنين فى مصر وانتشروا فى جميع المحافظات دون أن تقع حادثة كراهية واحدة.
وبينما كان العالم بأكمله يتعامل مع الفلسطينيين الذين هربوا من مذابح وإرهاب الإسرائيليين باعتبارهم لاجئين كانت مصر تمنحهم الإقامة والوظائف الحكومية وفرص الترقى ليكونوا رؤساء فى مصالح حكومية دون أن يشكو موظف من الأمر أو يطالب بحرمان رئيسه الفلسطينى من منصبه.
ومصر هى البلد الوحيد الذى لم يتاجر بقضية اللاجئين السوريين رغم أنها كانت منهكة بعد أحداث ثورتى 25 يناير و30 يونيو، فاستقبلت مئات الآلاف منهم، عاش أغنياؤهم وسط الطبقة الوسطى المصرية فى المدن الكبرى وافتتحوا محالًا ومصانع، بينما لجأ الفقراء السوريون إلى أحضان أقرانهم فى قرى مصر، وفى الحالتين كان الجميع إخوة تربطهم محبة فطرية.
مصر، وعلى لسان أكبر مسئول، أكدت هذه الحقيقة إذ قال الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مؤتمر ميونخ للأمن فى فبراير الماضى، إن مصر «استضافت» 5 ملايين شخص من دول عربية وإفريقية تعاملت معهم مثلما تتعامل مع مواطنيها ويتمتعون بنفس الخدمات ويحصلون على سلع مدعومة مثل المصريين ولم تلجأ لوضعهم فى مراكز أو معسكرات إيواء كما فعلت دول أخرى، ولم تطلب مساعدات من أحد لرعاية هؤلاء رغم أنهم يشكلون ضغطاً على الخدمات وزحاماً فى الطرق وارتفاعاً فى أسعار الشقق السكنية والإيجارات.