محاكمة عهد

ركن القراء


عثمان محمود مكاوى يكتب :

كان مشهدا مؤثرا و مؤلما على الأقل بالنسبة لى شخصيا و رئيس الدولة السابق مبارك فى قفص الاتهام ممدا على سرير طبى فى قاعة المحكمة و نجلاه علاء و جمال يقفا بجواره . كان المشهد مؤثرا لأن الرجل قد بلغ من العمر عتيا ( 83 عاما ) . إن أكثر شيئ يؤلم أى إنسان هو أن يجد عدوه منكسرا فى حالة ذل لا مثيل لها . لقد تأثرت بالفعل و أصابنى شيئ من الألم . ربما هى العاطفة الإنسانية فنحن المصريين معروف عنا عواطفنا الجياشة تجاه من ظلمنا أو سرقنا و نهب ثرواتنا . حين رأيت هذا المشهد تلوت قوله تعالى قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء و تعز من تشاء و تذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيئ قدير صدق الله العظيم .فعزيز القوم بالأمس صار ذليل اليوم و الذى كان يقبض على البلد بأجهزته القمعية صار لا خلاص له من المحاكمة . لقد أزفت الأزفة ليس لها من دون الله كاشفة .إن المحاكمة التى تجرى الان بأكاديمية الشرطة ليست محاكمة لأفراد فقط بل هى محاكمة لعهد من الفساد يقارب الثلاثة عقود . بطشت خلالها الاجهزة القمعية بالمواطنين الذين كان من المفترض عليها حمايتهم و توفير الامن و الامان و الاستقرار لهم . نعم هى محاكمة عهد فشل فيه النظام فشلا ذريعا فى المجالات المختلفة من اقتصادية و سياسية و تعليمية و اجتماعية و علمية و ثقافية . ثلاثون عاما من الذل و القهر للوطن و كان نتيجة ذلك أن غرق أبناؤه فى البحار و المحيطات من اجل الهجرة نتيجة للفقر الذى أصاب البلاد و العباد .ما كنا نسمع قبل هذا العهد عن مصريين قد انتحروا نتيجة الفقر المدقع . لقد كان هذا العهد من أسوأ العهود التى مرت بها البلاد حتى أسوأ من عهد ما قبل ثورة يوليو 1952 . لأن البلاد فى ذلك الوقت كانت محتلة و مغتصبة من أجنبى يسرق خيراتها الوفيرة و يستعبد أهلها . لكن ما كان ينبغى أن يسرق أحد أبنائها و ابن جلدتها إخوته و أبنائه . لكن للأسف حدث هذا فى عهد الرئيس السابق مبارك . فى ذلك العهد لم يصبح للمصريين كرامة داخل وطنهم و خارجه . صرنا مستباحين من الغير و بعد أن كنا أسيادا يشار الينا بالبنان صرنا أذلة فى كل دولة نتلمس العمل تحت كفالة أراذلهم ! فى هذه القاعة ستستمر أيضا محاكمة وزير الداخلية و كبار معاونيه الذين أذاقوا العباد الامرين و الهوان . فى داخل القفص يوجد رئيس جهاز مباحث أمن الدولة المنحل الذى عذب و قتل الكثير من أبناء الشعب و زج العديد منهم فى السجون و المعتقلات لسنوات طويلة برغم تبرئة القضاء لهم . وكلما برأهم القضاء من التهم المنسوبة اليهم كلما أصدر لهم قرار اعتقال اخر ! . يا لضياع دولة القانون . لكن للحق اقول أننا بصمتنا و خذلاننا ساعدنا رموز هذا العهد على التبجح و الاستعلاء علينا لأنه بصمتنا و ضعفنا امامهم ازدادوا هم قوة و جبروتا .نعم لا ابالغ إذا زعمت أننا ظلمنا رموز هذا العهد بصمتنا و جبننا فتركناهم يرتعون أنى شاءوا . و يأمنون على انفسهم و أهليهم و ممتلكاتهم . إننى ادعوكم من هذه اللحظة ألا نسكت على ظلم أى مسئول كان حجمه . فبثورة 25 يناير سقطت الرموز التى كانت مقدسة و لا رمز و قدسية فى مصر الان الا قدسية القانون فقط فهو الذى ينبغى أن نبجله و ننحنى لارادته أما غير ذلك فلا . و ليعلم اى حاكم قادم لمصر اننا شببنا عن الطوق . كما ينبغى علينا الا نتناسى أن العقبة الوحيدة التى وقفت ضد تقدم مصر و نهضتها تكمن فى غياب الحكم الرشيد الديمقراطى الذى كان أحد اهداف ثورة يوليو 1952 . فقد استطاعت الثورة تحقيق كل اهدافها إلا هذا الهدف و هو الحكم الرشيد من خلال الديمقراطية الحقة . و يبقى ان نقول كلمة حق و هى ان الرئيس السابق قد حمل على كاهله أيضا أخطاءا سياسية لعهود اخرى مضت بالاضافة لاخطائه الفاجعة مما يجعل الحمل عليه ثقيلا . فى النهاية اتسآءل هل يا ترى نستطيع اقامة حياة ديمقراطية سليمة بعد ثورة 25 يناير أم سيظل هذا الهدف بعيد المنال ؟