د. رشا سمير تكتب: الورق.. أصل الحكاية
هل تحتاج الدراما إلى جواز مرور لترسو فى قلوب المشاهدين؟ هل للإبداع جنسية أو لون أو لغة محددة أم أن الإبداع حدوده السماء وموطنه القلوب؟ كيف تُقيم الأعمال الدرامية كل عام من وجهة نظر المشاهدين والنُقاد؟..
أسئلة كثيرة تخيم على الساحة الرمضانية، فى خضم سباق سنوى محموم للاستحواذ على المشاهد..
الحقيقة أن مصر كان لها الريادة دائما فى تقديم أعمال درامية جعلت هوية الدراما مصرية باقتدار، ثم مع الوقت غزت الدراما جنسيات أخرى ودخل فى مضمار السباق وبقوة الدراما السورية تتبعها اللبنانية ومن ثم الكويتية..
على سبيل المثال هناك أعمال لن تسقط أبدا من ذاكرة الدراما الرمضانية مثل مسلسل (ليالى الحلمية).. وهو المسلسل الذى تناول تاريخ مصر بحرفية قلم السيناريست العظيم أسامة أنور عكاشة..
من ليالى الحلمية إلى بوابة الحلوانى وأرابيسك وذئاب الجبل والمال والبنون، تربعت الدراما المصرية على عرش الإبداع العربى طويلا وارتبطت الأذهان بفنانين عظام أبدعوا من خلال جُمل ومشاهد فى سيناريوهات لأقلام معجونة بالإبداع الدرامى.
1- تراجع الدراما
فى رأيى المتواضع أن الأعمال قديما لم تكن تُكتب لأشخاص بعينهم، أى لم يكن العمل هو عمل النجم الواحد، بل كان العمل يُكتب لمجموعة عمل حتى لو كان دور إحداهما لا يزيد عن الجُملة الواحدة فى المسلسل، إلا أن نجاح المسلسل لم يرتبط باسم فلان ولا علان.. النجاح ارتبط بقصة وحبكة ومجموعة أبطال.. هكذا كان النجاح يتحقق..
فى السنوات الأخيرة، أصبحت الدراما الرمضانية هى دراما النجم الواحد..
دراما لا تحتاج إلى سيناريست ولكنها تحتاج إلى ترزى!.. يحيك ويفصل ويُعدل على مقاس بطل المسلسل أو بطلته، لدرجة سمحت لبعض النجوم بالتدخل فى إعادة صياغة النص ليظل هو الوحيد تحت الأضواء والآخرون مجرد (مخدماتية) على العمل.
من هنا بدأت الدراما فى السقوط تدريجيا..حتى هذا العام الذى جعل الكثير من المشاهدين ينفضون عن متابعة المسلسلات.
2- الكلمة أصل الحكاية
من وجهة نظرى أن أزمة الدراما بل أزمة صناعة السينما بالكامل سببها.. الورق.
على سبيل المثال دراما هذا العام أزمتها الحقيقية لم تكمن فى الممثلين لأننا الحقيقة نمتلك الكثير من المبدعين حتى لو غاب النجوم الكبار من على الساحة لسبب أو لآخر..
فلا يمكن أن ننكر أن أحمد السقا وإنجى المقدم ودينا الشربينى ومحمد ممدوح وريهام عبد الغفور وغيرهم قد سطعوا فى سماء رمضان هذا العام، ولكن من خلال أدوارهم الفردية وليس من خلال الأعمال المقدمة..
فبعد حلقات عدة والرجوع لكل من ينبشون فى أصل الأشياء وقفت الدراما الرمضانية كعادتها كل عام فى قفص الاتهام.. فمسلسل زى الشمس أحداثه مأخوذة عن مسلسل أجنبى بالمشهد، ولكن المفاجأة الحقيقية كانت دينا الشربينى التى أطلقت لطاقتها الإبداعية ألف باب لتخرج منه..
فهل أضاف تمصير المسلسلات إلى الدراما أم انتقص منها؟
لقد أصبح الأسهل على كُتاب السيناريو أن يقتبسوا أفكار الآخرين بدلا من الابتكار، حتى الإعلانات وأفيشات الأفلام والمسلسلات أصبحت منقولة بالحرف من الخارج..
فهل حقا مات الإبداع؟..
3- خمسة ونص
هكذا وضعت الدراما اللبنانية والسورية قدمها بكل ثقة على أرض صلبة من خلال مسلسلات جذبت المشاهدين من كافة أنحاء الوطن العربى.
كما عودنا المنتج صادق الصباح أن تكون بطلة مسلسله كل رمضان هى النجمة اللبنانية الجميلة نادين نجيم، الأكيد أنها استطاعت أن تضع بصمتها على الشاشة وتقود دراما ناجحة لخمس سنوات متتالية، أما هذا العام فقد قدمت مسلسل خمسة ونص مع نجمى الدراما السورية قُصى خولى ومعتصم النهار..
قدمت دورا مختلفا ولكن من خلال سيناريو بدا ساكنا فى حلقاته الأولى وإذا به يزداد سخونة لتتطور أحداثه سريعا حين يطرق قلب الصراعات السياسية فى المجتمع اللبنانى، من صراعات الأحزاب وحتى مشكلة القمامة التى أرقت عروس المنطقة لبنان طويلا..
نادين نجيم من وجهة نظرى فنانة تمتلك طاقات تمثيلية عملاقة مازالت تنتظر السيناريو الأقوى لتخرجها..كذلك قدم قُصى خولى أروع وأقوى أدواره، وظهرت رولا حمادة التى ربما تعرف عليها المشاهد المصرى لأول مرة فى دور رائع ومتميز أحييها عليه من كل قلبى.. المسلسل بعذوبته وواقعيته جذب المشاهدين وأنا منهم..فتحية للنجوم الذين شاركوا فى صناعة هذا العمل الناجح والمنتج الواعى صادق الصباح..
4- أسود
أما الحصان الأسود فى الدراما اللبنانية هذا العام فهو مسلسل أسود..المسلسل من تأليف: كلوديا مارشيليان وبطولة العظيمة المعجونة بالإبداع النجمة اللبنانية ورد الخال، ويشاركها فى البطولة المتألق باسم مغنية والنجمة داليدا خليل.. البطل الحقيقى فى هذا المسلسل هو السيناريو والفكرة ومن ثم الأداء الرائع للممثلين، فهو يُلقى الضوء بإسقاط مستتر على تلك البقعة السوداء فى حياة كل منا، من خلال باسم مغنية واسمه أسود فى المسلسل، الذى يخطف عروسًا فى ليلة زفافها دون أن يأخذ فدية ولا أن يمسها بسوء فقط لأنه أحبها فى صمت ومن خلال الحلقات يظهر الدافع الحقيقى وراء الخطف وهو الماضى الأسود الذى يخبأه أسود فى طيات ماضيه الحالك السواد.. تثبت ورد الخال كل عام أنها غول تمثيل، تبتلع كل من يقف أمامها إلا أن الممثلين هذه المرة كانوا بحق قادرين على المنافسة.. المسلسل يمتاز بحبكة قصصية مختلفة وقصة قد تبدو بعيدة ولكنها قريبة.. ومستوى أداء فوق المنافسة.. هكذا ضمن الورق الجيد نجاح هذا العمل، العمل الذى دفعتنى إلى متابعته صديقتى الإعلامية والكاتبة اللبنانية ميشلين حبيب، والتى أشكرها على تلك الدعوة..هكذا نجحت دراما.. وسقطت دراما..وهكذا لمعت نجوم وانطفأت نجوم.. هكذا ابتعدت الدراما المصرية عن مضمار السباق، فخابت توقعات المشاهدين مع غياب النجوم الكبار.. وتفوقت دراما لبنان وسوريا.. اعترف أننى أفتقد بصمة العدل جروب على الدراما هذا العام، لأن التميز طالما كان عنوانه أعمالهم الدرامية.. ويبقى الورق أبدا هو البطل الحقيقى، فالأعمال التى عاشت فى وجدان الناس كانت فى الأصل فكرة وقصة وحدوتة بمذاق رمضانى خالص.